حمل مصحف وورد وبي دي اف.

السبت، 5 يونيو 2021

أسباب النزول للواحدي ج 1و2و.

 

http://www.islamicbook.ws/qbook/alom/images/header.jpg

الكتاب : أسباب نزول القرآن
المؤلف : الواحدي

 بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر ولا تعسر 

قال الشيخ الامام أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري رحمه الله: الحمد لله الكريم الوهاب، هازم الاحزاب، ومنشئ السحاب، ومرسل الهباب، ومنزل الكتاب، في حوادث مختلفة الاسباب.
أنزله مفرقا نجوما وأودعه أحكاما وعلوما، قال عز من قائل: (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا) أخبرنا الشيخ أبو بكر أحمد بن محمد الاصفهاني، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد ابن حيان، قال: حدثنا أبو يحيى الرازي، قال حدثنا سهل بن عثمان العسكري قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا أبو رجاء قال: سمعت الحسن يقول في قوله تعالى - وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث - ذكر لنا أنه كان بين أوله وآخره ثماني عشرة سنة، أنزل عليه بمكة ثماني سنين قبل أن يهاجر، وبالمدينة عشر سنين.
أخبرنا أحمد قال: أخبرنا عبد الله قال: أخبرنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل، قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير عن هشيم عن داود عن الشعبي قال: فرق الله تنزيله فكان بين أوله وآخره عشرون أو نحو من عشرين سنة أنزله قرآنا عظيما، وذكرا حكيما وحبلا ممدودا، وعهدا معهودا، وظلا عميما، وصراطا مستقيما، فيه معجزات باهرة، وآيات ظاهرة، وحجج صادقة، ودلالات ناطقة، دحض به حجج المبطلين، ورد به كيد الكائدين، وأيد به الاسلام والدين، فلمع منهاجه، وثقب سراجه، وشملت

بركته، ولمعت حكمته على خاتم الرسالة، والصادع بالدلالة، الهادي للامة، الكاشف للغمة، الناطق بالحكمة، المبعوث بالرحمة، فرفع أعلام الحق، وأحيا معالم الصدق،
ودمغ الكذب ومحا آثاره، وقمع الشرك وهدم مناره، ولم يزل يعارض ببيناته المشركين حتى مهد الدين، وأبطل شبه الملحدين، صلى الله عليه صلاة لا ينتهى أمدها، ولا ينقطع مددها، وعلى آله وأصحابه الذين هداهم وطهرهم، وبصحبته خصهم وآثرهم، وسلم كثيرا.
وبعد هذا فإن علوم القرآن عزيرة، وضروبها جمة كثيرة، يقصر عنها القول وإن كان بالغا، ويتقلص عنها ذيله وإن كان سابغا، وقد سبقت لي ولله الحمد مجموعات تشتمل على أكثرها، وتنطوي على غررها، وفيها لمن رام الوقوف عليها مقنع وبلاغ، وعما عداها من جميع المصنوعات غنية وفراغ، لاشتمالها على أعظمها محققا، وتأديته إلى متأمله متسقا، غير أن الرغبات اليوم عن علوم القرآن صادفة كاذبة فيها، قد عجزت قوى الملام عن تلافيها، فآل الامر بنا إلى إفادة المبتدئين المتسترين بعلوم الكتاب، إبانة ما أنزل فيه من الاسباب، إذ هي أوفى ما يجب الوقوف عليها، وأولى ما تصرف العناية إليها، لامتناع معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها، دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها، ولا يحل القول في أسباب نزول الكتاب، إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل، ووقفوا على الاسباب، وبحثوا عن علمها وجدوا في الطلاب، وقد ورد الشرع بالوعيد للجاهل ذي العثار في هذا العلم بالنار.
أخبرنا أبو إبراهيم إسماعيل بن ابراهيم الواعظ قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد ابن حامد العطار قال: حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار قال: حدثنا ليث بن حماد قال: حدثنا أبو عوانة، عن عبد الاعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اتقوا الحديث إلا ما علمتم، فإنه من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، ومن كذب على القرآن من غير علم فليتبوأ مقعده من النار) والسلف الماضون رحمهم الله كانوا من أبعد الغاية احترازا عن القول في نزول الآية.
أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبد الله المخلدي قال: أخبرنا أبو عمرو بن نجيد قال:

أخبرنا أبو مسلم قال: حدثنا عبد الرحمن بن حماد قال: حدثنا أبو عمير عن محمد بن سيرين قال: سألت عبيدة عن آية من القرآن فقال: اتق الله وقل سدادا، ذهب الذين يعملون فيما أنزل القرآن.
وأما اليوم فكل أحد يخترع شيئا ويختلق إفكا وكذبا ملقيا زما مه إلى الجهالة، غير مفكر في الوعيد للجاهل بسبب الآية وذلك الذي حدا بي إلى إملاء هذا الكتاب الجامع للاسباب، لينتهى إليه طالبو هذا الشأن والمتكلمون في نزول القرآن، فيعرفوا الصدق ويستغنوا عن التمويه والكذب، ويجدوا في تحفظه بعد السماع والطلب، ولابد من القول أولا في مبادئ الوحي وكيفية نزول القرآن ابتداء على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعهد جبريل إياه بالتنزيل، والكشف عن تلك الاحوال والقول فيها على طريق الاجمال، ثم نفرع القول مفصلا في سبب نزول كل آية روى لها سبب مقول، مروي منقول، والله تعالى الموفق للصواب والسدد، والآخذ بنا عن العاثور إلى الحدد.
القول في أول ما نزل من القرآن أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن إبراهيم المقرى قال: أخبرنا عبد الله بن حامد الاصفهاني قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ قال: حدثني محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر عن ابن شهاب الزهري قال: أخبرني عروة، عن عائشة أنها قالت (أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يأتي حراء فيتحنث فيه، وهو التعبد، الليالي ذوات العدد، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى فجأه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقلت ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ: فقلت ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني

الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ: فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد فقال (اقرأ باسم ربك الذي خلق) حتى بلغ (ما لم يعلم) فرجع بها يرجف فؤاده حتى دخل على خديجة، فقال: زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال: يا خديجة مالي ؟ وأخبرنا الخبر، وقال: قد خشيت علي، فقالت له: كلا أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق) رواه البخاري عن يحيى بن بكير، ورواه مسلم عن محمد بن رافع كلاهما عن عبد الرزاق.
أخبرنا الشريف إسماعيل بن الحسن بن محمد بن الحسين الطبري قال: أخبرنا جدى أبو حامد أحمد بن الحسن الحافظ قال: حدثنا عبد الرحمن بن بشر قال: حدثنا سفيان ابن عيينة، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: (إن أول ما نزل من القرآن اقرأ باسم ربك الذي خلق) رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن أبي بكر الصبغي، عن بشر بن موسى، عن الحميدي عن سفيان أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المقرى قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الجرجاني قال: حدثنا نصر بن محمد الحافظ قال: أخبرنا محمد بن مخلد أن محمد بن إسحاق حدثهم قال: حدثنا يعقوب الدورقي قال: حدثنا أحمد بن نصر بن زياد قال: حدثنا علي ابن الحسين بن واقد قال: حدثني أبي قال: حدثني يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن قالا: أول ما نزل من القرآن (بسم الله الرحمن الرحيم) فهو أول ما نزل من القرآن بمكة، وأول سورة (اقرأ باسم ربك) أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل التاجر قال: أخبرنا محمد بن محمد بن الحسن الحافظ قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا أبو صالح قال: حدثني الليث قال: حدثني عقيل عن ابن شهاب قال: أخبرني محمد بن عباد
ابن جعفر المخزومي أنه سمع بعض علمائهم يقول: كان أول ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم (اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق اقرأ وربك

الاكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم) قالوا: هذا صدرها أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حراء، ثم أنزل آخرها بعد ذلك بما شاء الله.
فأما الحديث الصحيح الذي روى (أن أول ما نزل سورة المدثر) فهو ما أخبرناه الاستاذ أبو إسحاق الثعالبي قال حدثنا عبد الله بن حامد قال: حدثنا محمد بن يعقوب قال: حدثنا أحمد بن عيسى بن زيد البينسى، قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة عن الاوزاعي قال: حدثني يحيى بن أبى كثير قال: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن: أي القرآن أنزل قبل ؟ قال: يا أيها المدثر: قلت: أو اقرأ باسم ربك، قال: سألت جابر بن عبد الله الانصاري: أي القرآن أنزل قبل ؟ قال: يا أيها المدثر، قال، قلت: أو اقرأ باسم ربك.
قال جابر: أحدثكم ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني جاورت بحراء شهرا فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي، فنوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي ثم نظرت إلى السماء فإذا هو على الفرش في الهواء يعني جبريل فأخذتني رجفة فأتيت خديجة فأمرتهم فدثروني ثم صبوا علي الماء، فأنزل الله علي (يا أيها المدثر قم فأنذر) " رواه مسلم عن زهير ابن حرب عن الوليد بن مسلم عن الاوزاعي، وهذا ليس بمخالف لما ذكرناه أولا، وذلك أن جابرا سمع من النبي صلى الله عليه وسلم القصة الاخيرة ولم يسمع أولها فتوهم أن سورة المدثر أول ما نزل وليس كذلك، ولكنها أول ما نزل عليه بعد سورة اقرأ.
والذي يدل على هذا ما أخبرنا أبو عبد الرحمن بن حامد قال: حدثنا محمد بن عبد الله ابن محمد بن زكريا قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولى قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن
عن جابر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه: (فبينما أنا أمشي سمعت صوتا من السماء، فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالسا على كرسي بين السماء والارض، فجثثت منه رعبا فرجعت فقلت: زملوني زملوني، فدثروني فأنزل الله يا أيها المدثر).
رواه البخاري عن عبد الله بن محمد.
ورواه

مسلم عن محمد بن رافع، كلاهما عن عبد الرزاق، وبان بهذا الحديث أن الوحي كان قد فتر بعد نزول اقرأ باسم ربك، ثم نزل يا أيها المدثر، والذي يوضح ما قلنا إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أن الملك الذي جاء بحراء جالس فدل على أن هذه القصة إنما كانت بعد نزول اقرأ.
أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد المقرى قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقرى قال: حدثنا أبو الشيخ قال: وحدثنا أحمد بن سليمان بن أيوب قال: حدثنا محمد بن علي ابن الحسن بن سفيان قال: حدثنا علي بن الحسين بن واقد قال: حدثني أبي قال: سمعت علي بن الحسين يقول: " أول سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة: اقرأ باسم ربك، وآخر سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة: المؤمنون، ويقال العنكبوت، وأول سورة نزلت بالمدينة: ويل للمطففين، وآخر سورة نزلت في المدينة براءة، وأول سورة علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة: والنجم، وأشد آية على أهل النار (فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا) وأرجى آية في القرآن لاهل التوحيد (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك) الآية.
وآخر آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله) وعاش النبي صلى الله عليه وسلم بعدها تسع ليال " القول في آخر ما نزل من القرآن أخبرنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الواعظ قال: حدثنا محمد قال: أخبرنا
أبو عمرو بن مطر قال: أخبرنا أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي قال: حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا أبو إسحاق قال: سمعت البراء بن عازب يقول: " آخر آية نزلت - يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة - وآخر سورة أنزلت: براءة " رواه البخاري في التفسير عن سليمان بن حرب عن شعبة، ورواه في موضع آخر عن أبي الوليد، ورواه مسلم عن بندار عن غندر عن شعبة.

أخبرنا أبو بكر التميمي قال: أخبرنا أبو محمد الجيانى قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا ابن المبارك عن جبير عن الضحاك عن ابن عباس قال: آخر آية نزلت (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله) أخبرنا محمد بن عبد الرحمن النحوي قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن سنان المقرى قال: أخبرنا أحمد بن علي الموصلي قال: حدثنا أحمد بن الاحمش قال: حدثنا محمد بن فضيلة قال: حدثنا الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله) قال: ذكروا أن هذه الآية وآخر آية من سورة النساء نزلت آخر القرآن.
أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الصوفي قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن يعقوب، قال: حدثنا الحسن بن عبد الله العبدى، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا شعبة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس عن أبي بن كعب أنه قال: " آخر آية أنزلت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم) وقرأها إلى آخر السورة " رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن الاصم عن بكار ابن قتيبة عن أبي عامر العقدي عن شعبة.
أخبرني أبو عمرو محمد بن العزير في كتابه أن محمد بن الحسين الحدادي أخبرهم عن محمد بن يزيد قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا وكيع، عن شعبة، عن علي ابن يزيد، عن يونس بن ماهك، عن أبي بن كعب قال: أحدث القرآن بالله عهدا
- لقد جاءكم رسول من أنفسكم - الآية وأول يوم أنزل فيه يوم الاثنين.
أخبرنا أبو إسحاق الثعالبي، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن زكريا الشيباني، قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولى، قال: حدثنا ابن أبي عيل، قال: حدثنا مهدي بن ميمون، قال: حدثنا خثيم قال: حدثنا موسى بن إسما غيلان بن جرير عن عبد الله بن معبد الزما ني عن أبي قتادة " أن رجلا قال: يا رسول الله أرأيت صوم يوم الاثنين ؟ قال: فيه أنزل علي القرآن، وأول شهر أنزل فيه القرآن شهر رمضان، قال الله تعالى ذكره: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) ".

أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان النضروى، قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن إبراهيم ابن مياسر قال: حدثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله قال: حدثنا عبد الله بن جابر ابن الهيثم الغداني قال: حدثنا عمران عن قتادة عن أبي المليح عن وائلة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " نزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان وأنزل التوراة لست مضين من رمضان، وأنزل الانجيل لثلاث عشرة خلت من شهر رمضان، وأنزل الزبور لثما ن عشرة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لاربع وعشرين خلت من رمضان ".
القول في آية التسمية وبيان نزولها أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المقرى قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الجرجاني قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الرحمن الجوهري قال: حدثنا محمد ابن يحيى بن منده قال: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا عثما ن بن سعيد قال: حدثنا بشر بن عما ر، عن أبي رزق، عن الضحاك، عن ابن عباس أنه قال: أول ما نزل به جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يا محمد استعد ثم قل بسم الله الرحمن الرحيم ".
أخبرنا أبو عبد الله بن إسحاق قال: حدثنا إسما عيل بن أحمد الخلال قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن زيدان البجلي قال: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا سفيان بن عيينة
عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرف ختم السورة حتى ينزل عليه (بسم الله الرحمن الرحيم) ".
أخبرنا عبد القاهر بن طاهر البغدادي قال: أخبرنا محمد بن جعفر بن مطر قال: أخبرنا إبراهيم بن علي الرملي قال: حدثنا يحيى بن يحيى قال: أخبرنا عمرو بن الحجاج العبدي عن عبد الله بن أبي حسين ذكر عن عبد الله ابن مسعود قال: " كنا لا نعلم فصل ما بين السورتين حتى نزل بسم الله الرحمن الرحيم ".
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا جدى قال: أخبرنا أبو عمرو

أحمد بن محمد الجرشي قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا محمد بن عيسى بن أبي فديك عن عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال: " نزلت بسم الله الرحمن الرحيم في كل سورة ".
القول في سورة الفاتحة اختلفوا فيها، فعند الاكثرين هي مكية من أوائل ما نزل من القرآن.
حدثنا أبو عثما ن سعيد بن أحمد بن محمد الزاهد قال: أخبرنا جدى قال: أخبرنا أبو عمرو الجبرى قال: حدثنا إبراهيم بن الحارث وعلي بن سهل بن المغيرة قال: حدثنا يحيى بن بكير قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا برز سمع مناديا يناديه: يا محمد، فإذا سمع الصوت انطلق هاربا، فقال له ورقة بن نوفل: إذا سمعت النداء فاثبت حتى تسمع ما يقول لك: قال: فلما برز سمع النداء: يا محمد، فقال: لبيك، قال: قل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، ثم قال: قل الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ما لك يوم الدين حتى فرغ من فاتحة الكتاب " وهذا قول علي ابن أبي طالب.
أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد المفسر قال: أخبرنا الحسن بن جعفر المفسر قال:
أخبرنا أبو الحسن بن محمد بن محمود المروزى قال: حدثنا عبد الله بن محمود السعدى قال: حدثنا أبو يحيى القصرى قال: حدثنا مروان بن معاوية، عن الولاء بن المسيب عن الفضل بن عمر، عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: " نزلت فاتحة الكتاب بمكة من كنز تحت العرش " وبهذا الاسناد عن السعدى حدثنا عمرو بن صالح قال: حدثنا أبي عن الكلبي، عن أبي صالح عن ابن عباس قال: " قام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فقال: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، فقالت قريش: رض الله فاك " ونحو هذا قاله الحسن وقتادة، وعند مجاهد أن الفاتحة مدنية.
قال الحسين ابن الفضل لكل عالم هفوة وهذه بادرة من مجاهد لانه تفرد بهذا القول والعلما ء على خلافه.

ومما يقطع به على أنها مكية قوله تعالى: (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم) يعني الفاتحة.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن النحوي قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن علي الجبرى قال: أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال: حدثنا يحيى بن أذين قال: حدثنا إسما عيل ابن جعفر قال: أخبرني العلاء عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأ عليه أبي بن كعب أم القرآن، فقال: " والذي نفسي بيده ما أنزل الله في التوراة ولا في الانجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها، إنها لهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته ".
وسورة الحجر مكية بلا خلاف، ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب هذا مما لا تقبله العقول.
سورة البقرة مدنية بلا خلاف
أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم قال: أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد ابن محمد بن يوسف قال: حدثنا يعقوب بن سفيان الصغير قال: حدثنا يعقوب ابن سفيان الكبير قال: حدثنا هشام بن عما ر قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا شعيب بن زريق، عن عطاء الخراساني، عن عكرمة قال: أول سورة أنزلت بالمدينة سورة البقرة.
قوله عز وجل: (ألم ذلك الكتاب) أخبرنا أبو عثما ن الزعفراني قال: أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال: أخبرنا جعفر بن محمد بن الليث قال: أخبرنا أبو حذيفة قال: حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: أربع آيات من أول هذه السورة نزلت في المؤمنين، وآيتان بعدها نزلتا في الكافرين، وثلاث عشرة بعدها نزلت في المنافقين.

وقوله (إن الذين كفروا) قال الضحاك: نزلت في أبي جهل وخمسة من أهل بيته، وقال الكلبي: يعني اليهود.
* وقوله تعالى (وإذا لقوا الذين آمنوا) قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي وأصحابه، وذلك أنهم خرجوا ذات يوم فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عبد الله بن أبي انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم ؟ فذهب فأخذ بيد أبي بكر فقال: مرحبا بالصديق سيد بني تيم، وشيخ الاسلام، وثاني رسول الله في الغار، الباذل نفسه وما له، ثم أخذ بيد عمر فقال: مرحبا بسيد بني عدي بن كعب، الفاروق القوي في دين الله، الباذل نفسه وما له لرسول الله، ثم أخذ بيد علي فقال: مرحبا بابن عم رسول الله وختنه، سيد بني هاشم ما خلا رسول الله، ثم افترقوا، فقال عبد الله لاصحابه: كيف رأيتموني فعلت ؟ فإذا رأيتموهم فافعلوا كما فعلت، فأثنوا عليه خيرا، فرجع المسلمون إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأخبروه بذلك فأنزل الله هذه الآية.
* قوله (يا أيها الناس اعبدوا ربكم) أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد قال: أخبرنا أبو علي بن أحمد الفقيه قال: أخبرنا أبو ذر القهستاني قال حدثنا عبد الرحمن ابن بشر قال: حدثنا روح قال: حدثنا شعبة عن سفيان الثوري عن الاعمش عن إبراهيم عن علقمة قال: كل شئ نزل فيه " يا أيها الناس " فهو مكي و " يا أيها الذين آمنوا " فهو مدني يعنى أن يا أيها الناس خطاب أهل مكة ويا أيها الذين آمنوا خطاب أهل المدينة قوله " يا أيها الناس اعبدوا ربكم " خطاب لمشركي مكة إلى قوله " وبشر الذين آمنوا " وهذه الآية نازلة في المؤمنين وذلك أن الله تعالى لما ذكر جزاء الكافرين بقوله " النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين " ذكر جزاء المؤمنين.
* قوله (إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا) قال ابن عباس في رواية أبى ؟ صالح لما ضرب الله سبحانه هذين المثلين للمنافقين يعني قوله " مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ".
(*)

* وقوله: (أو كصيب من السما ء) قالوا الله أجل وأعلى من أن يضرب الامثال فأنزل الله هذه الآية، وقال الحسن وقتادة لما ذكر الله الذباب والعنكبوت في كتابه وضرب للمشركين المثل، ضحكت اليهود وقالوا: ما يشبه هذا كلام الله فأنزل الله هذه الآية.
أخبرنا أحمد بن عبد الله بن إسحاق الحافظ في كتابه قال: أخبرنا سليما ن بن أيوب الطبراني قال: حدثنا بكر بن سهل قال: حدثنا عبد العزيز بن سعيد، عن موسى ابن عبد الرحمن، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس في قوله - إن الله لا يستحيى أن يضرب مثلا - قال: وذلك أن الله ذكر آلهة المشركين، فقال - وإن يسلبهم الذباب شيئا - وذكر كيد الآلهة فجعله كبيت العنكبوت، فقالوا:
أرأيتم حيث ذكر الله الذباب والعنكبوت فيما أنزل من القرآن على محمد، أي شئ يصنع بهذا ؟ فأنزل الله هذه الآية.
* قوله (أتأمرون الناس بالبر) قال ابن عباس في رواية الكلبي عن أبي حاتم بالاسناد الذي ذكر نزلت في يهود المدينة، كان الرجل منهم يقول لصهره ولذوي قرابته ولمن بينهم وبينه رضاع من المسلمين، أثبت على الدين الذي أنت عليه وما يأمرك به، وهذا الرجل يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم فإن أمره حق، فكانوا يأمرون الناس بذلك ولا يفعلونه.
وقوله (واستعينوا بالصبر والصلاة) عند أكثر أهل العلم أن هذه الآية خطاب لاهل الكتاب، وهو مع ذلك أدب لجميع العباد.
وقال بعضهم: رجع بهذا الخطاب إلى خطاب المسلمين والقول الاول أظهر.
* وقوله (إن الذين آمنوا والذين هادوا) الآية.
أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد الحافظ قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر الحافظ قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثما ن العسكري قال: حدثنا يحيى بن أبي زائدة قال: قال ابن جريج عن عبد الله بن كثير، عن مجاهد قال: لما قص سلما ن على النبي صلى الله

عليه وسلم قصة أصحاب الدير قال: هم في النار، قال سلما ن: فأظلمت علي الارض فنزلت - إن الذين آمنوا والذين هادوا - إلى قوله - يحزنون - قال: فكأنما كشف عني جبل.
أخبرنا محمد بن عبد العزيز المروزى قال: أخبرنا محمد بن الحسين الحدادي قال: أخبرنا أبو فرقد قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا عمرو، عن أسباط، عن السدى - إن الذين آمنوا والذين هادوا - الآية قال: نزلت في أصحاب سلما ن الفارسي، لما قدم سلما ن على رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يخبر عن عبادة أصحابه
واجتهادهم وقال: يا رسول الله كانوا يصلون ويصومون ويؤمنون بك ويشهدون أنك تبعث نبيا.
فلما فرغ سلما ن من ثنائه عليهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا سلما ن هم من أهل النار، فأنزل الله - إن الذين آمنوا والذين هادوا، وتلا إلى قوله - ولا هم يحزنون - " أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر قال: أخبرنا محمد بن عبد الله ابن زكرياء قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولى قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي خيثمة قال: حدثنا عمرو بن حما د قال: حدثنا أسباط عن السدي عن أبي ما لك، عن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - إن الذين آمنوا والذين هادوا - الآية، نزلت هذه الآية في سلما ن الفارسي، وكان من أهل جندي سابور من أشرافهم وما بعد هذه الآية نازلة في اليهود.
* وقوله: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم) الآية.
نزلت في الذين غيروا صفة النبي صلى الله عليه وسلم وبدلوا نعته، قال الكلبي بالاسناد الذي ذكرنا: إنهم غيروا صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابهم وجعلوه آدم سبطا طويلا، وكان ربعة أسمر صلى الله عليه وسلم، وقالوا لاصحابهم وأتباعهم: انظروا إلى صفة النبي الذي يبعث في آخر الزما ن، ليس يشبه نعت هذا، وكانت للاخبار والعلما ء مأكلة من سائر اليهود، فخافوا أن يذهبوا مأكلتهم إن بينوا الصفة، فمن ثم غيروا.

* قوله: (وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة) أخبرنا إسما عيل ابن أبي القسم الصوفي قال: أخبرنا أبو الحسين العطار قال: أخبرنا أحمد بن الحسين ابن عبد الجبار قال: حدثني أبو القسم عبد الله بن سعد الزهري قال حدثني أبو عمرو قال: حدثنا أبي عن أبي إسحاق قال: حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: " قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ويهود تقول: إنما هذه الدنيا سبعة
آلاف سنة، إنما يعذب الناس في النار لكل ألف سنة من أيام الدنيا يوم واحد في النار من أيام الآخرة، وإنما هي سبعة أيام ثم ينقطع العذاب، فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم - وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة - " وقال ابن عباس في رواية الضحاك: وجد أهل الكتاب ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين قالوا: لن نعذب في النار إلا ما وجدنا في التوراة، فإذا كان يوم القيامة اقتحموا في النار، فساروا في العذاب حتى انتهوا إلى سقر وفيها شجرة الزقوم، إلى آخر يوم من الايام المعدودة، فقال لهم خزنة النار، يا أعداء الله زعمتم أنكم لن تعذبوا في النار إلا أياما معدودات، فقد انقطع العدد وبقى الامد.
* قوله: (أفتطمعون) الآية.
قال ابن عباس ومقاتل: نزلت في السبعين الذين اختارهم موسى ليذهبوا معه إلى الله تعالى، فلما ذهبوا معه سمعوا كلام الله تعالى وهو يأمر وينهى، ثم رجعوا إلى قومهم، فأما الصادقون فأدوا ما سمعوا، وقالت طائفة منهم: سمعنا الله من لفظ كلامهم يقول: إن استطعتم أن تفعلوا هذه الاشياء فافعلوا، وإن شئتم فلا تفعلوا، ولا بأس، وعند أكثر المفسرين نزلت الآية في الذين غيروا آية الرجم وصفة محمد صلى الله عليه وسلم.
* وقوله: (وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا) وقال ابن عباس كان يهود خيبر تقاتل غطفان، فكلما التقوا هزمت يهود خيبر، فعاذت اليهود بهذا الدعاء وقالت: اللهم إنا نسألك بحق النبي الامي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر

الزمان إلا نصرتنا عليهم، قال: فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء، فهزموا غطفان، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كفروا به، فأنزل الله تعالى - وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا - أي بك يا محمد، إلى قوله - فلعنة الله على الكافرين -.
وقال السدى: كانت العرب تمر بيهود فتلقى اليهود منهم أذى، وكانت اليهود تجد نعت محمد في التوراة أن يبعثه الله فيقاتلون معه العرب، فلما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم كفروا به حسدا، وقالوا: إنما كانت الرسل من بني إسرائيل، فما بال هذا من بني إسماعيل.
* قوله: (قل من كان عدوا لجبريل) الآية.
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد الزاهد قال: أخبرنا الحسن بن أحمد الشيباني قال: أخبرنا المؤمل بن الحسن قال: حدثنا محمد بن إسماعيل بن سالم قال: أخبرنا أبو نعيم قال: حدثنا عبد الله ابن الوليد، عن بكير، عن ابن شهاب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أقبلت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم نسألك عن أشياء فإن أجبتنا فيها اتبعناك، أخبرنا من الذي يأتيك من الملائكة ؟ فإنه ليس نبي إلا يأتيه ملك من عند ربه عز وجل بالرسالة بالوحي، فمن صاحبك ؟ قال: جبريل، قالوا: ذاك الذي ينزل بالحرب وبالقتال، ذاك عدونا لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالمطر والرحمة اتبعناك، فأنزل الله تعالى - قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك - إلى قوله فإن الله عدو للكافرين -.
* قوله: (من كان عدوا لله وملائكته) الآية، أخبرنا أبو بكر الاصفهاني قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا علي بن مسهر عن داود عن الشعبي قال: قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: كنت آتي اليهود عند دراستهم التوراة فأعجب من موافقة القرآن التوراة (2 - أسباب النزول)

وموافقة القرآن، فقالوا: يا عمر ما أحد أحب إلينا منك، قلت ولم ؟ قالوا: لانك تأتينا وتغشانا، قلت: إنما أجئ لاعجب من تصديق كتاب الله بعضه بعضا، وموافقة
التوراة القرآن وموافقة القرآن التوراة، فبينما أنا عندهم ذات يوم إذ مر رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف ظهري، فقالوا: إن هذا صاحبك فقم إليه، فالتفت إليه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دخل خوخة في المدينة، فأقبلت عليهم فقلت: أنشدكم بالله وما أنزل عليكم من كتاب أتعلمون أنه رسول الله ؟ فقال سيدهم: قد نشدكم الله فأخبروه.
فقالوا: أنت سيدنا فأخبره، فقال سيدهم: إنا نعلم أنه رسول الله، قال: فقلت فأنت أهلكهم إن كنتم تعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم تتبعوه، قالوا: إن لنا عدوا من الملائكة وسلما من الملائكة، فقلت من عدوكم، ومن سلمكم ؟ قالوا: عدونا جبريل، وهو ملك الفظاظة والغلظة والاصار والتشديد، قلت ومن سلمكم ؟ قالوا ميكائيل، وهو ملك الرأفة واللين والتيسير، قلت فإني أشهدكم ما يحل لجبريل أن يعادى سلم ميكائيل، وما يحل لميكائيل أن يسالم عدو جبريل وإنهما جميعا، ومن معهما أعداء لمن عادوا وسلم لمن سالموا.
ثم قمت فدخلت الخوخة التي دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبلني فقال - يا ابن الخطاب ألا أقرؤك آيات نزلت علي قبل ؟ قلت بلى -، فقرأ - قل من كان عدوا لجبريل فإنه - الآية، حتى بلغ - وما يكفر بها إلا الفاسقون - قلت: والذي بعثك بالحق ما جئت إلا أخبرك بقول اليهود.
فإذا اللطيف الخبير قد سبقني بالخبر.
قال عمر: فلقد رأيتني أشد في دين الله من حجر.
وقال ابن عباس: إن حبرا من أحبار اليهود من فدك يقال له عبد الله بن صوريا حاج النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله عن أشياء، فلما اتجهت الحجة عليه قال: أي ملك يأتيك من السماء ؟ قال جبريل، ولم يبعث الله نبيا إلا وهو وليه، قال: ذاك عدونا من الملائكة، ولو كان ميكائيل لآمنا بك، إن جبريل نزل بالعذاب والقتال والشدة، فإنه عادانا مرارا كثيرة، وكان أشد ذلك علينا أن الله أنزل على نبينا أن

بيت المقدس سيخرب على يدي رجل يقال له بختنصر، وأخبرنا بالحين الذي يخرب فيه، فلما كان وقته بعثنا رجلا من أقوياء بني إسرائيل في طلب بختنصر ليقتله، فانطلق يطلبه حتى لقيه ببابل غلاما مسكينا ليست له قوة، فأخذه صاحبنا ليقتله فدفع عنه جبريل وقال لصاحبنا: إن كان ربكم الذي أذن في هلاككم فلا تسلط عليه، وإن لم يكن هذا فعلى أي حق تقتله، فصدقه صاحبنا ورجع إلينا، وكبر بختنصر وقوى وغزانا وخرب بيت المقدس، فلهذا نتخذه عدوا فأنزل الله هذه الآية.
وقال مقاتل: قالت اليهود: كان جبريل عدونا أمر أن يجعل النبوة فينا فجعلها في غيرنا، فأنزل الله هذه الآية * قوله (ولقد أنزلنا إليك الكتاب آيات بينات) قال ابن عباس: هذا جواب لابن صوريا حيث قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد ما جئتنا بشئ نعرفه، ما أنزل عليك من آية بينة فنتبعك بها، فأنزل الله هذه الآية.
* قوله (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان) الآية.
أخبرني محمد ابن عبأ العزيز القنطرى قال: أخبرنا أبو الفضل الحدادي قال: أخبرنا أبو يزيد الخالدي قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا جدى قال: أخبرنا حصين بن عبد الرحمن عن عمران بن الحارث قال: بينما نحن عند ابن عباس إذ قال: إن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء، فيجئ أحدهم بكلمة حق فإذا جرب من أحدهم الصدق كذب معها سبعين كذبة فبشر بها قلوب الناس، فاطلع على ذلك سليمان، فأخذها فدفنها تحت الكرسي، فلما مات سليمان قام شيطان الطريق فقال: ألا أدلكم على كنز سليمان المنيع الذي لا كنز له مثله ؟ قالوا: نعم، قال: تحت الكرسي، فأخرجوه، فقالوا: هذا سحر سليمان سحر به الامم، فأنزل الله عذر سليمان - واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان، وما كفر سليمان -.
وقال الكلبي: إن الشياطين كتبوا السحر والنار نجيات على لسان آصف: هذا

ما علم آصف بن برخيا الملك، ثم دفنوها تحت مصلاه حين نزع الله ملكه، ولم يشعر بذلك سليمان، ولما مات سليمان استخرجوه من تحت مصلاه، وقالوا للناس: إنما ملككم سليمان بهذا فتعلموه، فلما علم علماء بني إسرائيل قالوا: معاذ الله أن يكون هذا علم سليمان، وأما السفلة فقالوا: هذا علم سليمان، وأقبلوا على تعلمه، ورفضوا كتب أنيائها (أنبيائها)، ففشت الملامة لسليمان، فلم تزل هذه حالهم حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله عذر سليمان على لسانه ونزل براءته مما رمى به فقال - واتبعوا ما تتلوا الشياطين - الآية.
أخبرنا سعيد بن العياش القرشي كتابة أن الفضل بن زكرياء حدثهم، عن أحمد ابن نجدة، عن سعيد بن منصور، عن عثمان بن بشير عن حصيفة قال: كان سليمان إذا نبتت الشجرة قال: لاي داء أنت ؟ فتقول لكذا وكذا، فلما نبتت شجرة الخروبة قال: لاي شئ أنت ؟ قالت لخراب بيتك، قال: تخربينه ؟ قالت: نعم، قال: بئس الشجرة أنت، فلم يلبث أن توفى، فجعل الناس يقولون في مرضاهم: لو كان مثل سليمان، فأخذت الشياطين فكتبوا كتابا وجعلوه في مصلى سليمان وقالوا: نحن ندلكم على ما كان سليمان يداوى به، فانطلقوا فاستخرجوا ذلك فإذا فيه سحر ورقى - فأنزل الله تعالى - واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان - إلى قوله - فلا تكفر - قال السرى: إن الناس في زمن سليمان كتبوا السحر فاشتغلوا بتعلمه، فأخذ سليمان تلك الكتب فدفنها تحت كرسيه ونهاهم عن ذلك، ولما مات سليمان وذهب به كانوا يعرفون دفن الكتب، فتمثل شيطان على صورة إنسان فأتى نفرا من بني إسرائيل وقال: هل أدلكم على كنز لا تأكلونه أبدا ؟ قالوا نعم، قال: فاحفروا تحت الكرسي فحفروا فوجدوا تلك الكتب، فلما أخرجوها قال الشيطان: إن سليمان ضبط الجن والانس والشياطين والطيور بهذا، فأخذ بنو إسرائيل تلك الكتب، فلذلك أكثر
ما يوجد السحر في اليهود، فبرأ الله عز وجل سليمان من ذلك، وأنزل هذه الآية.
* قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا) الآية.
قال ابن عباس في

رواية عطاء: وذلك أن العرب كانوا يتكلمون بها، فلما سمعتهم اليهود يقولونها للنبي صلى الله عليه وسلم أعجبهم ذلك، وكان " راعنا " في كلام اليهود سبا قبيحا، فقالوا: إنا كنا نسب محمدا سرا، فالآن أعلنوا السب لمحمد فإنه من كلامه، فكانوا يأتون نبي الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: يا محمد راعنا ويضحكون، ففطن بها رجل من الانصار وهو سعد بن عبادة، وكان عارفا بلغة اليهود وقال: يا أعداء الله، عليكم لعنة الله والذي نفس محمد بيده لئن سمعتها من رجل منكم لاضربن عنقه، فقالوا: ألستم تقولونها ؟ فأنزل الله تعالى - يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا الآية -.
* قوله تعالى: (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب) الآية.
قال المفسرون: إن المسلمين كانوا إذا قالوا لحلفائهم من اليهود: آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، قالوا: هذا الذي تدعوننا إليه ليس بخير مما نحن عليه، ولوددنا لو كان خيرا فأنزل الله تعالى تكذيبا لهم.
* قوله تعالى (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها) قال المفسرون: إن المشركين قالوا: أترون إلى محمد يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه، ويقول اليوم قولا ويرجع عنه غدا، ما هذا في القرآن إلا كلام محمد بقوله من تلقاء نفسه، وهو كلام يناقض بعضه بعضا، فأنزل الله - وإذا بدلنا آية مكان آية - الآية: وأنزل أيضا - ما ننسخ من آية أو ننسأها نأت بخير منها - الآية.
* قوله تعالى: (أم تريدون أن تسئلوا رسولكم) الآية.
قال ابن عباس نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي كعب ورهط من قريش، قالوا: يا محمد اجعل لنا الصفا ذهبا، ووسع لنا أرض مكة، وفجر الانهار خلالها تفجيرا نؤمن بك، فأنزل
الله تعالى هذه الآية.
وقال المفسرون: إن اليهود وغيرهم من المشركين تمنعوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن قائل يقول: يأتينا بكتاب من السماء جملة كما أتى موسى بالتوراة، ومن قائل يقول: وهو عبد الله بن أبي أمية المخزومي: ائتنى بكتاب من السماء فيه: من رب العالمين، إلى ابن أبي أمية، اعلم أني قد أرسلت محمدا

إلى الناس، ومن قائل يقول: لن نؤمن لك أو تأتي بالله والملائكة قبيلا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى: (ود كثير من أهل الكتاب) الآية.
قال ابن عباس: نزلت في نفر من اليهود قالوا للمسلمين بعد وقعة بدر (1): ألم تروا إلى ما أصابكم ولو كنتم على الحق ما هزمتم، فارجعوا إلى ديننا فهو خير لكم.
أخبرنا الحسين بن محمد الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن المفضل قال: أخبرنا أحمد بن محمد قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا أبو اليمان قال: حدثنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه أن كعب بن الاشرف اليهودي، كان شاعرا وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم، ويحرض عليه كفار قريش في شعره، وكان المشركون واليهود من المدينة حين قدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه أشد الاذى، فأمر الله تعالى نبيه بالصبر على ذلك والعفو عنهم، وفيهم أنزلت - ود كثير من أهل الكتاب - إلى قوله - فاعفوا واصفحوا - * قوله تعالى: (وقالت اليهود ليست النصارى على شئ) نزلت في يهود أهل المدينة ونصارى أهل نجران، وذلك أن وفد نجران لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاهم أحبار اليهود فتناظروا حتى ارتفعت أصواتهم، فقالت اليهود: ما أنتم على شئ من الدين وكفروا بعيسى والانجيل، وقالت لهم النصارى ما أنتم على شئ
من الدين، فكفروا بموسى والتوراة، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى: (ومن أظلم ممن منع مساجد الله) الآية، نزلت في ططلوس الرومي وأصحابه من النصارى، وذلك أنهم غزوا بني إسرائيل، فقتلوا مقاتلتهم، وسبوا ذراريهم، وحرقوا التوراة، وخربوا بيت المقدس، وقذفوا فيه الجيف، وهذا قول
__________
(1) هكذا بالنسخ، ولعل صوابه: أحد، لان بدرا لم تهزم فيها المسلمون.
اه مصححه.
(*)

ابن عباس في رواية الكلبي.
وقال قتادة: هو بختنصر وأصحابه غزوا اليهود وخربوا بيت المقدس، وأعانتهم على ذلك النصارى من أهل الروم.
وقال ابن عباس في رواية عطاء.
نزلت في مشركي أهل مكة ومنعهم المسلمين من ذكر الله تعالى في المسجد الحرام.
* قوله تعالى: (ولله المشرق والمغرب) اختلفوا في سبب نزولها.
فأخبرنا أبو منصور المنصوري قال.
أخبرنا علي بن عمر الحافظ قال: حدثنا أبو محمد إسماعيل بن علي قال: حدثنا الحسن بن علي بن شبيب العمري قال: حدثنا أحمد ابن عبيدالله العبدي قال: وجدنا في كتاب أبي قال: حدثنا عبد الملك العرزمى قال: حدثنا عطاء بن أبى رباح، عن جابر بن عبد الله قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية كنت فيها، فأصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة، فقالت طائفة منا: قد عرفنا القبلة هي ها هنا قبل الشمال، فصلوا وخطوا خطوطا، وقال بعضنا: القبلة ها هنا قبل الجنوب وخطوا خطوطا فلما أصبحوا وطلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة، فلما قفلنا من سفرنا سألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فسكت فأنزل الله تعالى - ولله المشرق والمغرب، فأينما تولوا فثم وجه الله -.
أخبرنا أبو منصور قال: أخبرنا علي قال: أخبرنا يحيى بن صاعد قال: حدثنا - محمد بن إسماعيل الاحمشي قال: حدثنا وكيع.
قال: حدثنا أشعث السمان، عن عاصم ابن عبيدالله، عن عبد الله بن عامر، عن ربيعة، عن أبيه قال: كنا نصلي مع النبي صلى
الله عليه وسلم في السفر في ليلة مظلمة، فلم يدر كيف القبلة، فصلى كل رجل منا على حاله، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت - فأينما تولوا فثم وجه الله - ومذهب ابن عمر أن الآية نازلة في التطوع بالنافلة.
أخبرنا أبو القاسم بن عبد ان قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا محمد ابن يعقوب قال: حدثنا أبو البختري بن عبد الله بن محمد بن شاكر قال: حدثنا أبو أسامة عن عبد الملك بن سليمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر قال: أنزلت - فأينما تولوا فثم وجه الله - أي صل حيث توجهت بك راحلتك في التطوع.

وقال ابن عباس في رواية عطاء: إن النجاشي لما توفى قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن النجاشي توفى، فصل عليه، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يحضروا وصفهم ثم تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لهم: إن الله أمرني أن أصلي على النجاشي وقد توفى فصلوا عليه، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنفسهم: كيف نصلي على رجل مات وهو يصلي على غير قبلتنا ؟ وكان النجاشي يصلي إلى بيت المقدس حتى مات، وقد صرفت القبلة إلى الكعبة، فأنزل الله تعالى - فأينما تولوا فثم وجه الله -.
ومذهب ابن عباس أن هذه منسوخة بقوله تعالى - وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره - فهذا قول ابن عباس عند عطاء الخراساني وقال: أول ما نسخ من القرآن شيئان القبلة، قال الله تعالى - فأينما تولوا فثم وجه الله - قال: فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس وترك البيت العتيق، ثم صرفه الله تعالى إلى البيت العتيق.
وقال في رواية ابن أبي طلحة الوالبي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة.
وكان أكثر أهلها اليهود، أمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود فاستقبلها بضعة عشر شهرا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة
إبراهيم، فلما صرفه الله تعالى إليها ارتاب من ذلك اليهود وقالوا: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، فأنزل الله تعالى - فأينما تولوا فثم وجه الله -.
* قوله: (وقالوا اتخذ الله ولدا) نزلت في اليهود حيث قالوا: عزير بن الله، وفي نصارى نجران حيث قالوا: المسيح ابن الله، وفي مشركي العرب قالوا: الملائكة بنات الله.
* قوله: (ولا تسئل عن أصحاب الجحيم) قال ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: ليت شعري ما فعل أبو اي ؟ فنزلت هذه الآية، وهذا على قراءة من قرأ - ولا تسل عن أصحاب الجحيم - جزماء وقال مقاتل: إن

النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو أنزل الله بأسه باليهود لآمنوا، فأنزل الله تعالى - ولا تسل عن أصحاب الجحيم.
* قوله: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى) الآية قال المفسرون: إنهم كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم الهدنة ويطمعون أنهم إذا هادنهم وأمهلهم اتبعوه ووافقوه، فأنزل الله تعالى هذه الآية وقال ابن عباس هذا في القبلة، وذلك أن يهود المدينة ونصارى نجران كانوا يرجعون أن يصلي النبي صلى الله عليه وسلم إلى قبلتهم، فلما صرف الله القبلة إلى الكعبة شق ذلك عليهم، فيئسوا منه أن يوافقهم على دينهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله: (الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته) قال ابن عباس في رواية عطاء والكلبي: نزلت في أصحاب السفينة الذين أقبلوا مع جعفر ابن أبى طالب من أرض الحبشة كانوا أربعين رجلا من الحبشة وأهل الشام وقال الضحاك: نزلت فيمن آمن من اليهود.
وقال قتادة وعكرمة: نزلت في محمد صلى الله عليه وسلم.
* قوله: (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت) الآية.
نزلت في.
اليهود حين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ألست تعلم أن يعقوب يوم مات أوصى
بنية (بنيه) باليهودية.
* قوله: (وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا) قال ابن عباس: نزلت في رءوس يهود المدينة: كعب بن الاشرف، ومالك بن الصيف، وأبي ياسر ابن أخطب، وفي نصارى أهل نجران، وذلك أنهم خاصموا المسلمين في الدين كل فرقة تزعم أنها أحق بدين الله تعالى من غيرها، فقالت اليهود: نبينا أفضل الانبياء، وكتابنا التوراة أفضل الكتب، وديننا أفضل الاديان، وكفرت بعيسى والانجيل ومحمد والقرآن، وقالت النصارى: نبينا أفضل الانبياء، وكتابنا الانجيل أفضل الكتب، وديننا أفضل الاديان، وكفرت بمحمد والقرآن.
وقال كل واحد من الفريقين للمؤمنين: كونوا على ديننا فلا دين إلا ذلك ودعوهم إلى دينهم.

قوله صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة) قال ابن عباس: إن النصارى كان إذا ولد لاحدهم ولد فأتى عليه سبعة أيام، صبغوه في ماء لهم يقال له المعمودي ليطهروه بذلك، ويقولون هذا طهور مكان الختان، فإذا فعلوا ذلك صار نصرانيا حقا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله: (سيقول السفهاء من الناس) الآية.
نزلت في تحويل القبلة.
أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا زاهر بن جعفر قال: أخبرنا الحسن ابن محمد بن مصعب قال: حدثنا يحيى بن حكيم قال: حدثنا عبد الله بن رجاء قال: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يتوجه نحو الكعبة، فأنزل الله تعالى - قد نرى تقلب وجهك في السماء - إلى آخر الآية، فقال السفهاء من الناس وهم اليهود: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قال الله تعالى - قل لله المشرق والمغرب - إلى آخر الآية، رواه
البخاري عن عبد الله بن رجاء.
* قوله: (وما كان الله ليضيع إيمانكم) قال ابن عباس في رواية الكلبي، كان رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ماتوا على القبلة الاولى، منهم أسعد بن زرارة وأبو أمامة أحد بني النجار، والبراء بن معرور أحد بني سلمة، وأناس آخرون، جاءت عشائرهم فقالوا: يا رسول الله توفى إخواننا وهم يصلون إلى القبلة الاولى، وقد صرفك الله تعالى إلى قبلة إبراهيم، فكيف بإخواننا فأنزل الله - وما كان الله ليضيع إيمانكم - الآية ثم قال - قد نرى تقلب وجهك في السماء - وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل عليه السلام: وددت أن الله صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها، وكان يريد الكعبة، لانها قبلة إبراهيم، فقال له جبريل: إنما أنا عبد مثلك لا أملك شيئا، فسل ربك أن يحولك عنها إلى قبلة إبراهيم، ثم ارتفع جبريل وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يديم النظر إلى السماء رجاء أن يأتيه جبريل بما سأله، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد المنصوري قال: أخبرنا علي عم الحافظ قال: حدثنا عبد الوهاب بن عيسى قال: حدثنا أبو هشام الرفاعي قال: حدثنا أبو بكر بن عياش قال: حدثنا أبو إسحاق عن البراء قال: " صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قدومه المدينة سبعة عشر شهرا نحو بيت المقدس، ثم علم الله عز وجل هوى نبيه صلى الله عليه وسلم، فنزلت - قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها - الآية، رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي الاحوص، ورواه البخاري، عن أبي ؟ نعيم، عن زهير كلاهما عن أبي إسحاق.
* قوله: (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) الآية، نزلت في مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه كانوا يعرفون رسول الله
صلى الله عليه وسلم بنعته وصفته وبعثه في كتابهم كما يعرف أحدهم ولده إذا رآه مع الغلمان، قال عبد الله بن سلام: لانا أشد معرفة برسول الله صلى الله عليه وسلم مني بابني، فقال له عمر بن الخطاب: وكيف ذاك يا ابن سلام ؟ قال: لاني أشهد أن محمدا رسول الله حقا يقينا، وأنا لا أشهد بذلك على ابني، لاني لا أدري ما أحدث النساء، فقال عمر: وفقك الله يا ابن سلام.
* قوله: (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات) الآية نزلت في قتلى بدر، وكانوا بضعة عشر رجلا، ثمانية من الانصار وستة من المهاجرين، وذلك أن الناس كانوا يقولون للرجل يقتل في سبيل الله مات فلان وذهب عنه نعيم الدنيا ولذتها فأنزل الله هذه الآية.
* قوله: (إن الصفا والمروة من شعائر الله) الآية، أخبرنا سعيد بن محمد ابن أحمد الزاهد قال: أخبرنا أبو علي بن أبي بكر الفقيه قال: أخبرنا عبد الله بن محمد ابن عبد العزيز قال: حدثنا مصعب بن عبد الله الدميري.
قال: حدثنى مالك عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: أنزلت هذه الآية في الانصار، كانوا يحجون لمناة، وكانت مناة حذو قدد، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما جاء الاسلام

سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية، رواه البخاري، عن عبد الله بن يوسف عن مالك.
أخبرنا أبو بكر التميمي قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل العسكري قال: حدثنا يحيى بن عبد الرحمن، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: أنزلت هذه الآية في ناس من الانصار كانوا إذا أهلوا لمناة في الجاهلية لم يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما قدموا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحج ذكروا ذلك له، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
رواه مسلم، عن أبي بكر بن شيبة، عن
أبي أسامة، عن هشام.
وقال أنس بن مالك: كنا نكره الطواف بين الصفا والمروة لانهما كانا من مشاعر قريش في الجاهلية، فتركناه في الاسلام، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال عمرو بن الحسين: سألت ابن عمر عن هذه الآية فقال: انطلق إلى ابن عباس فسله فإنه أعلم من بقى بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، فأتيته فسألته، فقال: كان على الصفا صنم على صورة رجل يقال له إساف، وعلى المروة صنم على صورة امرأة تدعى نائلة، زعم أهل الكتاب أنهما زنيا في الكعبة فمسخهما الله تعالى حجرين، ووضعهما على الصفا والمروة ليعتبر بهما، فلما طالت المدة عبد ا من دون الله تعالى، فكان أهل الجاهلية إذا طافوا بينهما مسحوا الوثنين، فلما جاء الاسلام وكسرت الاصنام كره المسلمون الطواف لاجل الصنمين، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال السدى كان في الجاهلية تعزف الشياطين بالليل بين الصفا والمروة وكانت بينهما آلهة، فلما ظهر الاسلام قال المسلمون: يا رسول الله لا نطوف بين الصفا والمروة فإنه شرك كنا نصنعه في الجاهلية، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا منصور بن عبد الوهاب البزار قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن سنان قال: أخبرنا حامد بن محمد بن شعيب قال: أخبرنا محمد بن بكار قال: حدثنا إسماعيل بن زكريا عن عاصم، عن أنس بن مالك قال: كانوا يمسكون عن الطواف بين الصفا والمروة،

وكانا من شعار الجاهلية، وكنا نتقي الطواف بهما فأنزل الله تعالى - إن الصفا والمروة من شعائر الله - الآية.
رواه البخاري عن أحمد ابن محمد عن عبد الله عن عاصم * قوله: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى) نزلت في علماء أهل الكتاب وكتمانهم آية الرجم وأمر محمد صلى الله عليه وسلم * قوله (إن في خلق السموات والارض) الآية، أخبرنا عبد العزيز
ابن طاهر التميمي قال: أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال: أخبرنا أبو عبد الله الزيادي قال: حدثنا موسى بن مسعود النهدي قال: حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن عطاء قال: أنزلت بالمدينة على النبي صلى الله عليه وسلم: (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم) فقالت كفار قريش بمكة كيف يسع الناس إله واحد ؟ فأنزل الله تعالى - إن في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار - حتى بلغ - لقوم يعقلون -.
أخبرنا أبو بكر الاصبهاني قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الحافظ قال: حدثنا أبو يحيى الدارى قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا أبو الاحوص، عن سعيد ابن مسروق، عن أبي الضحى قال: لما نزلت هذه الآية - وإلهكم إله واحد - تعجب المشركون وقالوا: إله واحد ؟ إن كان صادقا فليأتنا بآية فأنزل الله تعالى - إن في خلق السموات والارض - إلى آخر الآية.
* قوله: (يا أيها الناس كلوا مما في الارض حلالا طيبا) قال الكلبي: نزلت في ثقيف وخزاعة وعامر بن صعصعة حرموا على أنفسهم من الحرث والانعام، وحرموا البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي * قوله: (إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب) قال الكلبي عن ابن عباس: نزلت في رؤساء اليهود وعلمائهم، كانوا يصيبون من سفلتهم الهدايا،

وكانوا يرجون أن يكون النبي المبعوث منهم، فلما بعث من غيرهم خافوا ذهاب مأكلتهم وزوال رياستهم، فعمدوا إلى صفة محمد صلى الله عليه وسلم فغيروها ثم أخرجوها إليهم، وقالوا: هذا نعت النبي الذي يخرج في آخر الزمان، لا يشبه نعت هذا النبي الذي بمكة فإذا نظرت السفلة إلى النعت المتغير وجدوه مخالفا لصفة محمد صلى الله عليه وسلم فلا يتبعونه.
* قوله: (ليس البر أن تولوا وجوهكم) الآية، قال قتادة: ذكر لنا أن رجلا سأل نبي الله صلى الله عليه وسلم عن البر، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قال: وقد كان الرجل قبل الفرائض إذا شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبد ه ورسوله، ثم مات على ذلك، وجبت له الجنة، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى) الآية، قال الشعبي: كان بين حيين من أحياء العرب قتال، وكان لاحد الحيين طول على الآخر، فقالوا: نقتل بالعبد منا الحر منكم، وبالمرأة الرجل، فنزلت هذه الآية.
* قوله (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) قال ابن عباس في رواية الوالبي: وذلك أن المسلمين كانوا في شهر رمضان إذا صلوا العشاء حرم عليهم النساء والطعام إلى مثلها من القابلة ثم إن ناسا من المسلمين أصابوا من الطعام والنساء في شهر رمضان بعد العشاء، منهم عمر بن الخطاب، فشكوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الآية.
أخبرنا أبو بكر الاصفهاني قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: حدثنا عبد الرحمن ابن محمد الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان العسكري قال: حدثنا يحيى ابن زائدة قال: حدثني أبى وغيره، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب قال: كان المسلمون إذا أفطروا يأكلون ويشربون ويمسون النساء ما لم يناموا، فإذا ناموا لم يفعلوا شيئا من ذلك إلى مثلها، وأن قيس بن صرمة الانصاري كان صائما، فأتى أهله عند الافطار فانطلقت امرأته تطلب شيئا وغلبته عيناه فنام، فلما انتصف النهار من غد غشى عليه،

قال: وأتى عمر امرأته وقد نامت، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت - أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم - إلى قوله - الفجر - ففرح المسلمون بذلك.
أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبى حامد قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد الشيباني
قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولى قال: حدثنا الزعفراني قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق.
عن البراء قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائما فحضر الافطار فنام قبل أن يطعم، لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي، وإن قيس بن صرمة الانصاري كان صائما، فلما حضر الافطار أتى امرأته، فقال: هل عندك طعام ؟ قالت لا، ولكن أنطلق فأطلب لك، وكان يومه يعمل فغلبته عيناه، وجاءته امرأته، فلما رأته قالت: خيبة لك فأصبح صائما، فلما انتصف النهار غشى عليه، فذكر ذلك للنبي صلى لله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية - أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم - ففرحوا بها فرحا شديدا، رواه البخاري عن عبد الله بن موسى عن إسرائيل.
أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي قال: أخبرنا محمد بن الفضل قال: أخبرنا أحمد ابن محمد بن الحسن الحافظ قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا يحيى بن حمزة قال: حدثنا إسحاق بن أبي قدوة، عن الزهري أنه حدثه عن القاسم ابن محمد قال: إن بدء الصوم كان يصوم الرجل من عشاء إلى عشاء، فإذا نام لم يصل إلى أهله بعد ذلك، ولم يأكل ولم يشرب، حتى جاء عمر إلى امرأته فقالت: إني قد نمت فوقع بها وأمسى صرمة بن أنس صائما فنام قبل أن يفطر، وكانوا إذا ناموا لم يأكلوا ولم يشربوا، فأصبح صائما وكاد الصوم يقتله، فأنزل الله عز وجل الرخصة قال - فتاب عليكم وعفا عنكم - الآية.
أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد قال: أخبرنا جدى قال: أخبرنا أبو عمرو الحيرى قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا ابن أبي مريم قال: أخبرنا أبو حسان قال: حدثنى أبو حازم عن سهل بن سعد قال: نزلت هذه الآية - وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم

الخيط الابيض من الخيط الاسود - ولم ينزل - من الفجر - وكان رجال إذا أرادوا
الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الابيض والخيط الاسود فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له زيهما، فأنزل الله تعالى بعد ذلك - من الفجر - فعلموا أنما يعني بذلك الليل والنهار، رواه البخاري عن بن أبى مريم، ورواه مسلم عن محمد بن سهل عن أبى مريم قوله: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) الآية، قال مقاتل ابن حيان: نزلت هذه الآية في امرئ القيس بن عابس الكندى، وفي عبد ان بن أشوع الحضرمي، وذلك أنهما اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أرض، وكان امرؤ القيس المطلوب وعبدان الطالب، فأنزل الله تعالى هذه الآية فحكم عبدان في أرضه، ولم يخاصمه.
* قوله: (يسألونك عن الاهلة) الآية، قال معاذ بن جبل: يارسول الله إن اليهود تغشانا ويكثرون مسألتنا عن الاهلة، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال قتادة: ذكر لنا أنهم سألوا نبى الله صلى الله عليه وسلم: لم خلقت هذه الاهلة ؟ فأنزل الله تعالى - قل هي مواقيت للناس والحج -.
وقال الكلبى: نزلت في معاذ ابن جبل وثعلبة بن عنمة، وهما رجلان من الانصار قالا: يا رسول الله ما بال الهلال يبدو فيطلع دقيقا مثل الخيط ثم يزيد حتى يعظم ويستوى ويستدير، ثم لا يزال ينقص ويدق حتى يكون كما كان، لا يكون على حال واحدة ؟ فنزلت هذه الآية.
* قوله (وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها) أخبرنا محمد بن إبراهيم المزكى قال: أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال: أخبرنا أبو خليفة قال: حدثنا أبو الوليد والاحوص قالا: حدثنا شعبة قال: أنبأنا أبو إسحاق قال: سمعت البراء يقول كانت الانصار إذا حجوا فجاءوا لا يدخلون من أبو اب بيوتهم، ولكن من ظهورها، فجاء رجل فدخل من قبل باب، فكأنه عير بذلك، فنزلت هذه الآية.
رواه البخاري عن أبي الوليد، ورواه مسلم عن بندار عن غندر عن شعبة.

أخبرنا أبو بكر التميمي قال: حدثنا أبو الشيخ قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال:
حدثنا سهل بن عبيدة قال: حدثنا عبيدة عن الاعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: كانت قريش تدعى الحمس، وكانوا يدخلون من الابواب في الاحرام، وكانت الانصار وسائر العرب لا يدخلون من باب في الاحرام، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بستان، إذ خرج من بابه وخرج معه قطبة بن عامر الانصاري، فقالوا: يا رسول الله إن قطبة بن عامر رجل فاجر وإنه خرج معك من الباب، فقال له: ما حملك على ما صنعت ؟ قال: رأيتك فعلته ففعلت كما فعلت فقال: إني أحمسي قال: فإن ديني دينك، فأنزل الله - وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها - وقال المفسرون: كان الناس في الجاهلية وفي أول الاسلام إذا أحرم الرجل منهم.
بالحج أو العمرة لم يدخل حائطا ولا بيتا ولا دارا من بابه، فإن كان من أهل المدن نقب نقبا في ظهر بيته منه يدخل ويخرج، أو يتخذ سلما فيصعد فيه، وإن كان من أهل الوبر خرج من خلف الخيمة والفسطاط ولا يدخل من الباب حتى يحل من إحرامه ويرون ذلك ذما إلا أن يكون من الحمس، وهم قريش وكنانة وخزاعة وثقيف وخثعم وبنو عامر ابن صعصعة وبنو النضر بن معاوية سموا حمسا لشدتهم في دينهم، قالوا: فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بيتا لبعض الانصار، فدخل رجل من الانصار على إثره من الباب وهو محرم، فأنكروا عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم دخلت من الباب وأنت محرم ؟ فقال: رأيتك دخلت من الباب فدخلت على إثرك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أحمسي، قال الرجل: إن كنت أحمسيا فإني أحمسي ديننا واحد رضيت بهديك وسمتك ودينك، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) الآية.
قال الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس: نزلت هذه الآيات في صلح الحديبية، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صد عن البيت هو وأصحابه، نحر الهدي بالحديبية، ثم صالحه (3 - أسباب النزول)

المشركون على أن يرجع عامة، ثم يأتي القابل على أن يخلو له مكة ثلاث أيام، فيطوف بالبيت ويفعل ما شاء، وصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان العام المقبل تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لعمرة القضاء، وخافوا أن لا تفي لهم قريش بذلك، وأن يصدوهم عن المسجد الحرام ويقاتلوهم، وكره أصحابه قتالهم في الشهر الحرام في الحرم فأنزل الله تعالى - وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم - يعني قريشا.
* قوله (الشهر الحرام بالشهر الحرام) الآية، قال قتادة، أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في ذي القعدة، حتى إذا كانوا بالحديبية صدهم المشركون، فلما كان العام المقبل دخلوا مكة، فاعتمروا في ذي القعدة، وأقاموا بها ثلاث ليال، وكان المشركون قد فجروا عليه حين ردوه يوم الحديبية، فأقصه الله تعالى منهم، فأنزل - الشهر الحرام بالشهر الحرام - الآية.
* قوله: (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) أخبرنا سعيد ابن محمد الزاهد قال: أخبرنا أبو علي بن أبي بكر الفقيه قال: أخبرنا أحمد بن الحسين ابن الجنيد قال: حدثنا عبد الله بن أيوب قال: حدثنا هشيم عن داود عن الشعبي قال: نزلت في الانصار، أمسكوا عن النفقة في سبيل الله تعالى، فنزلت هذه الآية وبهذا الاسناد عن هشيم حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن عكرمة قال: نزلت في النفقات في سبيل الله.
أخبرنا أبو بكر المهرجاني قال: أخبرنا عبد الله بن بطة قال: أخبرنا أبو القاسم البغوي قال: حدثنا هدبة بن خالد قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن داود، عن الشعبي، عن الضحاك، عن ابن أبي جبير قال: كانت الانصار يتصدقون ويطعمون ما شاء الله، فأصابتهم سنة، فأمسكوا، فأنزل الله عز وجل هذه الآية.
أخبرنا أبو منصور البغدادي قال: أخبرنا أبو الحسن السراج قال: حدثنا محمد
ابن عبد الله الحضري قال: حدثنا هدبة قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن سماك بن حرب،

عن النعمان بن بشير في قول الله عز وجل - ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة - قال: كان الرجل يذنب الذنب فيقول: لا يغفر لي، فأنزل الله هذه الآية.
أخبرنا أبو القاسم بن عبد ان قال: حدثنا محمد بن حمدويه قال: حدثنا محمد بن صالح ابن هانئ قال: حدثنا أحمد بن محمد بن أنس القرشي قال: حدثنا عبد الله بن يزيد المقرى قال: حدثنا حيوه بن شريح قال: أخبرني يزيد بن أبي حبيب قال: أخبرني الحكم بن عمران قال: كنا بالقسطنطينية، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر الجهنى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أهل الشام فضالة بن عبيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج من المدينة صف عظيم من الروم، وصففنا لهم صفا عظيما من المسلمين، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم، ثم خرج إلينا مقبلا، فصاح الناس فقالوا: سبحان الله ألقى بيديه إلى التهلكة، فقال أبو أيوب الانصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية على غير التأويل، وإنما أنزلت هذه الآية فينا معشر الانصار، إنا لما أعز الله تعالى دينه وكثر ناصريه، قلنا بعضنا لبعض سرا من رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أموالنا قد ضاعت، فلو أنا أقمنا فيها وأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله تعالى في كتابه يرد علينا ما هممنا به، فقال - وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة - في الاقامة التي أردنا أن نقيم في الاموال فنصلحها، فأمرنا بالغزو، فما زال أبو أيوب غازيا في سبيل الله حتى قبضه الله عز وجل.
* قوله: (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه) * أخبرنا الاستاذ أبو طاهر الزيادي قال: أخبرنا أبو طاهر محمد بن الحسن الاباذي قال: حدثنا العباس الدوري قال: حدثنا عبد الله بن موسى قال: حدثنا إسرائيل، عن عبد الرحمن الاصفهاني
عن عبد الله بن معقل، عن كعب بن عجرة قال: نزلت هذه الآية - فمن كان منكم م ريضا أو به أذى من رأسه - وقع القمل في رأسي فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه

وسلم فقال: احلق وافده صيام ثلاثة أيام، أو النسك، أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين صاع.
أخبرنا محمد بن إبراهيم المزكى قال: حدثنا أبو عمرو بن مطر إملاء قال: أخبرنا أبو خليفة قال: حدثنا مسدد عن بشر قال: حدثنا ابن عون، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: قال كعب بن عجرة: في أنزلت هذه الآية، أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ادنه، فدنوت مرتين أو ثلاثا، فقال: أيؤذيك هوامك ؟ قال ابن عون: وأحسبه قال نعم، فأمرني بصيام، أو صدقة، أو نسك ما تيسر.
رواه مسلم، عن أبي موسى، عن ابن أبي عدي، عن ابن عون أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبيد الله المخلدي قال: أخبرنا أبو الحسن السراج قال: أخبرنا محمد بن يحيى بن سليمان المروزي قال: حدثنا عاصم بن علي قال: حدثنا شعبة قال: أخبرني عبد الرحمن الاصفهاني قال: سمعت عبد الله بن معقل قال: وقفت إلى كعب بن عجرة في هذا المسجد، مسجد الكوفة، فسألته عن هذه الآية - ففدية من صيام أو صدقة أو نسك - قال: حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي، فقال: ما كنت أرى أن الجهد بلغ منك هذا ما تجد شاة ؟ قلت لا فنزلت هذه الآية - ففدية من صيام أو صدقة أو نسك - قال: صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من طعام.
فنزلت في خاصة، ولكم عامة.
رواه البخاري، عن أحمد بن أبي إياس وأبي الوليد، ورواه مسلم، عن بندار، عن غندر كلهم، عن شعبة.
أخبرنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الصوفي قال: أخبرنا محمد بن علي الغفاري
قال: أخبرنا إسحاق بن محمد قال: حدثنا جدى قال: حدثنا المغيرة الصقلاني قال: حدثنا عمر بن بشر المكي، عن عطاء، عن ابن عباس قال: لما نزلنا الحديبية، جاء كعب بن عجرة تنتثر هوام رأسه على جبهته، فقال: يارسول الله هذا القمل قد أكلني، قال: احلق وافده، قال: فحلق كعب فنحر بقرة، فأنزل الله عز وجل في ذلك الموقف -

فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه - الآية قال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصيام ثلاثة أيام، والنسك شاة، والصدقة الفرق بين ستة مساكين لكل مسكين مدان.
أخبرنا محمد بن محمد المنصوري قال: أخبرنا علي بن عمر الحافظ قال: حدثنا عبد الله ابن المهدى قال: حدثنا طاهر بن عيسى التميمي قال: حدثنا زهير ابن عباد قال: حدثنا مصعب بن ماهان، عن سفيان الثوري، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوقد تحت قدر له بالحديبية، فقال: أيؤذيك هوام رأسك ؟ قال: نعم، قال: احلق، فأنزلت هذه الآية - فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك - قال: فالصيام ثلاثة أيام، والصدقة فرق بين ستة مساكين، والنسك شاة.
* قوله: (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) أخبرنا عمر بن عمر المزكى قال: حدثنا محمد بن مكى قال: أخبرنا محمد بن يوسف قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثني يحيى بن بشير قال: حدثنا شبابة، عن ورقاء، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون يقولون نحن المتوكلون، فإذا قدموا مكة سألوا الناس فأنزل الله عز وجل - وتزودوا فإن خير الزاد التقوى - وقال عطاء بن أبي رباح: كان الرجل يخرج فيحمل كله على غيره، فأنزل الله تعالى -
وتزودوا فإن خير الزاد التقوى -.
* قوله: (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) الآية، أخبرنا منصور بن عبد الوهاب البزار، أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد الجبرى عن شعيب ابن الزارع قال: أخبرنا عيسى بن مساور قال: حدثنا مروان بن معاوية الفزاري قال: حدثنا العلاء بن المسيب، عن أبي أمامة التميمي قال: سألت ابن عمر فقلت: إنا قوم ذوو كرى في هذا الوجه، وإن قوما يزعمون أنه لا حج لنا قال: ألستم تلبون، ألستم تطوفون بين الصفا والمروة، ألستم ألستم ؟ قال بلى، قال إن رجلا سأل

النبي صلى الله عليه وسلم عما سألت عنه فلم يرد عليه حتى نزلت - ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم - فدعاه فتلا عليه حين نزلت.
فقال: أنتم الحجاج أخبرنا أبو بكر التميمي قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن خشنام قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا يحيى بن أبى زائدة، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس قال: كان ذو المجاز وعكاظ متجر ناس في الجاهلية، فلما جاء الاسلام كأنهم كرهوا ذلك، حتى نزلت - ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم - في مواسم الحج.
وروى مجاهد، عن ابن عباس قال: كانوا يتقون البيوع والتجارة في الحج يقولون أيام ذكر الله فأنزل الله تعالى - ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم - فاتجروا.
* قوله: (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس) أخبرنا التميمي بالاسناد الذي ذكرنا، عن يحيى بن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: كانت العرب تفيض من عرفات، وقريش ومن دان بدينها تفيض من جمع من المشعر الحرام، فأنزل الله تعالى - ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس - أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر المزكى، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن زكريا قال:
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن السرخسي قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي خيثمة قال: حدثنا حماد بن يحيى قال: حدثنا نصر بن كوسة قال: أخبرني عمرو بن دينار قال: أخبرني محمد ابن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: أضللت بعيرا لي يوم عرفة: فخرجت أطلبه بعرفة، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا مع الناس بعرفة، فقلت: هذا من الحمس ماله ها هنا، قال سفيان: والاحمس: الشديد الشحيح على دينه، وكانت قريش تسمى الحمس، فجاءهم الشيطان فاستهواهم فقال لهم: إنكم إن عظمتم غير حرمكم استخف الناس بحرمكم فكانوا لا يخرجون من الحرم ويقفون بالمزدلفة، فلما جاء الاسلام أنزل الله عز وجل - ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس - يعني عرفة رواه مسلم عن عمرو الناقد عن ابن عيينة.

* قوله (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم) الآية، قال مجاهد: كان أهل الجاهلية إذا اجتمعوا بالموسم ذكروا فعل آبائهم في الجاهلية وأيامهم وأنسابهم فتفاخروا فأنزل الله تعالى - فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا -.
وقال الحسن كانت الاعراب إذا حدثوا وتكلموا يقولون: وأبيك إنهم لفعلوا كذا وكذا فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا) الآية، قال السدى نزلت في الاخنس بن شريق الثقفي، وهو حليف بني زهرة أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فأظهر له الاسلام وأعجب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك منه، وقال: إنما جئت أريد الاسلام، والله يعلم إني لصادق، وذلك قوله - ويشهد الله على ما في قلبه - ثم خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمر بزرع لقوم من المسلمين وحمر، فأحرق الزرع وعقر الحمر فأنزل الله تعالى فيه - وإذا تولى سعى في الارض
ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل - * قوله: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله) الآية، قال سعيد ابن المسيب: أقبل صهيب مهاجرا نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعه نفر من قريش من المشركين فنزل عن راحلته ونثر ما في كنانته وأخذ قوسه ثم قال: يا معشر قريش لقد علمتم أنى من أرماكم رجلا، وايم الله لا تصلون إلي حتى أرمى بما في كنانتي، ثم أضرب بسيفي ما بقى في يدي منه شئ، ثم افعلوا ما شئتم قالوا: دلنا على بيتك ومالك بمكة ونخلي عنك، وعاهدوه إن دلهم أن يدعوه ففعل.
فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قال: أبا يحيى ربح البيع ربح البيع، وأنزل الله - ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله - وقال المفسرون: أخذ المشركون صهيبا فعذبوه، فقال لهم صهيب: إني شيخ كبير لا يضركم أمنكم كنت أم من شرط عليهم راحلة ونفقة، فخرج إلى المدينة فتلقاه أبو بكر وعمر ورجال، فقال له أبو بكر: ربح بيعك أبا يحيى،

فقال صهيب: وبيعك فلا بخس ما ذاك ؟ فقال: أنزل الله فيك كذا، وقرأ عليه هذه الآية.
وقال الحسن: أتدرون فيمن نزلت هذه الآية ؟ في أن المسلم يلقى الكافر فيقول له قل لا إله إلا الله، فإذا قلتها عصمت مالك ودمك، فأبى أن يقولها، فقال المسلم: والله لاشرين نفسي لله، فتقدم فقاتل حتى يقتل، وقيل: نزلت فيمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر.
قال أبو الخليل: سمع عمر بن الخطاب إنسانا يقرأ هذه الآية، فقال عمر: إنا لله قام رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقتل.
* قول عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة) الآية، قال عطاء عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في عبد الله بن سلام وأصحابه، وذلك أنهم حين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم فآمنوا بشرائعه وشرائع موسى، فعظموا السبت وكرهوا
لحمان الابل وألبانها بعد ما أسلموا، فأنكر ذلك عليهم المسلمون، فقالوا: إنا نقوى على هذا وهذا، وقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن التوراة كتاب الله فدعنا فلنعمل بها، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة) الآية، قال قتادة والسدى: نزلت هذه الآية في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد والشدة والحر والبرد وسوء العيش وأنواع الاذى، وكان كما قال الله تعالى - وبلغت القلوب الحناجر - وقال عطاء: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة اشتد الضر عليهم، بأنهم خرجوا بلا مال وتركوا ديارهم وأموالهم بأيدي المشركين، وآثروا رضا الله ورسوله، وأظهرت اليهود العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأسر قوم من الاغنياء النفاق، فأنزل الله تعالى تطيبا لقلوبهم - أم حسبتم - الآية.
* قوله: (يسألونك ماذا ينفقون) الآية، قال ابن عباس في رواية أبي صالح: نزلت في عمرو بن الجموح الانصاري وكان شيخا كبيرا ذا مال كثير، فقال: يا رسول الله بماذا يتصدق ؟ وعلى من ينفق ؟ فنزلت هذه الآية.

وقال في رواية عطاء: نزلت الآية في رجل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إن لي دينارا فقال: أنفقه على نفسك، فقال: إن لي دينارين، فقال: إنفقهما على أهلك، فقال: إن لي ثلاثة، فقال: أنفقهما على خادمك، فقال إن لي أربعة، فقال: أنفقها على والديك، فقال: إن لي خمسة، فقال: أنفقها على قرابتك، فقال: إن لي ستة فقال: أنفقها في سبيل الله، وهو أخسها).
* قوله: (يسألونك عن الشهر الحرام) الآية، أخبرنا أبو عبد الله محمد ابن عبد الله الشيرازي قال: حدثنا أبو الفضل محمد بن عبد الله بن خميرويه الهروي قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الخزاعي قال: حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع قال:
أخبرني شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية من المسلمين، وأمر عليهم عبد لله بن جحش الاسدي، فانطلقوا حتى هبطوا نخلة ووجدوا بها عمرو بن الحضرمي في عير تجارة لقريش في يوم بقى في الشهر الحرام فاختصم المسلمون، فقال قائل منهم: لا نعلم هذا اليوم إلا من الشهر الحرام، ولا نرى أن تستحلوا لطمع أشفيتم عليه فغلب على الامر الذين يريدون عرض الدنيا فشدوا على ابن الحضرمي فقتلوه وغنموا عيره، فبلغ ذلك كفار قريش، وكان ابن الحضرمي أول قتيل قتل بين المسلمين وبين المشركين، فركب وفد من كفار قريش حتى قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتحل القتال في الشهر الحرام ؟ فأنزل الله تعالى - يسئلونك عن الشهر الحرام قتال إلى - الغاية.
أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الحراني قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا يحيى بن أبي زائدة، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله ابن جحش، ومعه نفر من المهاجرين، فقتل عبد الله بن واقد الليثي عمرو بن الحضرمي في آخر يوم من رجب، وأسروا رجلين، واستاقوا العير، فوقف على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: لم آمركم بالقتال في الشهر الحرام، فقالت قريش: استحل محمد الشهر

الحرام، فنزلت - يسألونك عن الشهر الحرام - إلى قوله - والفتنة أكبر من القتل - أي قد كانوا يقتلونكم وأنتم في حرم الله بعد إيمانكم، وهذا أكبر عند الله من أن تقتلوهم في الشهر الحرام مع كفرهم بالله، قال الزهري: لما نزل هذا قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم العير، وفادى الاسيرين ولما فرج الله تعالى عن أهل تلك السرية ما كانوا فيه من غم طمعوا فيما عند الله من ثوابه، فقالوا: يا نبي الله أنطمع أن تكون غزوة ولا نعطى فيها أجر المجاهدين في سبيل الله ؟ فأنزل الله تعالى فيهم ؟ - إن الذين
آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا - الآية.
قال المفسرون: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش وهو ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم في جمادي الآخرة قبل قتال بدر بشهرين على رأس سبعة عشر شهرا من مقدمه المدينة، وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين سعد بن أبي وقاص الزهري وعكاشة بن محصن الاسدي وعتبة بن غزوان السلمي وأبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة وسهيل بن بيضاء وعامر بن ربيعة وواقد بن عبد الله وخالد بن بكير، وكتب لاميرهم عبد الله بن جحش كتابا وقال: سر على اسم الله، ولا تنظر في الكتاب حتى تسير يومين، فإذا نزلت منزلين فافتح الكتاب واقرأه على أصحابك، ثم امض لما أمرتك، ولا تستكرهن أحدا من أصحابك على المسير معك، فسار عبد الله يومين، ثم نزل وفتح الكتاب، فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم.
أما بعد، فسر على بركة الله بمن تبعك من أصحابك حتى تنزل بطن نخلة، فترصد بها عير قريش، لعلك أن تأتينا منه بخبر فلما نظر عبد الله الكتاب قال: سمعا وطاعة، وقال لاصحابه ذلك، وقال إنه قد نهاني أن أستكره واحدا منكم حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع وقد أضل سعد بن أبى وقاص وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا يتعقبانه، فأستأذنا أن يتخلفا في طلب بعيرهما، فأذن لهما فتخلفا في طلبه ومضى عبد الله ببقية أصحابه حتى وصل بطن نخلة بين مكة والطائف، فبينما هم كذلك إذا مرت بهم عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة من تجارة الطائف، فيهم عمرو بن الحضرمي والحكم بن كيسان وعثمان بن عبد الله بن غيرة ونوفل بن عبد

الله المخزوميان، فلما رأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هابوهم، فقال عبد الله ابن جحش: إن القوم قد زعروا منكم فاحلقوا رأس رجل منكم فليتعرض لهم، فإذا رأوه محلوقا آمنوا وقالوا قوم عمار، فحلقوا رأس عكاشة ثم أشرف عليهم فقالوا: قوم عمار لا بأس عليكم فأمنوهم، وكان ذلك في آخر يوم من جمادي الآخرة، وكانوا
يرون أنه من جمادي أو هو رجب، فتشاور القوم فيهم وقالوا،: لئن تركتموهم هذه الليلة ليدخلن الحرم فليمتنعن منكم، فأجمعوا أمرهم في مواقعة القوم، فرمى واقد بن عبد الله السهمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله، وكان أول قتيل من المشركين، واستأسر الحكم وعثمان، فكانا أول أسيرين في الاسلام، وأفلت نوفل وأعجزهم، واستاق المؤمنون العير والاسيرين حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فقالت قريش: قد استحل محمد الشهر الحرام شهرا يأمن فيه الخائف وينذعر الناس في معايشهم فسفك فيه الدماء وأخذ فيه الحرائب، وعير بذلك أهل مكة من كان بها من المسلمين، فقالوا: يا معشر الصباة استحللتم الشهر الحرام فقاتلتم فيه، وتفاءلت اليهود بذلك وقالوا: قد وقدت الحرب نارها سعرت الحرب، والحضرمي حضرت الحرب، وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لابن جحش وأصحابه: ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام، ووقف العير والاسيرين وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا، فعظم ذلك على أصحاب السرية وظنوا أن قد هلكوا، وسقط في أيديهم وقالوا: يا رسول إنا قتلنا ابن الحضرمي ثم أمسينا فنظرنا إلى هلال رجب، فلا ندري أفي رجب أصبناه أو في جمادي، وأكثر الناس في ذلك، فأنزل الله تعالى - يسألونك عن الشهر الحرام - الآية، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم العير فعزل منها الخمس، فكان أول خمس في الاسلام، وقسم الباقي بين أصحاب السرية، فكان أول غنيمة في الاسلام، وبعث أهل مكة في فداء أسيريهم، فقال: لم نفدهم حتى يقدم سعد وعتبة، وإن لم يقدما قتلناهما بهما، فلما قدما فاداهما، وأما الحكم بن كيسان فأسلم وأقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فقتل يوم بئر معونة شهيدا، وأما عثما ن بن عبد الله فرجع إلى مكة، فما ت بها كافرا،

وأما نوفل فضرب بطن فرسه يوم الاحزاب ليدخل الخندق على المسلمين، فوقع في الخندق مع فرسه فتحطما جميعا، فقتله الله تعالى، وطلب المشركون جيفته بالثمن، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم، خذوه فإنه خبيث الجيفة خبيث الدية، فهذا سبب نزول قوله تعالى - يسألونك عن الشهر الحرام - والآية التي بعدها.
* قوله: (يسألونك عن الخمر والميسر) الآية، نزلت في عمر بن الخطاب ومعاذ ابن جبل ونفر من الانصار أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أفتنا في الخمر والميسر فإنهما مذهبة للعقل مسلبة للما ل، فأنزل الله تعالى هذه الآيه.
* قوله: (يسألونك عن اليتامى) أخبرنا أبو منصور عبد القاهر بن طاهر، أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسن السراج قال: حدثنا الحسن بن المثنى بن معاذ قال: حدثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود قال: حدثنا سفيان الثوري عن سالم الافطس، عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت - إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما - عزلوا أموالهم.
فنزلت - قل إصلاح لهم خير، وإن تخالطوهم فإخوانكم - فخلطوا أموالهم بأموالهم.
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد الزاهد قال: أخبرنا أبو علي الفقيه قال: أخبرنا عبد الله بن محمد البغوي قال: حدثنا عثما ن بن أبي شيبة قال: حدثنا جرير، عن عطاء ابن السائب، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما أنزل الله عز وجل - ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن - وإن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما - انطلق من كان عنده مال يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه، وجعل يفضل الشئ من طعامه فيجلس له حتى يأكله أو يفسد، واشتد ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل - يسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير، وإن تخالطوهم - فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم.

* قوله (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) الآية، أخبرنا أبو 3 حدثنا إسماعيل
ابن قتيبة قال: حدثنا أبو بكير قال: حدثنا خالد بن معروف، عن مقاتل ابن حيان قال: نزلت في أبي مرثد الغنوى، استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في عناق أن يتزوجها، وهي امرأة مسكينة من قريش، وكانت ذات حظ من جمال وهي مشركة وأبو مرثد مسلم، فقال: يا نبي الله إنها لتعجبني، فأنزل الله عز وجل - ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن - أخبرنا أبو عثمان قال: أخبرنا جدى قال: أخبرنا أبو عمر قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا عمر بن حماد قال: حدثنا أسباط عن السدى، عن أبي مالك، عن ابن عباس في هذه الآية قال: نزلت في عبد الله بن رواحة، وكانت له أمة سوداء وأنه غضب عليها فلطمها، ثم إنه فزع، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ماهي يا عبد الله ؟ فقال: يا رسول الله هي تصوم وتصلي وتحسن الوضوء، وتشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسوله، فقا ل: يا عبد الله هذه مؤمنة، قال عبد الله: فو الذي بعثك بالحق لاعتقنها ولاتزوجنها، ففعل، فطعن عليه ناس من المسلمين فقالوا: نكح أمة، وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين وينكحوهم رغبة في أحسابهم، فأنزل الله تعالى فيه - ولامة مؤمنة خير من مشركة - الآية.
وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا من غنى يقال له مرثد بن أبي مرثد حليفا لبني هاشم إلى مكة ليخرج ناسا من المسلمين بها أسراء، فلما قدمها سمعت به امرأة يقال لها عناق، وكانت خليلة له في الجاهلية، فلما أسلم أعرض عنها، فأتته فقالت: ويحك يا مرثد ألا نخلو، فقال لها: إن الاسلام قد حال بيني وبينك وحرمه علينا، ولكن إن شئت تزوجتك إذا رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذنته في ذلك ثم تزوجتك، فقالت له: أنت تتبرم، ثم استغاثت عليه فضربوه ضربا شديدا، ثم خلوا سبيله، فلما قضى حاجته بمكة انصرف

إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا وأعلمه الذي كان من أمره وأمر عناق وما لقى في سببها، فقال: يا رسول الله أتحل أن أتزوجها فأنزل الله ينهاه عن ذلك قوله - ولا تنكحوا المشركات - * قوله: (ويسألونك عن المحيض) الآية، أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد ابن أحمد ابن جعفر قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولى قال: حدثنا محمد بن مشكاة قال: حدثنا حيان قال حدثنا حماد قال: حدثنا ثابت، عن أنس، أن اليهود كانت إذا حاضت منهم امرأة أخرجوها من البيت، فلم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيت، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله عز وجل - يسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض - إلى آخر الآية - رواه مسلم، عن زهير بن حرب، عن عبد الرحمن ابن مهدى، عن حماد.
أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الخشاب قال: أخبرنا أبو عمرو بن حمدان قال: أخبرنا أبو عمران موسى بن العباس الجوهرى قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد الفردوانى الحرانى قال: حدثني أبي، عن سابق بن عبد الله الذفى، عن خصيف، عن محمد ابن المنكدر، عن جابر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله - ويسألونك عن المحيض قل هو أذى - - قال إن اليهود قالت: من أتى امرأته من دبرها كان ولده أحول، فكان نساء الانصار لا يدعن أزواجهن يأتونهن من أدبارهن، فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عن إتيان الرجل امرأته وهي حائض، وعما قالت اليهود، فأنزل الله عز وجل - ويسألونك عن المحيض - ولا تقربوهن حتى يطهرن - يعني الاغتسال - فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله - يعني القبل - إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم - فإنما الحرث حيث ينبت الولد ويخرج منه
وقال المفسرون: كانت العرب في الجاهلية إذا حاضت المرأة لم تؤاكلها ولم تشاربها

ولم تساكنها في بيت كفعل المجوس، فسأل أبو الدحداح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: يا رسول الله ما نصنع بالنساء إذا حضن ؟ فأنزل الله هذه الآية.
* قوله تعالى: (نساؤكم حرث لكم) الآية، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قال: أخبرنا حاجب بن أحمد قال: حدثنا عبد الرحيم بن منيب قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن المنكدر، سمع جابر بن عبد الله يقول: كانت اليهود تقول في الذي يأتي امرأته من دبرها في قبلها: إن الولد يكون أحول، فنزل - نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم - رواه البخاري، عن أبي نعيم ورواه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة، كلاهما عن سفيان.
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أخبرنا أبو سعيد إسماعيل بن أحمد الجلالي، أخبرنا عبد الله بن زيدان البجلي قال: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا المحاربي، عن محمد ابن إسحاق، عن أبان بن مسلم، عن مجاهد قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه فأسأله عنها حتى انتهى إلى هذه الآية - نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم - فقال ابن عباس: إن هذا الحي من قريش كانوا يتزوجون النساء ويتلذذون بهن مقبلات ومدبرات، فلما قدموا المدينة تزوجوا من الانصار، فذهبوا ليفعلوا بهن كما كانوا يفعلون بمكة، فأنكرن ذلك وقلن: هذا شئ لم نكن نؤتى عليه، فانتشر الحديث حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى في ذلك - نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم - قال: إن شئت مقبلة وإن شئت مدبرة وإن شئت باركة، وإنما يعني بذلك موضع الولد للحرث يقول: ائت الحارث حيث شئت.
رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه، عن أبي زكريا العنبري، عن محمد بن عبد السلام عن إسحاق بن إبراهيم
عن المحاربي.
أخبرنا سعيد بن محمد الجنائي قال: أخبرنا أبو علي بن أبي بكر الفقيه قال: حدثنا أبو القاسم البغوي قال: حدثنا علي بن جعد قال: حدثنا شعبة، عن محمد ابن المنكدر

قال سمعت جابر قال: قالت اليهود: إن الرجل إذا أتى امرأته باركة كان الولد أحول، فأنزل الله عز وجل - نساؤكم حرث لكم - الآية.
أخبرنا سعيد بن محمد الحنائي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون قال: أخبرنا أحمد بن الحسين بن البرقى قال: أخبرنا أبو الازهر قال: حدثنا وهب ابن جرير قال: حدثنا أبو كريب قال: سمعت النعمان بن راشد عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قالت اليهود: إذا نكح الرجل امرأته مجبية جاء ولدها أحول، فنزلت - نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم - إن شاء مجبية وإن شاء غير مجبية، غير أو ذلك في صمام واحد.
رواه مسلم عن هارون بن معروف عن وهب بن جرير قال الشيخ أبو حامد بن الشرفى: هذا حديث جليل يساوي مائة حديث، لم يروه عن الزهري إلا النعمان بن راشد.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المطوعى قال: أخبرنا عمر بن حمدان قال: حدثنا أبو علي قال: حدثنا زهير قال: حدثنا يونس بن محمد قال: حدثنا يعقوب القمي قال: حدثنا جعفر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: (جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت، فقال: وما الذي أهلكك ؟ قال: حولت رحلي الليلة، قال: فلم يرد عليه شيئا فأوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية - نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم يقول: أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة).
أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الاصفهاني قال: حدثنا عبد الله بن محمد الحافظ قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا المحاربي، عن ليث
عن أبي صالح، عن سعيد بن المسيب أنه سئل عن قوله - فأتوا حرثكم أنى شئتم - قال: نزلت في العزل، وقال ابن عباس في رواية الكلبي نزلت في المهاجرين لما قدموا المدينة، ذكروا إتيان النساء فيما بينهم والانصار واليهود من بين أيديهن ومن خلفهن،

إذا كان المأتى واحدا في الفرج، فعابت اليهود ذلك إلا من بين أيديهن خاصه، وقالوا: إنا لنجد في كتاب الله التوراة إن كل إتيان يؤتى النساء غير مستلقيات دنس عند الله، ومنه يكون الحول والخبل، فذكر المسلمون ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: إنا كنا في الجاهلية وبعد ما أسلمنا نأتي النساء كيف شئنا، وإن اليهود عابت علينا ذلك، وعرفت لنا كذا وكذا فأكذب الله تعالى اليهود ونزل عليه يرخص لهم - نساؤكم حرث لكم - يقول: الفرج مزرعة للولد - فأتوا حرثكم أنى شئتم - يقول: كيف شئتم من بين يديها ومن خلفها في الفرج.
* قوله: (ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم) قال الكلبي: نزلت في عبد الله ابن رواحة ينهاه عن قطيعة ختنه بشر بن النعمان، وذلك أن ابن رواحة حلف أن لا يدخل عليه أبدا، ولا يكلمه، ولا يصلح بينه وبين امرأته، ويقول: قد حلفت بالله أن لا أفعل، ولا يحل إلا أن أبر في يميني، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله: (للذين يؤلون من نسائهم) الآية.
أخبرنا محمد بن يونس بن الفضل قال: حدثنا محمد بن يعقوب قال: حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا الحارث بن عبيد قال: حدثنا عامر الاحول، عن عطاء عن ابن عباس قال: كان إيلاء أهل الجاهلية السنة والسنتين وأكثر من ذلك، فوقت الله أربعة أشهر، فمن كان إيلاؤه أقل من أربعة أشهر فليس بإيلاء، وقال سعيد بن المسيب: كان الايلاء ضرار أهل الجاهلية، كان الرجل لا يريد المرأة ولا يحب أن يتزوجها غيره فيحلف أن لا يقربها أبدا، وكان يتركها كذلك لا أيما ولا ذات بعل، فجعل الله تعالى الاجل الذي يعلم به ما عند الرجل في المرأة أربعة أشهر، وأنزل الله تعالى - للذين يؤلون من
نسائهم - الآية.
* قوله: (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف) الآية، أخبرنا أحمد بن الحسن القاضي قال: حدثنا محمد بن يعقوب قال: أخبرنا الربيع قال: حدثنا الشافعي قال: أخبرنا (4 - أسباب النزول)

مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها، كان ذلك له وإن طلقها ألف مرة، فعمد رجل إلى امرأة له فطلقها، ثم أمهلها حتى إذا شارفت انقضاء عدته ارتجعها، ثم طلقها وقال: والله لا آويك إلي ولا تحلين أبدا، فأنزل الله عز وجل - الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان -.
أخبرنا أبو بكر التميمي قال: حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن المرزبان قال: حدثنا محمد بن إبراهيم الخورى قال: حدثنا محمد بن سليمان قال: حدثنا أبو يعلى المقرى مولى آل الزبير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أنها أتتها امرأة فسألتها عن شئ من الطلاق، قالت: فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فنزلت - الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان -.
* قوله (وإذا طلقتم النساء، فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن) الآية.
أخبرنا أبو سعد بن أبي بكر الغازي قال: أخبرنا أبو أحمد محمد بن محمد بن إسحاق الحافظ قال: أخبرني أحمد بن محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن جعفر بن عبد الله قال: حدثنا أبى قال: حدثنا إبراهيم بن طهمان عن يونس بن عبيد عن الحسن أنه قال في قول الله عز وجل - فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا - الآية، قال حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه قال: كنت زوجت أختا لي من رجل فطلقها، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوجتك وأفرشتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها ؟
لا والله لا تعود إليها أبدا، قال: وكان رجلا لا بأس به وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله عز (وجل) هذه الآية فقلت: الآن أفعل يا رسول الله، فزوجتها إياه.
ورواه البخاري عن أحمد بن حفص، أخبرنا الحاكم أبو منصور محمد بن محمد المنصوري قال: حدثنا علي بن عمر ابن مهدى قال: حدثنا محمد بن عمرو البختري قال: حدثنا يحيى بن جعفر قال: حدثنا أبو عامر العقدي قال: حدثنا عباس بن راشد عن الحسن قال: حدثني معقل بن يسار

قال: كانت لي أخت فخطبت إلي وكنت أمنعها الناس، فأتاني ابن عم لي فخطبها فأنكحتها إياه فاصطحبا ما شاء الله، ثم طلقها طلاقا له رجعة، ثم تركها حتى انقضت عدته فخطبها مع الخطاب، فقلت: منعتها الناس وزوجتك إياها، ثم طلقتها طلاقا له رجعة، ثم تركتها حتى انقضت عدتها، فلما خطبت إلي أتيتني تخطبها لا أزوجك أبدا، فأنزل الله تعالى - وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن - فكفرت عن يميني وأنكحتها إياه.
أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم النصراباذي قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله ابن إبراهيم بن المثنى، أخبرنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله البصري قال: حدثنا حجاج ابن منهال قال: حدثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن، أن معقل بن يسار زوج أخته من رجل من المسلمين، وكانت عنده ما كانت، فطلقها تطليقة ثم تركها ومضت العدة، فكانت أحق بنفسها، فخطبها مع الخطاب فرضيت أن ترجع إليه، فخطبها إلى معقل ابن يسار، فغضب معقل وقال: أكرمتك بها فطلقتها، لا والله لا ترجع إليك بعدها، قال الحسن: علم الله حاجة الرجل إلى امرأته وحاجة المرأة إلى بعلها، فأنزل الله تعالى في ذلك القرآن - وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف - إلى آخر الآية، قال: فسمع ذلك معقل بن يسار فقال: سمعا
لربي وطاعة، فدعا زوجها فقال: أزوجك وأكرمك، فزوجها إياه.
أخبرنا سعيد بن مجلى بن أحمد الشاهد، أخبرنا جدى، أخبرنا أبو عمر الجزرى قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا عمر بن حماد قال: حدثنا أسباط، عن السدى، عن رجاله قال: نزلت في جابر بن عبد الله الانصاري كانت له بنت عم، فطلقها زوجها تطليقة، فانقضت عدتها، ثم رجع يريد رجعتها فأبى جابر وقال: طلقت ابنة عمنا، ثم تريد أن تنكحها، وكانت المرأة تريد زوجها قد رضيت به، فنزلت فيهم الآية.
قوله: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لازواجهم) الآية.
أخبرنا أبو عمر محمد بن عبد العزيز المروزى في كتابه، أخبرنا أبو الفضل الحدادي،

أخبرنا محمد بن يحيى بن خالد، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الحتلى قال: حدث عن ابن حيان في هذه الآية، أن رجلا من أهل الطائف قدم المدينة وله أولاد رجال ونساء، ومعه أبواه وامرأته، فمات بالمدينة، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأعطى الوالدين وأعطى أولاده بالمعروف ولم يعط أمرأته شيئا، غير أنه أمرهم، أن ينفقوا عليها من تركة زوجها إلى الحول.
* قوله: (لا إكراه في الدين) أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر المزكى، أخبرنا زاهد بن أحمد، أخبرنا الحسين بن محمد مصعب قال: حدثني يحيى بن حكيم قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كانت المرأة من نساء الانصار تكون مقلاة، فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده، فلما أجليت النضير كان فيهم من أبناء الانصار، فقالوا: لا ندع أبناءنا، فأنزل الله تعالى - لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي -.
أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل قال: حدثنا محمد بن يعقوب قال: أخبرنا إبراهيم ابن مرزوق قال: حدثنا وهب بن جرير، عن شعبة عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير،
عن ابن عباس في قوله تعالى - لا إكراه في الدين - قال: كانت المرأة من الانصار لا يكاد يعيش لها ولد، فتحلف لئن عاش لها ولد لتهودنه، فلما أجليت بنو النضير إذا فيهم أناس من الانصار، فقالت الانصار: يا رسول الله أبناؤنا، فأنزل الله تعالى - لا إكراه في الدين - قال سعيد بن جبير: فمن شاء لحق بهم، ومن شاء دخل في الاسلام.
وقال مجاهد: نزلت هذه الآية في رجل من الانصار كان له غلام أسود يقال له صبيح، وكان يكرهه على الاسلام.
وقال السدى: نزلت في رجل من الانصار يكنى أبا الحصين، وكان له ابنان، فقدم تجار الشام إلى المدينة يحملون الزيت، فلما أرادوا الرجوع من المدينة أتاهم ابنا أبي الحصين فدعوهما إلى النصرانية فتنصرا وخرجا إلى الشام، فأخبر أبو الحصين

رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اطلبهما، فأنزل الله عز وجل - لاإكراه في الدين - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبعدهما الله هما أول من كفر، قال: وكان هذا قبل أن يؤمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال أهل الكتاب، ثم نسخ قوله - لا إكراه في الدين - وأمر بقتال أهل الكتاب في سورة براءة.
وقال مسروق: كان لرجل من الانصار من بني سالم بن عوف ابنان، فتنصرا قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قدما المدينة في نفر من النصارى يحملون الطعام، فأتاهما أبوهما فلزمهما، وقال: والله لا أدعكما حتى تسلما، فأبيا أن يسلما، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أيدخل بعضي النار وأنا أنظر ؟ فأنزل الله عز وجل - لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي - فخلى سبيلهما.
أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد المقرى، أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عبدوس قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن محفوظ قال: حدثنا عبد الله بن هاشم قال: أخبره عبد الرحمن بن مهدى، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد قال: كان ناس
مسترضعين في اليهود قريظة والنضير، فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإجلاء بني النضير قال أبناؤهم من الاوس الذين كانوا مسترضعين فيهم، لنذهبن معهم ولندينن بدينهم، فمنعهم أهلهم وأرادوا أن يكرهوهم على الاسلام، فنزلت - لاإكراه في الدين - الآية.
* قوله: (وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيى الموتى) الآية، ذكر المفسرون السبب في سؤال إبراهيم ربه أن يريه إحياء الموتى.
أخبرنا سعيد بن محمد ابن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا شعيب ابن محمد قال: أخبرنا مكى بن عبدان قال: حدثنا أبو الازهر قال: حدثنا روح قال: حدثنا سعيد عن قتادة قال: ذكر لنا أن إبراهيم أتى على دابة ميتة قد توزعتها دواب البر والبحر، قال: رب أرني كيف تحيى الموتى، وقال حسن وعطاء الخراساني والضحاك وابن جريج: كانت جيفة حمار بساحل البحر.
قال عطاء: بحيرة طبرية، قالوا: فرآها قد توزعتها دواب البر والبحر فكان إذا مد البحر جاءت الحيتان ودواب البحر فأكلت منها، فما وقع منها

يقع في الماء وإذا جذر البحر جاءت السباع فأكلت منها فما وقع منها يصير ترابا، فإذا ذهبت السباع جاءت الطير فأكلت منها، فما سقط قطعته الريح في الهواء، فلما رأى ذلك إبراهيم تعجب منها وقال: يا رب قد علمت لتجمعنها فأرني كيف تحييها لاعاين ذلك ؟ وقال ابن زيد مر إبراهيم بحوت ميت نصفه في البر ونصفه في البحر فما كان، في البحر فدواب البحر تأكله، وما كان منه في البر فدواب البر تأكله، فقال له، إبليس الخبيث متى يجمع الله هذه الاجزاء من بطون هؤلاء فقال: رب أرني كيف تحيى الموتى، قال: أو لم تؤمن ؟ قال: بلى ولكن ليطمئن قلبي، بذهاب وسوسة إبليس منه أخبرنا أبو نعيم الاصفهاني فيما أذن لي في روايته قال: حدثنا عبد الله بن محمد
ابن جعفر قال: حدثنا محمد بن سهل قال: حدثنا سلمة بن شبيب قال: حدثنا إبراهيم ابن الحكم بن أبان قال: حدثنا أبي قال: كنت جالسا مع عكرمة عند الساحل، فقال عكرمة: إن الذين يغرقون في البحار تقسم الحيتان لحومهم فلا يبقى منهم شئ إلا العظام فتلقيها الامواج على البر فتصير حائلة نخرة، فتمر بها الابل فتأكلها فتبعر، ثم يجئ قوم فيأخذون ذلك البعر فيوقدون فتخمد تلك النار، فتجئ ريح فتسفى ذلك الرماد على الارض، فإذا جاءت النفخة خرج أولئك وأهل القبور سواء، وذلك قوله تعالى - فإذا هم قيام ينظرون -.
وقال محمد بن إسحاق بن يسار: إن إبراهيم لما احتج على نمروذ فقال: ربي الذي يحيى ويميت، وقال نمروذ أنا أحيى وأميت، ثم قتل رجلا وأطلق رجلا، قال: قد أمت ذلك وأحييت هذا، قال له إبراهيم: فإن الله يحيى بأن يرد الروح إلى جسد ميت، فقال له نمروذ: هل عاينت هذا الذي تقوله ؟ ولم يقدر أن يقول نعم رأيته، فتنقل إلى حجة أخرى، ثم سأل ربه أن يريه إحياء الميت لكي يطمئن قلبه عند الاحتجاج، فإنه يكون مخبرا عن مشاهدة وعيان.

وقال ابن عباس وسعيد بن جبير والسدى: لما اتخذ الله إبراهيم خليلا استأذن ملك الموت ربه أن يأتي إبراهيم فيبشره بذلك، فأتاه فقال: جئتك أبشرك بأن الله تعالى اتخذك خليلا، فحمد الله عز وجل وقال: ما علامة ذلك ؟ قال: أن يجيب الله دعاءك وتحيى الموتى بسؤالك، ثم انطلق وذهب، فقال إبراهيم: رب أرني كيف تحيي الموتى، قال: أو لم تؤمن ؟ قال: بلى، ولكن ليطمئن قلبي بعلمي أنك تجيبني إذا دعوتك، وتعطيني إذا سألتك، أنك اتخذتني خليلا.
* قوله: (الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله) الآية.
قال الكلبي: نزلت في عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، أما عبد الرحمن بن عوف فإنه جاء
إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأربعة آلاف درهم صدقة، فقال: كان عندي ثمانية آلاف درهم، فأمسكت منها لنفسي ولعيالي أربعة آلاف درهم، وأربعة آلاف أقرضتها ربي، فقال، له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت وأما عثمان رضى الله عنه فقال: علي جهاز من لا جهاز له في غزوة تبوك، فجهز المسلمين بألف بعير بأقتابها وأحلاسها، وتصدق برومة ركية كانت له على المسلمين، فنزلت فيهما هذه الآية.
وقال أبو سعيد الخدري: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعا يده يدعو لعثمان ويقول: يا رب إن عثمان بن عفان رضيت عنه فارض عنه، فما زال رافعا يده حتى طلع الفجر، فأنزل الله تعالى فيه - الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله - الآية.
* قوله: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم) الآية.
أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد الصيدلاني قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن محمد بن نعيم قال: حدثنا أحمد بن سهل بن حمدويه قال: حدثنا قيس بن أسيف قال: حدثنا قتيبة ابن سعيد، قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر: قال أمر النبي صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر بصاع من تمر، فجاء رجل بتمر ردئ،

فنزل القرآن - يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الارض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون -.
أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد الواعظ قال: أخبرنا عبد الله بن حامد الاصفهاني قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الفارسي قال: حدثنا أحمد بن موسى الجماز قال: حدثنا عمر بن حماد بن طلحة قال: حدثنا أسباط بن نصر، عن السدى، عن عدي بن ثابت، عن البراء قال: نزلت هذه الآية في الانصار، كانت تخرج إذا كان جذاذ النخل من حيطانها أقناء من التمر والبسر، فيعلقونها على حبل بين أسطوانتين في مسجد رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فيأكل منه فقراء المهاجرين، وكان الرجل يعمد فيخرج قنو الحشف وهو يظن أنه جائز عنه في كثرة ما يوضع من الاقناء، فنزل فيمن فعل ذلك - ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون - يعني القنو الذي فيه حشف، ولو أهدى إليكم ما قبلتموه.
* قوله: (إن تبدوا الصدقات) الآية، قال الكلبي: لما نزل قوله تعالى: (وما أنفقتم من نفقة) الآية، قالوا: يا رسول الله صدقة السر أفضل أم صدقة العلانية ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية) الآية، أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم النصراباذي قال: أخبرنا أبو عمرو بن محمد قال: أخبرنا محمد ابن الحسن بن الجليل قال: حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا محمد بن شعيب، عن ابن مهدى عن يزيد بن عبد الله، عن شعيب، عن أبيه عن جده، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نزلت هذه الآية - الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم - في أصحاب الخيل، وقال: إن الشياطين لا تخبل أحدا في بيته فرس عتيق من الخيل، وهذا قول أبي أمامة وأبي الدرداء ومكحول والاوزاعي ورباح بن يزيد، قالوا: هم الذين يرتبطون الخيل في سبيل الله تعالى ينفقون عليها بالليل والنهار سرا وعلانية، نزلت فيمن لم يرتبطها تخيلا ولا افتخارا.

أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي قال: أخبرني الحسين بن محمد الدينوري قال: حدثنا عمر بن محمد بن عبد الله النهرواني قال: حدثنا علي بن محمد بن مهرويه القزويني قال: حدثنا علي بن داود القنطرى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني أبو شريح، عن قيس بن الحجاج، عن خثيم بن عبد الله الصنعاني أنه قال: حدث ابن عباس في هذه الآية - الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار - قال في علف الخيل، ويدل على صحة هذا ما أخبرنا أبو إسحاق المقرى قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد
ابن عبدوس قال: أخبرنا أبو العباس عبد الله بن يعقوب الكرماني قال: حدثنا محمد ابن زكريا الكرماني قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا عبد الحميد بن بهرام عن شهر ابن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ارتبط فرسا في سبيل الله فأنفق عليه احتسابا كان شبعه وجوعه وريه وظمؤه وبوله وروثه في ميزانه يوم القيامة).
وأخبرنا أبو إسحاق قال: أخبرنا أبو عمرو الفراتي قال: أخبرنا أبو موسى عمران ابن موسى قال: حدثنا سعيد بن عثمان الخدري قال: حدثنا فارس بن عمر قال: حدثنا صالح بن محمد قال: حدثنا سليمان بن عمرو عن عبد الرحمن بن يزيد، عن مكحول عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (المنفق في سبيل الله على فرسه كالباسط كفيه بالصدقة).
أخبرنا أبو حامد أحمد بن الحسن الكاتب قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن شاذان الرازي.
قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: حدثنا أبو سعيد الاشج قال: حدثنا زيد بن الحباب قال: أخبرنا رجاء بن أبي سلمة، عن سليمان بن موسى الدمشقي، عن عجلان بن سهل الباهلي قال: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: من ارتبط فرسا في سبيل الله لم يرتبطه رياء ولا سمعة كان من الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار، الآية.
قول آخر: أخبرنا محمد بن يحيى بن مالك الضبى قال: حدثنا محمد بن إسماعيل

الجرجاني قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله - الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية - قال: نزلت في علي بن أبي طالب كان عنده أربعة دراهم، فأنفق بالليل واحدا، وبالنهار واحدا، وفي السر واحدا وفي العلانية واحدا.
أخبرنا أحمد بن الحسن الكاتب قال: حدثنا محمد بن أحمد بن شاذان قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: حدثنا أبو سعيد الاشج قال: حدثنا يحيى ابن يمان، عن عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه قال: كان لعلي رضي الله عنه أربعة دراهم، فأنفق درهما بالليل، ودرهما بالنهار، ودرهما سرا، ودرهما علانية، فنزلت - الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية -.
وقال الكلبي: نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب رضى الله عنه لم يكن يملك غير أربعة دراهم، فتصدق بدرهم ليلا، وبدرهم نهارا، وبدرهم سرا، وبدرهم علانية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما حملك على هذا ؟ قال: حملني أن أستوجب على الله الذي وعدني، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا إن ذلك لك) فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا) أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا أبو عمرو بن حمدان قال: أخبرنا أبو يعلى قال: حدثنا أحمد بن الاحمشي قال: حدثنا محمد بن فضيل قال: حدثنا الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس: بلغنا والله أعلم أن هذه الآية نزلت في بني عمرو ابن عمير ابن عوف من ثقيف، وفي بني المغيرة من بني مخزوم، وكانت بنو المغيرة يربون لثقيف، فلما أظهر الله تعالى رسوله على مكة، وضع يومئذ الربا كله، فأتى بنو عمرو ابن عمير وبنو المغيرة إلى عتاب بن أسيد وهو على مكة، فقال بنو المغيرة: ما جعلنا أشقى الناس بالربا وضع عن الناس غيرنا، فقال بنو عمرو بن عمير: صولحنا على أن لنا ربانا، فكتب عتاب في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية

والتي بعدها - فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله - فعرف بنو عمرو أن لايدان لهم بحرب من الله ورسوله، يقول الله تعالى - فإن تبتم فلكم رءوس أموالكم
لا تظلمون - فتأخذون أكثر - ولا تظلمون - فتبخسون منه.
وقال عطاء، وعكرمة: نزلت هذه الآية في العباس بن عبد المطلب وعثمان ابن عفان، وكانا قد أسلفا في التمر، فلما حضر الجداد قال لهما صاحب التمر: لا يبقى لي ما يكفي عيالي إذا أنتما أخذتما حظكما كله، فهل لكما أن تأخذا النصف وأضعف لكما، ففعلا، فلما حل الاجل طلبا الزيادة، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهاهما وأنزل الله تعالى هذه الآية، فسمعا وأطاعا وأخذا رءوس أموالهما.
وقال السدى: نزلت في العباس وخالد بن الوليد، وكانا شريكين في الجاهلية يسلفان في الربا، فجاء الاسلام ولهما أموال عظيمة في الربا، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب).
* قوله: (وإن كان ذو عسرة) قال الكلبي: قالت بنو عمرو بن عمير لبني المغيرة: هاتوا رءوس أموالنا ولكم الربا ندعه لكم، فقالت بنو المغيرة: نحن اليوم أهل عصرة فأخرونا إلى أن تدرك الثمرة، فأبوا أن يؤخروهم فأنزل الله تعالى - وإن كان ذو عسرة الآية -.
* قوله: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه) أخبرنا الامام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن علي بن زياد قال: حدثنا محمد ابن إبراهيم البوشنجى قال: حدثنا أمية بن بسطام قال: حدثنا يزيد بن ذريع قال: حدثنا روح بن القاسم، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: لما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم - وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله - الآية، اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتوا رسول الله صلى الله

عليه وسلم فقالوا: كلفنا من الاعمال ما نطيق: الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد
أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم ؟ أراه قالوا سمعنا وعصينا، قولوا سمعنا وأطعنا عفرانك ربنا وإليك المصير، فلما اقترأها القوم وجرت بها ألسنتهم أنزل الله تعالى في إثرها - آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه - الآية كلها ونسخها الله تعالى فأنزل الله - لا يكلف الله نفسها إلا وسعها - الآية إلى آخرها) رواه مسلم عن أمية بن بسطام.
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال: حدثنا والدي قال: حدثنا محمد ابن إسحاق الثقفي قال: حدثنا عبد الله بن عمر ويوسف بن موسى قالا: أخبرنا وكيع قال: حدثنا سفيان، عن آدم بن سليمان قال: سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية - وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله - دخل قلوبهم منها شئ لم يدخلها من شئ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا.
فألقى الله تعالى الايمان في قلوبهم، فقالوا: سمعنا وأطعنا، فأنزل الله تعالى - لا يكلف الله نفسا إلا وسعها - حتى بلغ - أو أخطأنا - فقال: قد فعلت إلى آخر البقرة، كل ذلك يقول قد فعلت) رواه مسلم عن أبي بكر ابن أبي شيبة عن وكيع قال المفسرون: لما نزلت هذه الآية - وإن تبدوا ما في أنفسكم - جاء أبو بكر وعمر و عبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وناس من الانصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجثوا على الركب وقالوا: يا رسول الله، والله ما نزلت آية أشد علينا من هذه الآية، إن أحدنا ليحدث نفسه بما لا يحب أن يثبت في قلبه وأن له الدنيا وما فيها، وإنا لمؤاخذون بما نحدث به أنفسنا هلكنا والله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هكذا أنزلت، فقالوا: هلكنا وكلفنا من العمل ما لا نطيق، قال: فلعلكم تقولون كما قال بنو إسرائيل لموسى: سمعنا وعصينا، قولوا: سمعنا وأطعنا فقالوا سمعنا وأطعنا،

واشتد ذلك عليهم، فمكثوا بذلك حولا، فأنزل الله تعالى الفرج والراحة بقوله - لا يكلف الله نفسا إلا وسعها - الآية، فنسخت هذه الآية ما قبلها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله قد تجاوز لامتي ما حدثوا به أنفسهم ما لم يعملوا أو يتكلموا به) سورة آل عمران قال المفسرون: قدم وفد نجران، وكانوا ستين راكبا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم، وفي الاربعة عشر ثلاثة نفر إليهم يئول أمرهم، فالعاقب أمير القوم وصاحب مشورتهم الذي لا يصدرون إلا عن رأيه واسمه عبد المسيح، والسيد إمامهم وصاحب رحلهم واسمه الايهم، وأبو حارثة بن علقمة أسقفهم وحبرهم، وإمامهم وصاحب مدراسهم، وكان قد شرف فيهم ودرس كتبهم حتى حسن علمه في دينهم، وكانت ملوك الروم قد شرفوه ومولوه وبنوا له الكنائس لعلمه واجتهاده، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلوا مسجده حين صلى العصر، عليهم ثياب الحبرات جبات وأردية في جمال رجال الحارث بن كعب، يقول بعض من رآهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأينا وفدا مثلهم، وقد حانت صلاتهم، فقاموا فصلوا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوهم فصلوا إلى المشرق، فكلم السيد والعاقب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلما، فقالا: قد أسلمنا قبلك، قال: كذبتما منعكما من الاسلام دعاؤكما لله ولدا، وعبادتكما الصليب، وأكلكما الخنزير، قالا: إن لم يكن عيسى ولد الله فمن أبو ه ؟ وخاصموه جميعا في عيسى، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا ويشبه أباه ؟ قالوا: بلى، قال: ألستم تعلمون أن ربنا حي لا يموت، وأن عيسى أتى عليه الفناء ؟ قالوا: بلى،
قال: ألستم تعلمون أن ربنا قيم على كل شئ يحفظه ويرزقه ؟ قالوا: بلى، قال: فهل يملك

عيسى من ذلك شيئا، قالوا: لا، قال: فإن ربنا صور عيسى في الرحم كيف شاء، وربنا لا يأكل ولا يشرب ولا يحدث ؟ قالوا: بلى، قال: ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة، ثم وضعته كم تضع المرأة ولدها، ثم غذى كما يغذى الصبي، ثم كان يطعم ويشرب ويحدث ؟ قالوا: بلى، قال: فكيف يكون هذا كما زعمتم ؟ فسكتوا، فأنزل الله عز وجل فيهم صدر سورة آل عمران إلى بضعة وثمانين آية منها.
* قوله: (قل للذين كفروا ستغلبون) الآية، قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: أن يهود أهل المدينة قالوا لما هزم الله المشركين يوم بدر: هذا والله النبي الامي الذي بشرنا به موسى، ونجده في كتابنا بنعته وصفته، وأنه لا نرد له راية، فأرادوا تصديقه واتباعه، ثم قال بعضهم لبعض: لا تعجلوا حتى ننظر إلى وقعة له أخرى فلما كان يوم أحد ونكب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوا، وقالوا: لا والله ما هو به وغلب عليهم الشقاء فلم يسلموا، وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى مدة، فنقضوا ذلك العهد، وانطلق كعب بن الاشرف في ستين راكبا إلى أهل مكة أبي سفيان وأصحابه فوافقوهم وأجمعوا أمرهم، وقالوا: لتكونن كلمتنا واحدة، ثم رجعوا إلى المدينة، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.
وقال محمد بن إسحاق بن يسار: لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا ببدر، فقدم المدينة جمع اليهود وقال: يا معشر اليهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش يوم بدر، وأسلموا قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم، فقد عرفتم أني نبي مرسل، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم، فقالوا: يا محمد لا يغرنك أنك لقيت قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب، فأصبت فيهم فرصة، أما والله لو قاتلناك لعرفت أنا نحن الناس، فأنزل الله تعالى - قل للذين كفروا - يعني اليهود - ستغلبون - تهزمون - وتحشرون إلى جهنم -
في الآخرة، هذه رواية عكرمة وسعيد بن جبير عن ابن عباس.
* قوله: (شهد الله أنه لا إله إلا هو) قال الكلبي: لما ظهر رسول الله صلى الله

عليه وسلم بالمدينة قدم عليه حبران من أحبار أهل الشام، فلما أبصرا المدينة، قال أحدهما لصاحبه ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي الذي يخرج في آخر الزمان، فلما دخلا على النبي صلى الله عليه وسلم عرفاه بالصفة والنعت، فقالا له: أنت محمد ؟ قال: نعم، قالا: وأنت أحمد ؟ قال: نعم، قالا إنا نسألك عن شهادة، فإن أنت أخبرتنا بها آمنا بك وصدقناك، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلاني، فقالا: أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله فأنزل الله تعالى على نبيه - شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم - فأسلم الرجلان وصدقا برسول الله صلى الله عليه وسلم.
* قوله: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب) الآية، اختلفوا في سبب نزولها، فقال السدى: دعا النبي صلى الله عليه وسلم اليهود إلى الاسلام فقال له النعمان ابن أدفى: هلم يا محمد نخاصمك إلى الاحبار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل إلى كتاب الله، فقال: بل إلى الاحبار، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وروى سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدراس على جماعة من اليهود، فدعاهم إلى الله، فقال له نعيم بن عمرو والحرث ابن زيد: على أي دين أنت يا محمد ؟ فقال: على ملة إبراهيم، قالا: إن إبراهيم كان يهوديا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم فأبيا عليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال الكلبي نزلت في قصة اللذين زنيا من خيبر، وسؤال اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم عن حد الزانيين، وسيأتي بيان ذلك في سورة المائدة إن شاء الله تعالى.
* قوله: (قل اللهم مالك الملك) الآية قال ابن عباس وأنس بن مالك: لما
افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ووعد أمته ملك فارس والروم ؟ قالت المنافقون واليهود: هيهات هيهات، من أين لمحمد ملك فارس والروم هم أعز وأمنع من ذلك، ألم يكف محمدا مكة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.

أخبرني محمد بن عبد العزيز المروزي في كتابه أخبرنا أبو الفضل محمد بن الحسين أخبرنا محمد بن يحيى، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا روح بن عبادة حدثنا سعيد بن قتادة قال: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يجعل ملك فارس والروم في أمته، فأنزل الله تعالى - قل اللهم مالك الملك، تؤتى الملك من تشاء - الآية.
حدثنا الاستاذ أبو الحسن الثعالبي، أخبرنا عبد الله بن حامد الوزان، أخبرنا محمد ابن جعفر الميطرى قال: قال حماد بن الحسن: حدثنا محمد بن خالد بن عتمة، حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف قال: حدثني أبي عن أبيه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخندق يوم الاحزاب، ثم قطع لكل عشرة أربعين ذراعا قال عمرو بن عوف: كنت أنا وسلمان وحذيفة والنعمان بن مقرن المزني وستة من الانصار في أربعين ذراعا، فحفرنا حتى إذا كنا تحت ذي ناب، أخرج الله من بطن الخندق صخرة مروة كسرت حديدنا وشقت علينا، فقلنا: يا سلمان ارق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر خبر هذه الصخرة، فإما أن نعدل عنها، وإما أن يأمرنا فيها بأمره، فإنا لا نحب أن نجاوز خطه، قال: فرقا سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ضارب عليه قبة تركية، فقال: يا رسول الله خرجت صخرة بيضاء مروة من بطن الخندق فكسرت حديدنا وشقت علينا حتى ما يحيك فيها قليل ولا كثير فمرنا فيها بأمر، فإنا لا نحب أن نجاوز خطك، قال: فهبط رسول الله صلى الله عليه وسلم مع سلمان الخندق والتسعة على شفة الخندق فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم المعول من سلمان فضربها ضربة صدعها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها، يعني المدينة حتى كأن مصباحا في جوفه
بيت مظلم، وكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح، فكبر المسلمون، ثم ضربها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكسرها وبرق منها برق أضاء مابين لابتيها حتى كأن مصباحا في جوف بيت مظلم، وكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح وكبر المسلمون، ثم ضربها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكسرها، وبرق منها برق

أضاء مابين لابتيها، حتى كأن مصباحا في جوف بيت مظلم، وكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح وكبر المسلمون، وأخذ يد سلمان ورقى، فقال سلمان: بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد رأيت شيئا ما رأيت مثله قط، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القوم فقال: رأيتم ما يقول سلمان، قالوا: نعم يا رسول الله، قال: ضربت ضربتي الاولى فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها، ثم ضربت ضربتي الثانية فبرق الذي رأيتم، أضاءت لي منها القصور الحمر من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها، ثم ضربت ضربتي الثالثة فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب.
وأخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها، فأبشروا، فاستبشر المسلمون وقالوا: الحمد لله موعد صدق وعدنا النصر بعد الحفر، فقال المنافقون: ألا تعجبون يمنيكم ويعدكم الباطل، ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم، وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق، ولا تستطيعون أن تبرزوا ؟ قال: فنزل القرآن - وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا - وأنزل الله تعالى في هذه القصة قوله - قل اللهم مالك الملك - الآية.
* قوله: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين) قال ابن عباس: كان الحجاج بن عمرو وكهمس بن أبي الحقيق وقيس بن زيد وهؤلاء كانوا
من اليهود يباطنون نفرا من الانصار ليفتنوهم عن دينهم، فقال رفاعة ابن المنذر وعبد الله ابن جبير وسعيد بن خيثمة لاولئك النفر: اجتنبوا هؤلاء اليهود واحذروا لزومهم ومباطنتهم لا يفتنوكم عن دينكم، فأبى أولئك النفر إلا مباطنتهم وملازمتهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال الكلبي: نزلت في المنافقين عبد الله بن أبي وأصحابه، كانوا يتولون اليهود (5 - أسباب النزول)

والمشركين ويأتونهم بالاخبار ويرجون أن يكون لهم الظفر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى هذه الآية، ونهى المؤمنين عن مثل فعلهم.
وقال جبير عن الضحاك عن ابن عباس: نزلت في عبادة بن الصامت الانصاري وكان بدريا نقيبا، وكان له حلفاء من اليهود، فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاحزاب قال عبادة.
يا نبي الله إن معي خمسمائة رجل من اليهود، وقد رأيت أن يخرجوا معي فأستظهر بهم على العدو، فأنزل الله تعالى - لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء - الآية.
* قوله: (قل إن كنتم تحبون الله) الآية، قال الحسن وابن جريج: زعم أقوام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم يحبون الله، فقالوا: يا محمد إنا نحب ربنا فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قريش وهم في المسجد الحرام، وقد نصبوا أصنامهم وعلقوا عليها بيض النعام، وجعلوا في آذانها الشنوف، وهم يسجدون لها، فقال: يا معشر قريش لقد خالفتم ملة أبيكم إبراهيم وإسماعيل، ولقد كانا على الاسلام، فقالت قريش: يا محمد إنما نعبد هذه حبا لله ليقربونا إلى الله زلفى، فأنزل الله تعالى - قل إن كنتم تحبون الله - وتعبدون
الاصنام لتقربكم إليه - فاتبعوني يحببكم الله - فأنا رسوله إليكم وحجته عليكم، وأنا أولى بالتعظيم من أصنامكم.
وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: أن اليهود لما قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه أنزل الله تعالى هذه الآية، فلما نزلت عرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليهود، فأبوا أن يقبلوها.
وروى محمد بن إسحاق بن يسار عن محمد بن جعفر بن الزبير قال: نزلت في نصارى نجران، وذلك أنهم قالوا: إنما نعظم المسيح ونعبده حبا لله وتعظيما له، فأنزل الله تعالى هذه الآية ردا عليهم.

* قوله تعالى: (إن مثل عيسى عند الله) الآية، قال المفسرون: إن وفد نجران قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: مالك تشتم صاحبنا ؟ قال، وما أقول ؟ قالوا: تقول إنه عبد، قال: أجل إنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول، فغضبوا وقالوا: هل رأيت إنسانا قط من غير أب، فإن كنت صادقا فأرنا مثله، فأنزل الله عز وجل هذه الآية.
أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الحارثي قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر، أخبرنا أبو يحيى الرازي، أخبرنا سهل بن عثمان، أخبرنا يحيى ووكيع، عن مبارك عن الحسن قال: جاء راهبا نجران إلى النبي صلى الله عليه وسلم فعرض عليهما الاسلام، فقال أحدهما: إنا قد أسلمنا قبلك، فقال: كذبتما إنه يمنعكما من الاسلام ثلاث: عبادتكم الصليب، وأكلكم الخنزير، وقولكم لله ولد، قالا: من أبو عيسى ؟ وكان لا يعجل حتى يأمره ربه، فأنزل الله تعالى - إن مثل عيسى - الآية.
قوله: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) الآية، أخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن ابن محمد الرهجائي، أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل،
حدثنا أبي قال: حدثنا حسين قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن يونس، عن الحسن قال: جاء راهبا نجران إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لهما: أسلما تسلما، فقالا: قد أسلمنا قبلك، فقال: كذبتما يمنعكما من الاسلام سجودكما للصليب، وقولكما اتخذ الله ولدا وشربكما الخمر، فقالا: ما تقول في عيسى ؟ قال: فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن - ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم - إلى قوله - فقالوا ندع أبناءنا وأبناءكم - الآية، فدعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملاعنة، وقال: جاء بالحسن والحسين وفاطمة وأهله وولده عليهم السلام، قال: فلما خرجا من عنده قال أحدهما لصاحبه: اقرر بالجزية ولا تلاعنه، فأقر بالجزية، قال: فرجعا فقالا نقر بالجزية ولا نلاعنك.
أخبرني عبد الرحمن بن الحسن الحافظ فيما أذن لي في روايته حدثنا أبو حفص عمر

ابن أحمد الواعظ، حدثنا عبد الرحمن بن سليمان بن الاشعث، حدثنا يحيى ابن حاتم العسكري، حدثنا بشر بن مهران، حدثنا محمد بن دينار، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن جابر بن عبد الله قال: قدم وفد أهل نجران على النبي صلى الله عليه وسلم العاقب والسيد، فدعاهما إلى الاسلام، فقالا أسلمنا قبلك، قال كذبتما إن شئتما أخبرتكما بما يمنعكما من الاسلام: فقالا: هات أنبئنا، قال: حب الصليب، وشرب الخمر، وأكل لحم الخنزير، فدعاهما إلى الملاعنة، فوعداه على أن يغادياه بالغداة فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيد علي وفاطمة وبيد الحسن والحسين، ثم أرسل إليهما فأبيا أن يجيبا، فأقرا له بالخراج فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي بعثني بالحق لو فعلا لمطر الوادي نارا.
قال جابر: فنزلت فيهم هذه الآية - فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم - قال الشعبي: أبناءنا: الحسن والحسين، ونساءنا: فاطمة،
وأنفسنا علي بن أبي طالب رضى الله عنهم.
* قوله: (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي) الآية قال: وسئل اليهود والله يا محمد لقد علمت أنا أولى بدين إبراهيم منك ومن غيرك، وأنه كان يهوديا، وما بك إلا الحسد، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، وروى أيضا عبد الرحمن ابن غنم عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكره محمد بن إسحاق بن يسار، وقد دخل حديث بعضهم في بعض قالوا: لما هاجر جعفر بن أبي طالب وأصحابه إلى الحبشة، واستقرت بهم الدار، وهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وكان من أمر بدر ما كان، أجتمعت قريش في دار الندوة وقالوا: إن لنا في أصحاب محمد الذين عند النجاشي ثأرا عن (من) قتل منكم ببدر فأجمعوا مالا وأهدوه إلى النجاشي لعله يدفع إليكم من عنده من قومكم، ولينتذب لذلك رجلان من ذوي أرائكم، فبعثوا عمرو بن العاص

وعمارة بن أبي معيط مع الهدايا الادم وغيره، فركبا البحر وأتيا الحبشة، فلما دخلا على النجاشي سجدا له وسلما عليه وقالا له: إن قومنا لك ناصحون شاكرون، ولصلاحك محبون، وإنهم بعثونا إليك لنحذرك هؤلاء القوم الذين قدموا عليك، لانهم قوم رجل كذاب خرج فينا يزعم أنه رسول الله، ولم يتابعه أحد منا إلا السفهاء: وكنا قد ضيقنا عليهم الامر وألجأناهم إلى شعب بأرضنا لا يدخل عليهم أحد، ولا يخرج منهم أحد، قد قتلهم الجوع والعطش، فلما اشتد عليهم الامر بعث إليك ابن عمه ليفسد عليك دينك وملكك ورعيتك، فاحذرهم وادفعهم إلينا لنكفيكهم، قالوا: وآية ذلك أنهم إذا دخلوا عليك لا يسجدون لك ولا يحيونك بالتحية التي يحييك بها الناس رغبة عن دينك وسنتك، قال: فدعاهم النجاشي، فلما حضروا صاح جعفر بالباب، يستأذن عليك حزب الله، فقال النجاشي: نعم فليدخلوا بأمان الله وذمته، فنظر عمرو بن العاص إلى
صاحبه، فقال: ألا تسمع كيف يرطنون بحزب الله وما أجابهم النجاشي، فساءهما ذلك، ثم دخلوا عليه ولم يسجدوا له، فقال عمرو بن العاص: ألا ترى أنهم يستكبرون أن يسجدوا لك ؟ فقال لهم النجاشي: ما يمنعكم أن تسجدوا لي وتحيوني بالتحية التي يحييني بها من أتاني من الآفاق ؟ قالوا: نسجد لله الذي خلقك وملكك، وإنما كانت تلك التحية لنا ونحن نعبد الاوثان، فبعث الله فينا نبيا صادقا وأمرنا بالتحية التي نعتها الله لنا، وهي السلام تحية أهل الجنة، فعرف النجاشي أن ذلك حق وأنه في التوراة والانجيل، قال: أيكم الهاتف يستأذن عليك حزب الله ؟ قال جعفر: أنا، قال فتكلم، قال: إنك ملك من ملوك أهل الارض ومن أهل الكتاب، ولا يصلح عندك كثرة الكلام ولا الظلم، وأنا أحب أن أجيب عن أصحابي، فمر هذين الرجلين فليتكلم أحدهما وليسكت الآخر فتسمع محاورتنا، فقال عمرو لجعفر: تكلم، فقال جعفر للنجاشي: سل هذا الرجل أعبيد نحن أم أحرار ؟ فإن كنا عبيدا أبقنا من أربابنا فارددنا إليهم، فقال النجاشي: أعبيد هم أم أحرار ؟ فقال: بل أحرار كرام ؟ فقال النجاشي: خرجتم من العبودية ؟ قال جعفر: سلهما هل أهرقنا دما بغير حق فيقتص منا ؟ فقال عمرو:

لا ولا قطرة قال جعفر: سلهما هل أخذنا أموال الناس بغير حق فعلينا قضاؤها ؟ قال النجاشي: يا عمرو إن كان قنطارا فعلي قضاؤه، فقال عمرو: لا ولا قيراط، قال النجاشي: فما تطلبون منهم ؟ قال عمرو: كنا وهم على دين واحد على دين آباءنا، فتركوا ذلك الدين واتبعوا غيره ولزمنا نحن، فبعثنا إليك قومهم لتدفعهم إلينا، فقال النجاشي: ماهذا الدين الذي كنتم عليه والدين الذي اتبعتموه ؟ أصدقني، قال جعفر: أما الذي كنا عليه فتركناه فهو دين الشيطان وأمره كنا نكفر بالله عز وجل، ونعبد الحجارة، وأما الذي تحولنا إليه، فدين الله الاسلام جاءنا به الله رسول وكتاب مثل كتاب ابن مريم موافقا له، فقال النجاشي: يا جعفر لقد تكلمت بأمر عظيم فعلى رسلك،
ثم أمر النجاشي فضرب بالناقوس، فاجتمع أهل كل قسيس وراهب، فلما اجتمعوا عنده قال النجاشي: أنشدكم الله الذي أنزل الانجيل على عيسى هل تجدون بين عيسى وبين القيامة نبيا مرسلا فقالوا: اللهم نعم قد بشرنا به عيسى وقال: من آمن به فقد آمن بي، ومن كفر به فقد كفر بي، فقال النجاشي لجعفر: ماذا يقول لكم هذا الرجل ويأمركم به وما ينهاكم عنه ؟ قال: يقرأ علينا كتاب الله ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويأمر بحسن الجوار وصلة الرحم وبر اليتيم، ويأمرنا أن نعبد الله وحده لا شريك له، فقال: اقرأ علينا شيئا مما كان يقرأ عليكم، فقرأ عليهم سورة العنكبوت والروم، ففاضت عينا النجاشي وأصحابه من الدمع وقالوا: يا جعفر زدنا من هذا الحديث الطيب، فقرأ عليهم سورة الكهف فأراد عمرو أن يغضب النجاشي، فقال: إنهم يشتمون عيسى وأمه، فقال النجاشي: ما يقولون في عيسى وأمه ؟ فقرأ عليهم جعفر سورة مريم، فلما أتى على ذكر مريم وعيسى رفع النجاشي بقية من سواك قدر ما يقذى العين وقال: والله ما زاد المسيح على ما تقولون هذا، ثم أقبل على جعفر وأصحابه فقال: اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي يقول آمنون من سبكم أو أذاكم عزم، ثم قال: أبشروا ولا تخافوا، ولا دهورة اليوم على حزب إبراهيم، قالوا: يا نجاشي ومن حزب إبراهيم ؟ قال: هؤلاء الرهط وصاحبهم الذي جاءوا من عنده ومن اتبعهم، فأنكر ذلك المشركون وادعوا دين إبراهيم ثم رد النجاشي على عمرو وصاحبه المال الذي حملوه

وقال: إنما هديتكم إلي رشوة فاقبضوها، فإن الله ملكني ولم يأخذ مني رشوة، قال جعفر: وانصرفنا فكنا في خير دار وأكرم جوار.
وأنزل الله عز وجل ذلك اليوم في خصومتهم في إبراهيم على رسوله صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة.
* قوله: (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه) على ملته وسنته (وهذا النبي) يعني محمدا صلى الله عليه وسلم (والذين آمنوا والله ولي المؤمنين) أخبرنا
أبو حامد أحمد بن الحسن الوراق، أخبرنا أبو أحمد محمد بن أحمد الحزري، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، أخبرنا أبو سعيد الاشج قال: حدثنا وكيع، عن سفيان ابن سعيد، عن أبيه، عن أبى الضحى، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لكل نبي ولاة من النبيين، وأنا أولى منهم بأبي الخليل أبي إبراهيم، ثم قرأ - إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي - الآية.
* قوله: (ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم) الآية نزلت في معاذ بن جبل وعمار بن ياسر حين دعاهما اليهود إلى دينهم، وقد مضت القصة في سورة البقرة.
* قوله: (وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا) الآية.
قال الحسن والسدى: تواطأ اثنا عشر حبرا من يهود خيبر، وقال بعضهم لبعض: ادخلوا في دين محمد أول النهار باللسان دون الاعتقاد، واكفروا به في آخر النهار وقولوا: إنا نظرنا في كتبنا وشاورنا علماءنا فوجدنا محمدا ليس بذلك وظهر لنا كذبه وبطلان دينه، فإذا فعلتم ذلك شك أصحابه في دينهم، وقالو: إنهم أهل كتاب وهم أعلم به منا، فيرجعون عن دينهم إلى دينكم، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وأخبر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
قال مجاهد ومقاتل والكلبي هذا في شأن القبلة لما صرفت إلى الكعبة شق ذلك على اليهود لمخالفتهم، قال كعب بن الاشرف وأصحابه: آمنوا بالذي أنزل على محمد من

أمر الكعبة، وصلوا إليها أول النهار، ثم اكفروا بالكعبة آخر النهار، وارجعوا إلى قبلتكم الصخرة، لعلهم يقولون هؤلاء أهل كتاب وهم أعلم منا، فربما يرجعون إلى قبلتنا فحذر الله تعالى نبيه مكر هؤلاء، وأطلعه على سرهم، وأنزل - وقالت طائفة من أهل الكتاب - الآية.
* قوله: (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) الآية.
أخبرنا
أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، أخبرنا حاجب بن أحمد أخبرنا محمد بن حماد، أخبرنا أبو معاوية، عن سفيان، عن الاعمش، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين وهو فيها فاجر ليقطع بها مال امرئ مسلم لقى الله وهو عليه غضبان، فقال الاشعث بن قيس: في والله كان بيني وبين رجل من اليهود أرض، فجحدني، فقدمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم: فقال: لك بينة ؟ قلت: لا، فقال لليهودي: أتحلف، قلت: إذن يحلف فيذهب بمالي، فأنزل الله عز وجل - إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا - الآية، رواه البخاري عن عبدان عن أبي حمزة عن الاعمش.
أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المهرجاني: أخبرنا عبد الله بن محمد بن محمد الزاهد، أخبرنا أبو القاسم البغوي قال: حدثني محمد بن سليمان قال: حدثني صالح بن عمر، عن الاعمش، عن شقيق قال: قال عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقطع بها مالا لقى الله وهو عليه غضبان فأنزل الله تعالى - إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا - إلى آخر الآية، فأتى الاشعث بن قيس فقال: ما يحدثكم أبو عبد الرحمن ؟ قلنا: كذا وكذا، لفي نزلت خاصمت رجلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ألك بينة ؟ قلت: لا، قال: تحلف قلت: إذن يحلف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقتطع بها مالا لقى الله وهو عليه غضبان، فأنزل الله - إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا - الآية، رواه البخاري عن حجاج بن منهال، عن أبي عوانة.
ورواه مسلم

عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع، وعن ابن نمير، عن أبي معاوية.
كلهم عن الاعمش.
أخبرنا أبو عبد الرحمن الشاذياخي، أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الفقيه، حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا سفيان عن منصور والاعمش، عن أبي وائل قال: قال عبد الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحلف رجل على يمين صبر ليقطع بها مالا فاجرا إلا لقى الله وهو عليه غضبان - قال: فأنزل الله تعالى - إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا - قال: فجاء الاشعث وعبد الله يحدثهم، قال في نزلت، وفي رجل خاصمته في بئر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألك بينة ؟ قلت: لا، قال فليحلف لك قلت: إذن يحلف، قال: فنزلت - إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا - الآية.
أخبرنا عمرو بن عمرو المزكى، أخبرنا محمد بن المكي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل البخاري، حدثنا علي بن سمية يقول: أخبرنا العوام بن حوشب، عن إبراهيم بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن أبي أوفى أن رجلا أقام سلعة في السوق، فحلف لقد أعطى بها ما لم يعط ليوقع فيها رجلا من المسلمين، فنزلت - إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا - إلى آخر الآية.
وقال الكلبي: إن ناسا من علماء اليهود أولي فاقة أصابتهم سنة فاقتحموا إلى كعب بن الاشرف بالمدينة، فسألهم كعب: هل تعلمون أن هذا الرجل رسول الله في كتابكم ؟ قالوا: نعم، وما تعلمه أنت ؟ قال: لا، فقالوا: فإنا نشهد أنه عبد الله ورسوله، قال: لقد حرمكم الله خيرا كثيرا، لقد قدمتم علي وأنا أريد أن أميركم وأكسو عيالكم، فحرمكم الله وحرم عيالكم، قالوا: فإنه شبه لنا، فرويدا حتى نلقاه، فانطلقوا فكتبوا صفة سوى صفته، ثم انتهوا إلى نبي الله فكلموه وسائلوه، ثم رجعوا إلى كعب وقالوا: لقد كنا نرى أنه رسول الله، فلما أتيناه إذا هو ليس

بالنعت الذي نعت لنا، ووجدنا نعته مخالفا للذي عندنا، وأخرجوا الذي كتبوا فنظر إليه كعب، ففرح ومارهم وأنفق عليهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال عكرمة: نزلت في أبي رافع ولبابة بن أبي الحقيق وحيى بن أخطب وغيرهم من رؤساء اليهود، كتموا ما عهد الله إليهم في التوراة من شأن محمد صلى الله عليه وسلم وبدلوه وكتبوا بأيديهم غيره، وحلفوا أنه من عند الله لئلا يفوتهم الرشا والمآكل التي كانت لهم على اتباعهم.
* قوله (ماكان لبشر أن يؤتيه الله) الآية.
قال الضحاك ومقاتل: نزلت في نصارى نجران حين عبدوا عيسى، وقوله لبشر، يعني عيسى، أن يؤتيه الله الكتاب: يعني الانجيل.
وقال ابن عباس في رواية الكلبي وعطاء: إن أبا رافع اليهودي والرئيس من نصارى نجران قالا: يا محمد أتريد أن نعبدك ونتخذك ربا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: معاذ الله أن يعبد غير الله أو نأمر بعبادة غير الله، ما بذلك بعثني، ولا بذلك أمرني، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قال الحسن بلغني أن رجلا قال: يا رسول الله نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض، أفلا نسجد لك ؟ قال: لا ينبغي أن يسجد لاحد من دون الله، ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لاهله، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله: (أفغير دين الله يبغون) قال ابن العباس: اختصم أهل الكتابين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما اختلفوا بينهم من دين إبراهيم، كل فرقة زعمت أنها أولى بدينه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كلا الفريقين برئ من دين إبراهيم، فغضبوا وقالوا: والله ما نرضى بقضائك ولا نأخذ بدينك، فأنزل الله تعالى - أفغير دين الله يبغون -.
* قوله: (كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم) الآية، أخبرنا أبو بكر الحارثى، أخبرنا محمد بن حيان، أخبرنا أبو يحيى عبد الرحمن بن محمد، حدثنا سهل بن عثمان، حدثنا علي بن عاصم عن خالد وداود، عن عكرمة، عن ابن عباس،

أن رجلا من الانصار ارتد فلحق بالمشركين، فأنزل الله تعالى - كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم - إلى قوله - إلا الذين تابوا - فبعث بها قومه إليه، فلما قرئت إليه قال: والله ما كذبني قومي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا كذب رسول الله على الله، والله عز وجل أصدق الثلاثة، فرجع ثانيا، فقبل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركه.
أخبرنا أبو بكر، أخبرنا أبو محمد، أخبرنا أبو يحيى، حدثنا سهل، عن يحيى ابن أبي زائدة، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ارتد رجل من الانصار عن الاسلام ولحق بالشرك، فندم، فأرسل إلى قومه أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل لي من توبة، فإني قد ندمت، فنزلت - كيف يهدي الله قوما كفروا - حتى بلغ - إلا الذين تابوا - فكتب بها قومه إليه، فرجع فأسلم.
أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد، أخبرنا أبو بكر بن زكريا أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الفقيه، حدثنا أحمد بن يسار، حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا جعفر بن سليمان، عن حميد بن الاعرج عن مجاهد قال: كان الحرث بن سويد قد أسلم، وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لحق بقومه وكفر فأنزلت فيه هذه الآية - كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم - إلى قوله - فإن الله غفور رحيم - حملها إليه رجل من قومه، فقرأها عليه فقال الحرث: والله إنك ما علمت لصدوق وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصدق منك، وأن الله لاصدق الثلاثة، ثم رجع فأسلم إسلاما حسنا.
* قوله: (إن الذين كفروا بعد إيمانهم) قال الحسن وقتادة وعطاء الخراساني: نزلت في اليهود كفروا بعيسى والانجيل، ثم ازدادوا كفرا بمحمد والقرآن، وقال أبو العالية: نزلت في اليهود والنصارى، كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بنعته وصفته، ثم ازدادوا كفرا بإقامتهم على كفرهم.
* قوله: (كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل) قال أبو روق والكلبي نزلت
حين قال النبي صلى الله عليه وسلم: أنه على ملة إبراهيم، فقالت اليهود: كيف وأنت تأكل

لحوم الابل وألبانها ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كان ذلك حلالا لابراهيم، فنحن نحله، فقالت اليهود: كل شئ أصبحنا اليوم نحرمه فإنه كان على نوح وإبراهيم حتى انتهى إلينا، فأنزل الله عز وجل تكذيبا لهم - كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل - الآية.
* قوله: (إن أول بيت وضع للناس) الآية.
قال مجاهد: تفاخر المسلمون واليهود، فقالت اليهود: بيت المقدس أفضل وأعظم من الكعبة لانه مهاجر الانبياء وفي الارض المقدسة، وقال المسلمون: بل الكعبة أفضل، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله: (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا) الآية.
أخبرنا أبو عمر العسكري فيما أذن لي في روايته قال: أخبرني محمد بن الحسين الحداد قال: أخبرنا محمد ابن يحيى بن خالد قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا المؤمل بن إسماعيل قال: حدثنا حماد بن زيد، حدثنا أيوب، عن عكرمة قال: كان بين هذين الحيين من الاوس والخزرج قتال في الجاهلية، فلما جاء الاسلام اصطلحوا وألف الله بين قلوبهم، وجلس يهودي في مجلس فيه نفر من الاوس والخزرج، فأنشد شعرا قاله أحد الحيين في حربهم، فكأنهم دخلهم من ذلك، فقال الحي الاخرون: وقد قال شاعرنا في يوم كذا كذا وكذا، فقال الاخرون: وقد قال شاعرنا في يوم كذا كذا وكذا، فقالوا: تعالى نرد الحرب جذعا كما كانت، فنادى هؤلاء يا آل أوس، ونادى هؤلاء يا آل خزرج، فاجتمعوا وأخذوا السلاح واصطفوا للقتال، فنزلت هذه الآية، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم حتى قام بين الصفين فقرأها ورفع صوته، فلما سمعوا صوته أنصتوا وجعلوا يستمعون، فلما فرغ ألقوا السلاح وعانق بعضهم بعضا وجعلوا يبكون.
وقال زيد بن أسلم: مر شاس بن قيس اليهودي وكان شيخا قد غبر في الجاهلية عظيم الكفر شديد الضغن على المسلمين شديد الحسد لهم، فمر على نفر من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم من الاوس والخزرج في مجلس جمعهم يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى

من جماعتهم وألفتهم وصلاح ذات بينهم في الاسلام بعد الذي كان بينهم في الجاهلية من العداوة، فقال: قد اجتمع ملا بني قيلة بهذه البلاد، لا والله مالنا معهم إذا اجتمعوا بها من قرار، فأمر شابا من اليهود كان معه، فقال: اعمد إليهم فاجلس معهم، ثم ذكرهم بعاث وما كان فيه وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الاشعار، وكان بعاث يوم اقتتلت فيه الاوس والخزرج، وكان الظفر فيه للاوس على الخزرج، ففعل فتكلم القوم عند ذلك، فتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين أوس ابن قيظى 7 أحد بني حارثة من الاوس، وجابر بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج فتقاولا وقال أحدهما لصاحبه إن شئت رددتها جذعا، وغضب الفريقان جميعا وقالا: ارجعا، السلاح السلاح، موعدكم الظاهرة وهي حرة، فخرجوا إليها فانضمت الاوس والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين حتى جاءهم فقال: يا معشر المسلمين، أتدعون الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن أكرمكم الله بالاسلام وقطع به عنكم أمر الجاهلية وألف بينكم، فترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا، ألله ألله فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان وكيد من عدوهم فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا، وعانق بعضهم بعضا، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين، فأنزل الله عز وجل - يا أيها الذين آمنوا - يعني الاوس والخزرج - إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب - يعني شاسا وأصحابه - يردوكم بعد إيمانكم كافرين - قال جابر بن عبد الله: ما كان طالع أكره إلينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأومأ إلينا بيده، فكففنا وأصلح الله تعالى ما بيننا، فما كان شخص أحب إلينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيت يوما أقبح ولا أوحش أولا وأحسن آخرا
من ذلك اليوم.
* قوله: (وكيف تكفرون) الآية.
أخبرنا أحمد بن الحسن الحيرى قال: حدثنا محمد بن يعقوب، حدثنا العباس الدوري، حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين،

حدثنا قيس بن الربيع عن الاغر، عن خليفة بن حصين، عن أبي نصر، عن ابن عباس قال: كان بين الاوس والخزرج شر في الجاهلية، فذكروا ما بينهم، فثار بعضهم إلى بعض بالسيوف فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فذهب إليهم، فنزلت هذه الآية - وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا -.
أخبرنا الشريف إسماعيل بن الحسن بن محمد بن الحسين النقيب قال: أخبرنا جدى محمد بن الحسين قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسين الحافظ قال: حدثنا حاتم ابن يونس الجرجاني قال: حدثنا إبراهيم بن أبي الليث قال: حدثنا الاشجعي، عن سفيان، عن خليفة بن حصين، عن أبي نصر، عن ابن عباس قال: كان الاوس والخزرج يتحدثون، فغضبوا، حتى كان بينهم حرب، فأخذوا السلاح بعضهم إلى بعض فنزلت - وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله - إلى قوله تعالى - فأنقذكم منها -.
* قوله: (كنتم خير أمة) الآية.
قال عكرمة ومقاتل: نزلت في ابن مسعود وأبى بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة، وذلك أن مالك بن الضيف 7 ووهب بن يهوذا اليهوديين قالا لهم: إن ديننا خير مما تدعونا إليه، ونحن خير وأفضل منكم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله: (لن يضركم إلا أذى) قال مقاتل: إن رءوس اليهود كعب ويحرى والنعمان وأبو رافع وأبو ياسر وابن صوريا عمدوا إلى مؤمنهم عبد الله بن سلام وأصحابه
فآذوهم لاسلامهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله: (ليسوا سواء) الآية.
قال ابن عباس ومقاتل: لما أسلم عبد الله ابن سلام وثعلبة بن سعنة وأسيد بن سعنة وأسد بن عبيد ومن أسلم من اليهود، قالت أحبار اليهود: ما آمن لمحمد إلا شرارنا، ولو كانوا من خيارنا لما تركوا دين آبائهم، وقالوا لهم: لقد خنتم حين استبدلتم بدينكم دينا غيره، فأنزل الله تعالى - ليسوا

سواء - الآية.
وقال ابن مسعود: نزلت الآية في صلاة العتمة يصليها المسلمون، ومن سواهم من أهل الكتاب لا يصليها.
أخبرنا أبو سعيد محمد بن عبد الرحمن الرازي قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن أحمد الحيرى قال أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال: حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا هاشم ابن القاسم قال: حدثنا شيبان عن عاصم، عن زر، عن ابن مسعود قال: أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة صلاة العشاء، ثم خرج إلى المسجد، فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال إنه ليس من أهل الاديان أحد يذكر الله في هذه الساعة غيركم، قال: فأنزلت هذه الآيات - ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون - إلى قوله - والله عليم بالمتقين -.
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن نوح قال: أخبرنا أبو على بن أحمد الفقيه قال: أخبرنا محمد بن المسيب قال: حدثنا يونس بن عبد الاعلى قال: حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني يحيى بن أيوب، عن ابن زجر، عن سليمان، عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود قال: احتبس علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، وكان عند بعض أهله أو نسائه فلم يأتنا لصلاة العشاء حتى ذهب ثلث الليل، فجاء ومنا المصلي ومنا المضطجع، فبشرنا فقال: إنه لا يصلي هذه الصلاة أحد من أهل الكتاب، وأنزلت - ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل
وهم يسجدون -.
* قوله: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم) الآية.
قال ابن عباس ومجاهد: نزلت في قوم من المؤمنين كانوا يصافون المنافقين ويواصلون رجالا من اليهود لما كان بينهم من القرابة والصداقة والحلف والجوار والرضاع، فأنزل الله تعالى هذه الآية ينهاهم عن مباطنتهم خوف الفتنة منهم عليهم.
* قوله: (وإذا غدوت من أهلك) الآية.
نزلت هذه الآية في غزوة أحد،

أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد قال: أخبرنا أبو علي الفقيه قال: أخبرنا أبو القاسم البغوي قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال: حدثنا عبد الله بن جعفر المخزمى 7، عن ابن عون عن المسعر بن مخرمة قال: قلت لعبد الرحمن بن عوف: أي خالي أخبرني عن قصتكم يوم أحد، فقال: اقرأ العشرين ومائة من آل عمران تجد - وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين - إلى قوله تعالى - ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا - * قوله تعالى: (ليس لك من الامر شئ) أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد التميمي قال: أخبرنا عبد الله بن محمد جعفر قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان العسكري قال: حدثنا عبيدة بن حميد، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك قال: كسرت رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ودمى وجهه، فجعل الدم يسيل على وجهه ويقول: كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم ؟ قال: فأنزل الله تعالى - ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون -.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الرازي قال: أخبرنا أبو عمرو بن حمدان قال: أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل قال: حدثنا عبد العزيز ابن محمد قال: حدثنا معمر عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال: لعن رسول الله
صلى الله عليه وسلم فلانا وفلانا، فأنزل الله عز وجل - ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون - رواه البخاري، عن حيان، عن ابن المبارك عن معمر، ورواه مسلم من طريق ثابت، عن أنس.
أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عيسى بن عمرويه قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: أخبرنا مسلم بن الحجاج قال: حدثنا العقبى قال: حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد وشج في رأسه وجعل يسيل الدم عنه ويقول: كيف يفلح قوم

شجوا نبيهم وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى ربهم، فأنزل الله عز وجل - ليس لك من الامر شئ -.
أخبرنا أبو إسحاق الثعالبي، أخبرنا عبد الله بن حامد الوزان قال: أخبرنا أبو حامد ابن الشرقي قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في صلاة الفجر حين رفع رأسه من الركوع: ربنا لك الحمد، اللهم ألعن فلانا وفلانا، دعا على ناس من المنافقين، فأنزل الله عز وجل - ليس لك من الامر شئ - رواه البخاري من طريق الزهري، عن سعيد بن المسيب وسياقه أحسن من هذا.
أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: حدثنا الحر بن نصر قال: فروى علي بن وهب، أخبرنا يونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال: أخبرني شعيب بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن أنهما سمعا أبا هريرة يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يفرغ في صلاة الفجر من القراءة ويكبر ويرفع رأسه ويقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ثم يقول وهو قائم: اللهم انج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين: اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف، اللهم ألعن لحيان ورعلا
وذكوان وعصية عصت الله ورسوله، ثم بلغنا أنه ترك لما نزلت - ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون - رواه البخاري، عن موسى ابن إسماعيل، عن إبراهيم بن سعد، عن الزهري.
* قوله تعالى: (والذين إذا فعلوا فاحشة) الآية.
قال ابن عباس في رواية عطاء: نزلت الآية في نبهان التمار، أتته امرأة حسناء باع منها تمرا فضمها إلى نفسه وقبلها ثم ندم على ذلك، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر ذلك له، فنزلت هذه الآية.
(6 - أسباب النزول).

وقال في رواية الكلبي، إن رجلين أنصاريا وثقفيا آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، فكانا لا يفترقان، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه، وخرج معه الثقفي وخلف الانصاري في أهله وحاجته، وكان يتعاهد أهل الثقفي، فأقبل ذات يوم فأبصر امرأة صاحبه قد اغتسلت وهي ناشرة شعرها، فوقعت في نفسه، فدخل ولم يستأذن حتى انتهى إليها، فذهب ليقبلها فوضعت كفها على وجهها، فقبل ظاهر كفها ثم ندم واستحيا، فأدبر راجعا فقالت: سبحان الله خنت أمانتك وعصيت ربك ولم تصب حاجتك، قال: فندم على صنيعه، فخرج يسيح في الجبال ويتوب إلى الله تعالى من ذنبه حتى وافى الثقفي، فأخبرته أهله بفعله، فخرج يطلبه حتى دل عليه، فوافقه ساجدا وهو يقول: رب ذنبي قد خنت أخي، فقال له: يا فلان قم فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسله عن ذنبك لعل الله أن يجعل له فرجا وتوبة فأقبل معه حتى رجع إلى المدينة، وكان ذات يوم عند صلاة العصر نزل جبريل عليه السلام بتوبته، فتلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم - والذين إذا فعلوا فاحشة - إلى قوله - ونعم أجر العاملين - فقال عمر: يا رسول الله أخاص هذا لهذا الرجل أم للناس عامة ؟ قال: بل للناس عامة.
أخبرني أبو عمرو محمد بن عبد العزيز المروزي إجازة قال: أخبرنا محمد
ابن الحسن الحدادي قال: أخبرنا محمد بن يحيى قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا روح قال: حدثنا محمد، عن أبيه، عن عطاء: أن المسلمين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أبنوا إسرائيل أكرم على الله منا ؟ كانوا إذا أذنب أحدهم أصبحت كفارة ذنبه مكتوبة في عتبة بابه اجذع أذنك، اجذع أنفك، افعل كذا، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت - والذين إذا فعلوا فاحشة - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بخير من ذلك ؟ فقرأ هذه الآيات.
* قوله تعالى: (ولا تهنوا ولا تحزنوا) الآية.
قال ابن عباس: انهزم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فبينما هم كذلك إذ أقبل خالد بن الوليد بخيل المشركين يريد أن يعلو عليهم الجبل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم لا يعلون علينا،

اللهم لا قوة لنا إلا بك، اللهم ليس يعبدك بهذه البلدة غير هؤلاء النفر، فأنزل الله تعالى هذه الآيات، وثاب نفر من المسلمين رماة، فصعدوا الجبل ورموا خيل المشركين حتى هزموهم، فذلك قوله - وأنتم الاعلون -.
* قوله: (إن يمسسكم قرح) الآية.
قال راشد بن سعد: لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم كئيبا حزينا يوم أحد، جعلت المرأة تجئ بزوجها وابنها مقتولين وهي تلدم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهكذا يفعل برسولك ؟ فأنزل الله تعالى - إن يمسسكم قرح - الآية.
* قوله: (وما محمد إلا رسول) الآيات.
قال عطية العوفى: لما كان يوم أحد انهزم الناس، فقال بعض الناس: قد أصيب محمد فأعطوهم بأيديكم، فإنما هم إخوانكم، وقال بعضهم، إن كان محمد أصيب ألا ما تمضون على ما مضى عليه نبيكم حتى تلحقوا به فأنزل الله تعالى في ذلك - وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل - إلى - وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله
وما ضعفوا - لقتل نبيهم - إلى قوله - فأتاهم الله ثواب الدنيا -.
* قوله: (سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب) الآية.
قال السدى: لما ارتحل أبو سفيان والمشركون يوم أحد متوجهين إلى مكة، انطلقوا حتى بلغوا بعض الطريق ثم إنهم ندموا وقالوا: بئس ما صنعنا قتلناهم حتى إذا لم يبق منهم إلا الشرذمة تركناهم ارجعوا فاستأصلوهم، فلما عزموا على ذلك ألقى الله تعالى في قلوبهم الرعب حتى رجعوا عما هموا به وأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى: (ولقد صدقكم الله وعده) الآية.
قال محمد بن كعب القرظى: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقد أصيبوا بما أصيبوا يوم أحد، قال ناسن من أصحابه من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر ؟ فأنزل الله تعالى - ولقد صدقكم الله وعده - الآية إلى قوله - منكم من يريد الدنيا - يعني الرماة الذين فعلوا ما فعلوا يوم أحد.

* قوله تعالى: (وما كان لنبي أن يغل) الآية.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المطوعى قال: أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيرى قال: أخبرنا أبو يعلى قال: حدثنا أبو عبد الله بن أبان قال: حدثنا ابن المبارك قال: حدثنا شريك عن حصيف عن عكرمة عن ابن عباس قال: فقدت قطيفة حمراء يوم بدر مما أصيب من المشركين، فقال أناس: لعل النبي صلى الله عليه وسلم أخذها، فأنزل الله تعالى - وما كان لنبي أن يغل - قال حصيف: فقلت لسعيد بن جبير: ماكان لنبي أن يغل، فقال: بل يغل ويقتل.
أخبرنا أبو الحسن أحمد بن إبراهيم النجار قال: حدثنا أبو القاسم سليمان بن أيوب الطبراني قال: حدثنا محمد بن أحمد بن يزيد النرسي قال: حدثنا أبو عمرو بن العلاء عن مجاهد، عن ابن عباس أنه كان ينكر على من يقرأ - وما كان لنبي أن يغل -
ويقول: كيف لا يكون له أن يغل وقد كان يقتل ؟ قال الله تعالى - ويقتلون الانبياء - ولكن المنافقين اتهموا النبي صلى الله عليه وسلم في شئ من الغنيمة، فأنزل الله عز وجل - وما كان لنبي أن يغل - أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد الاصفهاني قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الاصفهاني قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا وكيع عن سلمة عن الضحاك.
قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم طلائع، فغنم، النبي صلى الله عليه وسلم غنيمة وقسمها بين الناس ولم يقسم للطلائع شيئا، فلما قدمت الطلائع قال: قسم الفئ ولم يقسم لنا فنزلت - وما كان لنبي أن يغل - قال سلمة قرأها الضحاك يغل.
وقال ابن عباس في رواية الضحاك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وقع في يده عنائم هوازن يوم حنين غله رجل بمخيط، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال قتادة: نزلت وقد غل طوائف من أصحابه وقال الكلبي ومقاتل: نزلت حين ترك الرماة المركز يوم أحد طلبا للغنيمة، وقالوا نخشى أن يقول رسول الله صلى الله

عليه وسلم: من أخذ شيئا فهو له، وأن لا يقسم الغنائم كما لم يقسم يوم بدر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم.
ظننتم أنا نغل ولا نقسم لكم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وروى عن ابن عباس أن أشراف الناس استدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخصصهم بشئ من الغنائم، فنزلت هذه الآية.
* قوله: (أو لما أصابتكم مصيبة) الآية.
قال ابن عباس: حدثنى عمر ابن الخطاب قال: لما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء، فقتل منهم سبعون وفر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه، وسال الدم على وجهه، فأنزل الله تعالى - أو لما أصابتكم مصيبة - إلى قوله - قل هو من عند أنفسكم - قال بأخذكم الفداء.
* قوله: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا) أخبرنا محمد بن محمد ابن يحيى قال: أخبرنا أبو سعيد إسماعيل بن أحمد الجلالي قال: أخبرنا عبد الله بن زيدان البجلي قال: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا عبد الله بن إدريس، عن محمد بن إسحاق، عن إسماعيل بن أبي أمية، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوى إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا: من يبلغ إخواننا أنا في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا في الحرب، فقال الله عز وجل: أنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله تعالى - ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون -.
رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه من طريق عثمان بن أبي شيبة.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الغازي قال: أخبرنا محمد بن حمدان قال: أخبرنا حامد

ابن محمد بن شعيب البلخي قال: حدثنا بن أبي شيبة قال: حدثنا ابن إدريس فذكره، رواه الحاكم عن علي بن عيسى الحيرى، عن مسدد، عن عثمان بن أبي شيبة.
أخبرنا أبو بكر الحارثي، حدثنا أبو الشيخ الحافظ قال: أخبرنا أحمد بن الحسين الحذاء، قال علي بن المديني قال: حدثنا موسى بن إبراهيم بن بشير الفاكه الانصاري، أنه سمع طلحة بن حراش قال: سمعت جابر بن عبد الله قال: نظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما لي أراك مهما ؟ قلت يا رسول الله قتل أبي وترك دينا وعيالا، فقال: ألا أخبرك ؟ ما كلم الله أحدا قط إلا من وراء حجاب، وإنه كلم أباك كفاحا، فقال: يا عبدي سلني أعطك، قال: أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية، فقال: إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون، قال: يا رب فأبلغ من ورائي، فأنزل الله تعالى
- ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء - الآية.
أخبرني أبو عمرو القنطري فيما كتب إلي قال: أخبرنا محمد بن الحسين قال: أخبرنا محمد بن يحيى قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن سالم الافطس، عن سعيد بن جبير - ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء - قال: لما أصيب حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير يوم أحد، ورأوا ما رزقوا من الخير، قالوا: ليت إخواننا يعلمون ما أصابنا من الخير كي يزدادوا في الجهاد رغبة، فقال الله تعالى: أنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله تعالى - ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء - إلى قوله - لا يضيع أجر المؤمنين -.
وقال أبو الضحى نزلت هذه الآية في أهل أحد خاصة.
وقال جماعة من أهل التفسير: نزلت الآية في شهداء بئر معونة، وقصتهم مشهورة ذكرها محمد بن إسحاق ابن يسار في المغازي.
وقال آخرون: إن أولياء الشهداء كانوا إذا أصابتهم نعمة أو سرور تحسروا وقالوا: نحن في النعمة والسرور وآباؤنا وأبناؤنا وإخواننا في القبور، فأنزل الله تعالى هذه الآية تنفسيا عنهم وإخبارا عن حال قتلاهم.

* قوله: (الذين استجابوا لله والرسول) الآية.
أخبرنا أحمد بن إبراهيم المقرى قال: أخبرنا شعيب بن محمد قال: أخبرنا مكى بن عبدان قال: حدثنا أبو الازهر قال: حدثنا روح قال: حدثنا أبو يونس القشيرى، عن عمرو بن دينار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استنفر الناس بعد أحد حين انصرف المشركون، فاستجاب له سبعون رجلا، فطلبهم فلقى أبو سفيان عيرا من خزاعة، فقال لهم: إن لقيتم محمدا يطلبني فأخبروه أني في جمع كثير، فلقيهم النبي صلى الله عليه وسلم، فسألهم عن أبي سفيان فقالوا: لقيناه في جمع كثير ونراك في قلة ولا نأمنه عليك، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يطلبه، فسبقه أبو سفيان، فدخل مكة، فأنزل الله تعالى فيهم - الذين استجابوا
لله والرسول - حتى بلغ - فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين -.
أخبرنا عمرو بن عمرو قال: أخبرنا محمد بن مكى قال: أخبرنا محمد بن يوسف قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل قال: أخبرنا محمد قال: أخبرنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى الله عنها في قوله تعالى - الذين استجابوا لله والرسول - إلى آخرها قال: قالت لعروة: يا ابن أختي كان أبواك منهم الزبير وأبو بكر لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ما أصاب وانصرف عنه المشركون، خاف أن أن يرجعوا، فقال: من يذهب في أثرهم، فانتدب منهم سبعون رجلا كان فيهم أبو بكر والزبير.
* قوله: (الذين قال لهم الناس) الآية.
أخبرنا أبو إسحاق الثعالبي قال: أخبرنا أبو صالح شعيب بن محمد قال: أخبرنا أبو حاتم التميمي قال: أخبرنا أحمد بن الازهر قال: حدثنا روح بن عبادة قال: حدثنا سعيد عن قتادة قال: ذاك يوم أحد بعد القتل والجراحة وبعد ما انصرف المشركون أبو سفيان وأصحابه قال نبي الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه: ألا عصابة تشدد لامر الله فتطلب عدوها فإنه أنكى للعدو وأبعد للسمع، فانطلق عصابة على ما يعلم الله من الجهد حتى إذا كانوا بذي الحليفة جعل الاعراب والناس يأتون عليهم، فيقولون هذا أبو سفيان مائل عليكم بالناس، فقالوا: حسبنا الله

ونعم الوكيل، فأنزل الله تعالى فيهم - الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم - إلى قوله تعالى - والله ذو فضل عظيم -.
* قوله: (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه) قال السدى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عرضت علي أمتي في صورها كما عرضت على آدم، وأعلمت من يؤمن لي ومن يكفر، فبلغ ذلك المنافقين فاستهزءوا وقالوا: يزعم محمد أنه يعلم من يؤمن به ومن يكفر، ونحن معه ولا يعرفنا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال الكلبي: قالت قريش: تزعم يا محمد أن من خالفك فهو في النار والله عليه غضبان، وأن من اتبعك على دينك فهو من أهل الجنة والله عنه راض، فأخبرنا بمن يؤمن بك ومن لا يؤمن بك ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال أبو العالية: سأل المؤمنون أن يعطوا علامة يفرق بها بين المؤمن والمنافق، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله (ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله) الآية.
قال جمهور المفسرين على أنها نزلت في مانعي الزكاة.
وروى عطية عن ابن عباس أن الآية نزلت في أحبار اليهود الذين كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته، وأراد بالبخل: كتمان العلم الذي آتاهم الله تعالى.
* قوله: (لقد سمع الله قول الذين قالوا) الآية.
قال عكرمة والسدى ومقاتل ومحمد بن إسحاق: دخل أبو بكر الصديق رضى الله عنه ذات يوم بيت مدارس اليهود، فوجد ناسا من اليهود قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص بن عازوراء وكان من علمائهم، فقال أبو بكر لفنحاص: اتق الله وأسلم، فوالله إنك لتعلم أن محمدا رسول الله قد جاءكم بالحق من عند الله تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة، فآمن وصدق وأقرض الله قرضا حسنا يدخلك الجنة ويضاعف لك الثواب، فقال فنحاص: يا أبا بكر تزعم أن ربنا يستقرضنا أموالنا، وما يستقرض إلا الفقير من الغني فإن كان ما تقول حقا، فان الله إذا لفقير ونحن أغنياء، ولو كان غنيا ما استقرضنا أموالنا،

فغضب أبو بكر رضى الله عنه وضرب وجه فنحاص ضربة شديدة وقال: والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك يا عدو الله، فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد انظر إلى ما صنع بي صاحبك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابي بكر: ما الذي حملك على ما صنعت ؟ فقال: يا رسول
إن عدو الله قال قولا عظيما، زعم أن الله فقير وأنهم أغنياء، فغضبت لله وضربت وجهه، فجحد ذلك فنحاص، فأنزل الله عز وجل ردا على فنحاص وتصديقا لابي بكر - لقد سمع الله قول الذين قالوا - الآية.
أخبرنا عبد القاهر بن طاهر قال: أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال: أخبرنا جعفر ابن الليث الروذباري قال: حدثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: نزلت في اليهود صك أبو بكر رضى الله عنه وجه رجل منهم، وهو الذي قال: إن الله فقير ونحن أغنياء، قال شبل بلغني أنه فنحاص اليهودي وهو الذي قال - يد الله مغلولة -.
* قوله تعالى: (الذين قالوا إن الله عهد إلينا) الآية.
قال الكلبي: نزلت في كعب بن الاشرف ومالك بن الضيف ووهب بن يهوذا وزيد بن تابوه وفي فنحاص ابن عازوراء وحيى بن أخطب، أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: تزعم أن الله بعثك إلينا رسولا، وأنزل عليك كتابا، وأن الله قد عهد إلينا في التوراة أن لا نؤمن لرسول يزعم أنه من عند الله حتى يأتينا بقربان تأكله النار، فإن جئتنا به صدقناك، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى: (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا) الآية.
أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد الفارسى قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون قال: أخبرنا أبو حامد أحمد بن الحسن قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا أبو اليمان قال: حدثنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه وكان من أحد الثلاثة الذين تيب

عليهم، أن كعب بن الاشرف اليهودي كان شاعرا وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ويحرض عليه كفار قريش في شعره، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وأهلها
أخلاط، منهم المسلمون ومنهم المشركون ومنهم اليهود، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يستصلحهم، فكان المشركون واليهود يؤذونه ويؤذون أصحابه أشد الاذى، فأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر على ذلك، وفيهم أنزل الله - ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب - الآية.
أخبرنا عمرو بن عمرو المزكى قال: أخبرنا محمد بن مكى قال: أخبرنا محمد بن يوسف قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل قال: أخبرنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير، أن أسامة بن زيد أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب على حمار على قطيفة فدكيه، وأردف أسامة بن زيد وسار يعود سعد بن عبادة في بني الحرث بن الخزرج قبل وقعة بدر، حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبي، وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الاوثان واليهود، وفي المجلس عبد الله بن رواحة فلما غشى المجلس عجاجة الدابة خمر عبد الله ابن أبي أنفه بردائه، ثم قال: لا تغبروا علينا، فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وقف، فنزل ودعاهم إلى الله، وقرأ عليهم القرآن، فقال عبد الله بن أبي: أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقا فلم تؤذينا به في مجلسنا ؟ ارجع إلى رحلك، فمن جاءك فاقصص عليه، فقال عبد الله بن رواحة: بلى يا رسول الله، فاغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك، واستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتساورون، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكنوا، ثم ركب النبي صلى الله عليه وسلم دابته وسار حتى دخل على سعد بن عبادة، فقال له: يا سعد ألم تسمع ما قال أبو حباب ؟ يريد عبد الله بن أبي قال: كذا وكذا فقال سعد بن عبادة: يا رسول الله اعف عنه واصفح فوالذي أنزل عليك الكتاب، لقد جاء الله بالحق الذي نزل عليك، وقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه ويعصبوه بالعصابة، فلما رد الله ذلك بالحق الذي أعطاك

شرق بذلك، فذلك فعل به ما رأيت، فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى - ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم، ومن الذين أشركوا أذى كثيرا - الآية.
* قوله: (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا) الآية.
أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا أبو الهيثم المروزي قال: أخبرنا محمد ابن يوسف قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل البخاري قال: أخبرنا سعيد بن أبي مريم قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري أن رجالا من المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه، فإذا قدم اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فنزلت - لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا - الآية.
ورواه مسلم عن الحسن بن علي الحلواني على ابن أبي مريم.
أخبرنا أبو عبد الرحمن الشاذياخي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولى قال: أخبرنا محمد بن جهل 7 قال: أخبرنا جعفر ابن عوف قال: حدثنا هشام بن سعد قال: حدثنا يزيد بن أسلم أن مروان بن الحكم كان يوما وهو أمير على المدينة عنده أبو سعيد الخدري وزيد بن ثابت ورافع بن خديج، فقال مروان: يا أبا سعيد، أرأيت قوله تعالى - ولا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا - والله إنا لنفرح بما أتينا، ونحب أن نحمد بما لم نفعل، فقال أبو سعيد: ليس هذا في هذا إنما كان رجال في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلفون عنه وعن أصحابه في المغازي، فإذا كانت فيهم النكبة وما يكره فرحوا بتخلفهم، فإذا كان فيهم ما يحبون حلفوا لهم وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا.
أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد قال: أخبرنا أبو سعيد بن حمدون قال: أخبرنا أبو حامد بن الشرقي قال: حدثنا أبو الأزهر قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا

ابن جريج قال: أخبرني ابن أبي مليكة أن علقمة بن وقاص أخبره أن مروان قال لرافع بوابه: اذهب إلى ابن عباس وقل له: لئن كان امرؤ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل عذب، لتعذبن أجمعين، فقال ابن عباس: ما لكم ولهذا، إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم يهود فسألهم عن شئ فكتموه إياه وأخبروه بغيره، فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم، وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم إياه، ثم قرأ ابن عباس - وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس - رواه البخاري عن إبراهيم بن موسى، عن هشام ورواه مسلم عن زهير بن حرب، عن حجاج، كلاهما عن ابن جريج.
وقال الضحاك: كتب يهود المدينة إلى يهود العراق واليمن ومن بلغهم كتابهم من اليهود في الارض كلها إن محمدا ليس نبي الله فاثبتوا على دينكم وأجمعوا كلمتكم على ذلك، فأجمعت كلمتهم على الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن، ففرحوا بذلك وقالوا: الحمد لله الذي جمع كلمتنا ولم نتفرق ولم نترك ديننا، وقالوا: نحن أهل الصوم والصلاة ونحن أولياء الله، فلذلك قول الله تعالى - يفرحون بما أتوا - بما فعلوا - ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا - يعني بما ذكروا من الصوم والصلاة والعبادة.
* قوله: (إن في خلق السموات والارض) الآية.
أخبرنا أبو إسحاق المقرى قال: أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يحيى العبيدي قال: حدثنا أحمد بن نجدة قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحمانى قال: حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أتت قريش اليهود فقالوا: ما جاءكم به موسى من الآيات ؟ قالوا: عصاه، ويده بيضاء للناظرين، وأتوا النصارى فقالوا: كيف كان عيسى فيكم ؟ فقالوا: يبرئ الاكمه والابرص، ويحيى الموتى، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: دع لنا ربك يجعل الصفا ذهبا
فأنزل الله - أن في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار لآيات لاولي الالباب -.

* قوله تعالى: (فاستجاب لهم ربهم) الآية.
أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم النصراباذي قال: أخبرنا أبو عمرو إسماعيل بن نجيد قال: حدثنا جعفر بن محمد بن سوار قال: أخبرنا قتيبة بن سعيد، عن سفيان، عن عمرو بن دينار، عن سلمة بن عمرو ابن أبي سلمة، رجل من ولد أم سلمة قال: قالت أم سلمة: يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشئ، فأنزل الله تعالى - فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى - الآية.
رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه، عن ابن عون محمد بن أحمد بن ماهان، عن محمد بن علي بن زيد، عن يعقوب بن حميد عن سفيان.
* قوله تعالى: (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد) نزلت في مشركي مكة، وذلك أنهم كانوا في رخاء ولين من العيش، وكانوا يتجرون ويتنعمون، فقال بعض المؤمنين: إن أعداء الله فيما نرى من الخير، وقد هلكنا من الجوع والجهد، فنزلت هذه الآية.
* قوله: (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله) الآية.
قال جابر ابن عبد الله وأنس وابن عباس وقتادة: نزلت في النجاشي، وذلك لما مات نعاه جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي مات فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه: اخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم، فقالوا: ومن هو ؟ فقال: النجاشي، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البقيع وكشف له من المدينة إلى أرض الحبشة، فأبصر سرير النجاشي وصلى عليه وكبر أربع تكبيرات واستغفر له وقال لاصحابه: استغفروا له، فقال المنافقون: انظروا إلى هذا يصلي على
علج حبشي نصراني لم يره قط وليس على دينه، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الله بن يوسف قال: حدثنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر إملاء قال: أخبرني جعفر بن محمد بن سنان الواسطي قال:

أخبرنا أبو هاني محمد بن بكار الباهلي قال: حدثنا المعتمر بن سليمان، عن حميد عن أنس قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه: قوموا فصلوا على أخيكم النجاشي، فقال بعضهم لبعض: يأمرنا أن نصلي على علج من الحبشة ؟ فأنزل الله تعالى - وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم - الآية.
وقال مجاهد وابن جريج وابن زيد: نزلت في مؤمني أهل الكتاب كلهم.
* قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا) الآية.
أخبرنا سعيد ابن أبي عمرو الحافظ قال: أخبرنا أبو علي الفقيه قال: حدثنا محمد بن معاذ الباليني قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن حرب المروزي قال: حدثنا ابن المبارك قال: أخبرنا مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير قال: حدثنى داود بن صالح قال: قال أبو سلمة ابن عبد الرحمن: يا ابن أخي هل تدرى في أي شئ نزلت هذه الآية - يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا - ؟ قال: قلت لا قال: إنه يا ابن أخي لم يكن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ثغر يرابط فيه، ولكن انتظار الصلاة خلف الصلاة، رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه، عن أبي محمد المزني، عن أحمد بن نجدة، عن سعيد بن منصور، عن ابن المبارك اه.
سورة النساء (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله عز وجل: (وآتوا اليتامى أموالهم) الآية.
قالا مقاتل والكلبي: نزلت في رجل من غطفان كان عنده مال كثير لابن أخ له يتيم، فلما بلغ اليتيم طلب المال، فمنعه عمه، فترافعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فنزلت هذه الآية، فلما سمعها العم قال: أطعنا الله وأطعنا الرسول، نعوذ بالله من الحوب الكبير، فدفع إليه ماله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من يوق شح نفسه ورجع به هكذا فإنه يحل داره، يعني جنته، فلما قبض الفتى ماله أنفقه في سبيل الله تعالى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ثبت الاجر وبقى الوزر فقالوا: يا رسول الله قد

عرفنا أنه ثبت الاجر، فكيف بقى الوزر وهو ينفق في سبيل الله ؟ فقال: ثبت الاجر للغلام وبقى الوزر على والده.
* قوله: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى) الآية.
أخبرنا أبو بكر التميمي، أخبرنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا أبو يحيى قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا يحيى بن أبي زائدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة في قوله تعالى - وإن خفتم ألا تقسطوا - الآية.
قالت: أنزلت هذه في الرجل يكون له اليتيمة وهو وليها ولها مال وليس لها أحد يخاصم دونها، فلا ينكحها حبا لمالها، ويضربها ويسئ صحبتها، فقال الله تعالى - وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء - يقول: ما أحللت لك ودع هذه.
رواه مسلم عن أبي كريب عن أبي أسامة، عن هشام.
وقال سعيد بن جبير وقتادة والربيع والضحاك والسدى: كانوا يتحرجون عن أموال اليتامى ويترخصون في النساء، ويتزوجون ما شاءوا، فربما عدلوا وربما لم يعدلوا، فلما سألوا عن اليتامى، فنزلت آية اليتامى - وآتوا اليتامى أموالهم - الآية، أنزل الله تعالى أيضا - وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى - الآية.
يقول: كما خفتم ألا تقسطوا في اليتامى، كذلك فخافوا في النساء أن لاتعدلوا فيهن، فلا تتزوجوا أكثر ما يمكنكم القيام بحقهن، لان النساء كاليتامى في الضعف والعجز، وهذا قول ابن عباس في رواية الوالبى
قوله تعالى: (وابتلوا اليتامى) الآية.
نزلت في ثابت بن رفاعة وفي عمه، وذلك أن رفاعة توفى وترك ابنه ثابتا وهو صغير، فأتى عم ثابت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن ابن أخي يتيم في حجري، فما يحل لي من ماله، ومتى أدفع إليه ماله ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون) الآية.
قال المفسرون: إن أوس بن ثابت الانصاري توفى وترك امرأة يقال لها أم كحة وثلاث

بنات له منها، فقام رجلان هما ابنا عم الميت ووصياه، يقال لهما سويد وعرفجة، فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته شيئا ولا بناته، وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكرا، إنما يورثون الرجال الكبار، وكانوا يقولون: لا يعطى إلا من قاتل على ظهور الخيل وحاز الغنيمة، فجاءت أم كحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أوس بن ثابت مات وترك علي بنات وأنا امرأة وليس عندي ما أنفق عليهن، وقد ترك أبوهن مالا حسنا وهو عند سويد وعرفجة لم يعطياني ولا بناته من المال شيئا وهن في حجري، ولا يطعماني ولا يسقياني ولا يرفعان لهن رأسا فدعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالا: يا رسول الله ولدها لا يركب فرسا ولا يحمل كلا ولا ينكى عدوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انصرفوا حتى أنظر ما يحدث الله لي فيهن، فانصرفوا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما) الآية.
قال مقاتل ابن حيان: نزلت في رجل من غطفان يقال له مرثد بن زيد ولي مال ابن أخيه وهو يتيم صغير، فأكله، فأنزل الله فيه هذه الآية.
* قوله: (يوصيكم الله في أولادكم) الآية.
أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد ابن جعفر قال: أخبرنا الحسن بن أحمد المخالدي قال: أخبرنا المؤمل بن الحسين بن عيسى
قال: حدثنا الحسين بن محمد بن الصباح قال: حدثنا الحجاج، عن ابن جريج قال: أخبرني ابن المنكدر، عن جابر قال: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في بني سلمة يمشيان، فوجداني لا أعقل، فدعا بماء فتوضأ، ثم رش علي منه فأفقت فقلت: كيف أصنع في مالي يا رسول الله ؟ فنزلت - يوصيكم الله في أولادكم - الآية.
رواه البخاري عن إبراهيم بن موسى، عن هشام، ورواه مسلم عن محمد بن حاتم، عن صباح، كلاهما عن ابن جريج.
أخبرنا أبو منصور محمد بن المنصوري قال: أخبرنا علي بن عمر بن المهدي قال: حدثنا يحيى بن صاعد قال: حدثنا أحمد بن المقدام قال: حدثنا بشر بن الفضل قال:

حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله قال: جاءت امرأة بابنتين لها، فقالت: يا رسول الله هاتان بنتا ثابت بن قيس، أو قالت سعد بن الربيع، قتل معك يوم أحد، وقد استفاء عمهما مالهما وميراثهما، فلم يدع لهما مالا إلا أخذه، فما ترى يا رسول الله، فوالله ما ينكحان أبدا إلا ولهما مال، فقال: يقضي الله في ذلك، فنزلت سورة النساء وفيها - يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين - إلى آخر الآية، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادع لي المرأة وصاحبها، فقال لعمهما: أعطهما الثلثين، وأعط أمهما الثمن، وما بقى فلك.
* قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها) الآية.
أخبرنا أبو بكر الاصفهاني.
قال: حدثنا عبد الله بن محمد الاصفهاني قال: حدثنا أبو يحيى قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا أسباط بن محمد، عن الشيباني، عن عكرمة، عن ابن عباس قال أبو إسحاق الشيباني، وذكره عطاء بن الحسين السوائي، ولا أظنه إلا ذكره عن ابن عباس هذه الآية - يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها - قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء
بعضهم تزوجها، وإن شاءوا زوجوها، وإن شاءوا لم يزوجوها، وهم أحق بها من أهلها، فنزلت هذه الآية في ذلك.
رواه البخاري في التفسير، عن محمد بن مقاتل، ورواه في كتاب الاكراه عن حسين بن منصور كلاهما عن أسباط.
قال المفسرون: كان أهل المدينة في الجاهلية وفي أول الاسلام، إذا مات الرجل وله امرأة جاء ابنه من غيرها أو قرابته من عصبته فألقى ثوبه على تلك المرأة، فصار أحق بها من نفسها ومن غيره، فإن شاء أن يتزوجها تزوجها بغير صداق، إلا الصداق الذي أصدقها الميت، وإن شاء زوجها غيره وأخذ صداقها ولم يعطها شيئا وإن شاء عضلها وضارها لتفتدى منه بما ورثت من الميت، أو تموت هي فيرثها، فتوفى أبو قيس ابن الاسلت الانصاري وترك امرأته كبيشة بنت معن الانصارية، فقام ابن له من (7 - أسباب النزول)

غيرها يقال له حصن، وقال مقاتل: اسمه قيس بن أبي قيس، فطرح ثوبه عليها، فورث نكاحها ثم تركها، فلم يقربها ولم ينفق عليها يضارها لتفتدى منه بمالها، فأتت كبيشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أبا قيس توفى وورث ابنه نكاحي وقد أضرني وطول علي، فلا هو ينفق علي، ولا يدخل بي، ولا هو يخلي سبيلي، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقعدي في بيتك حتى يأتي فيك أمر الله قال: فانصرفت وسمعت بذلك النساء في المدينة، فأتين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلن: ما نحن إلا كهيأة كبيشة غير أنه لم ينكحنا الابناء ونكحنا بنو العم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) الآية.
نزلت في حصن ابن أبي قيس تزوج امرأة أبيه كبيشة بنت معن، وفي الاسود بن خلف تزوج امرأة أبيه، وصفوان بن أمية بن خلف تزوج امرأة أبيه فاختة بنت الاسود بن المطلب،
وفي منصور بن ماذن تزوج امرأة أبيه مليكة بنت خارجة.
وقال أشعث بن سوار: توفى أبو قيس وكان من صالحي الانصار، فخطب ابنه قيس امرأة أبيه، فقالت: إني أعدك ولدا، ولكني آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أستأمره، فأتته فأخبرته، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى: (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) أخبرنا محمد بن عبد الرحمن البناني قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن حمدان قال: أخبرنا أبو يعلى قال: أخبرنا عمر الناقد قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري قال: حدثنا سفيان، عن عثمان البتى، عن أبي الخليل، عن أبي سعيد الخدري قال: أصبنا سبايا يوم أوطاس لهن أزواج، فكرهنا أن نقع عليهن، فسألنا النبي عليه الصلاة والسلام فنزلت - والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم - فاستحللناهن.
أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد بن الحارث قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال: حدثنا أبو يحيى قال: حدثنا سهل بن عثمان، وقال عبد الرحيم، عن أشعث

ابن سوار، عن عثمان البتى، عن أبي الخليل، عن أبي سعيد قال: لما سبا رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل أوطاس قلنا يا نبي الله كيف نقع على نساء قد عرفنا أنسابهن وأزواجهن ؟ فنزلت هذه الآية - والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم -.
أخبرنا أبو مكى الفارسي، أخبرنا محمد بن عيسى بن عمرويه، حدثنا إبراهيم بن محمد ابن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثني عبيدالله بن عمر القواريري، حدثنا يزيد ابن زريع، عن سعيد بن عروة، عن قتادة، عن صالح أبي الخليل، عن أبي علقمة الهاشمي، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين بعث جيشا إلى أوطاس ولقى عدوا فقاتلوهم، فظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا، وكان ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من
المشركين، فأنزل الله في ذلك - والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم -.
* قوله: (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض) أخبرنا إسماعيل ابن أبي القاسم الصوفي، أخبرنا إسماعيل بن نجيد، حدثنا جعفر بن محمد بن سوار، أخبرنا قتيبة، حدثنا سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: قالت أم سلمة: يارسول الله تغزو الرجال ولا نغزو، وإنما لنا نصف الميراث فأنزل الله تعالى - ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض -.
أخبرنا محمد بن عبد العزيز، أن محمد بن الحسين أخبرهم عن محمد بن يحيى بن يزيد، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا عتاب بن بشير، عن حصيف، عن عكرمة أن النساء سألن الجهاد، فقلن: وددنا أن الله جعل لنا الغزو فنصيب من الاجر ما يصيب الرجال، فأنزل الله تعالى - ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض -.
وقال قتادة والسدى: لما نزل قوله - للذكر مثل حظ الانثيين - قال الرجال: إنا لنرجو أن نفضل على النساء بحسناتنا في الآخرة كما فضلنا عليهن في الميراث فيكون أجرنا على الضعف من أجر النساء، وقالت النساء: إنا لنرجو أن يكون الوزر علينا

نصف ما على الرجال في الآخرة كما لنا الميراث على النصف من نصيبهم في الدنيا، فأنزل الله تعالى - ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض -.
* قوله تعالى: (ولكل جعلنا موالي) الآية.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الفارسي قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن حمويه الهروي قال: أخبرنا محمد بن محمد الموافى قال: حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع قال: أخبرني شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال: قال سعيد بن المسيب: نزلت هذه الآية - ولكل جعلنا موالى مما ترك الوالدان والاقربون - في الذين كانوا يتبنون رجالا غير أبنائهم ويورثونهم، فأنزل الله تعالى فيهم - أن يجعل لهم نصيب في الوصية - ورد الله تعالى الميراث إلى الموالي من ذوي الرحم
والعصبة، وأبى أن يجعل للمدعين ميراث من ادعاهم ويتبناهم، ولكن جعل نصيبا في الوصية.
* قوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء) الآية قال مقاتل: نزلت هذه الآية.
في سعد بن الربيع وكان من النقباء، وامرأته حبيبة بنت زيد بن أبي هريرة، وهما من الانصار، وذلك أنها نشزت عليه فلطمها، فانطلق أبو ها معها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفرشته كريمتي فلطمها، فقال: النبي صلى الله عليه وسلم لتقتص من زوجها، وانصرفت مع أبيها لتقتص منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ارجعوا هذا جبريل عليه السلام أتاني، وأنزل الله تعالى هذه الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أردنا أمرا وأراد الله أمرا، والذي أراد الله خير، ورفع القصاص.
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد الزاهد قال: أخبرنا زاهد بن أحمد قال: أخبرنا أحمد بن الحسين بن الجنيد قال: حدثنا زياد بن أيوب قال: حدثنا هشيم قال: حدثنا يونس، عن الجهنى أن رجلا لطم امرأته، فخاصمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء معها أهلها فقالوا: يارسول الله إن فلانا لطم صاحبتنا، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: القصاص القصاص، ولا يقضي قضاء، فنزلت هذه الآية - الرجال قوامون على النساء - قال النبي صلى الله عليه وسلم: أردنا أمرا وأراد الله غيره

أخبرنا أبو بكر الحارثي قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل العسكري قال: حدثنا علي بن هشام، عن إسماعيل، عن الحسن قال: لما نزلت آية القصاص بين المسلمين لطم رجل امرأته، فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن زوجي لطمني فالقصاص، قال: القصاص، فبينا هو كذلك أنزل الله تعالى - الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أردنا أمرا فأبى الله تعالى، خذ أيها الرجل
بيد امرأتك.
* قوله تعالى: (الذين يبخلون ويأمرون الناس يا لبخل) قال أكثر المفسرين: نزلت في اليهود كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم ولم يبينوها للناس، وهم يجدونها مكتوبة عندهم في كتبهم، وقال الكلبي: هم اليهود بخلوا أن يصدقوا من أتاهم صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته في كتابهم: وقال مجاهد: الآيات الثلاث إلى قوله - عليما نزلت في اليهود.
وقال ابن عباس وابن زيد: نزلت في جماعة من اليهود كانوا يأتون رجالا من الانصار يخالطونهم وينصحونهم ويقولون لهم: لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر، فأنزل الله تعالى - الذين يبخلون ويأمرون الناس يا لبخل -.
* قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) الآية: نزلت في أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يشربون الخمر ويحضرون الصلاة وهم نشاوى، فلا يدرون كم يصلون ولا ما يقولون في صلاتهم.
أخبرنا أبو بكر الاصفهاني قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: حدثنا أبو يحيى قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا أبو عبد الرحمن الافريقى قال: حدثنا عطاء، عن أبي عبد الرحمن قال: صنع عبد الرحمن بن عوف طعاما ودعا أناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطعموا وشربوا، وحضرت صلاة المغرب فتقدم

بعض القوم فصلى بهم المغرب، فقرأ - قل يا أيها الكافرون - فلم يقمها، فأنزل الله تعالى - يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون -.
* قوله تعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) أخبرنا أبو عبد الله ابن أبي إسحاق قال: حدثنا أبو عمرو بن مطر قال: حدثنا إبراهيم بن علي الذهلى قال:
حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك بن أنس، عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه، وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر، فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة ؟ أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس معه وليس معهم ماء، فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: أجلست رسول الله والناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء، قالت: فعاتبني أبو بكر وقال: ما شاء الله أن يقول، فجعل يطعن بيده في خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء، فأنزل الله تعالى آية التيمم فتيمموا، فقال أسيد ابن حضير وهو أحد النقباء: ماهي بأول بركتكم يا آل أبي بكر، قالت عائشة: فبعثنا البعير الذي كنت عليه، فوجدنا العقد تحته.
رواه البخاري عن إسماعيل بن أبي أويس، ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى، كلاهما عن مالك.
أخبرنا أبو محمد الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل قال: أخبرنا أحمد ابن محمد بن الحسين الحافظ قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم ابن سعد قال: حدثنا أبي، عن أبي صالح، عن ابن شهاب قال: حدثني عبد الله بن عبد الله ابن عتبة، عن ابن عباس، عن عمار بن ياسر قال: عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات الجيش ومعه عائشة زوجته، فانقطع عقد لها من جذع أظفار، فحبس الناس ابتغاء عقدها ذلك حتى أضاء الفجر وليس معهم ماء، فأنزل الله تعالى على رسوله (رسول) الله صلى الله

عليه وسلم قصة التطهر بالصعيد الطيب، فقام المسلمون فضربوا بأيديهم الارض، ثم رفعوا أيديهم فلم يقبضوا من التراب شيئا، فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب
ومن بطون أيديهم إلى الآباط.
قال الزهري: وبلغنا أن أبا بكر قال لعائشة: والله إنك ما علمت لمباركة.
* قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم) الآية.
قال الكلبي: نزلت في رجال من اليهود أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأطفالهم وقالوا: يا محمد هل على أولادنا هؤلاء من ذنب ؟ قال لا، فقالوا: والذي نحلف به ما نحن إلا كهيئتهم، ما من ذنب نعمله بالنهار إلا كفر عنا بالليل، وما من ذنب نعمله بالليل إلا كفر عنا بالنهار، فهذا الذي زكوا به أنفسهم.
* قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت) أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال: أخبرنا والدي قال: حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي قال: حدثنا عبد الجبار بن العلاء قال: حدثنا سفيان، عن عمرو، عن عكرمة قال: جاء حيى بن أخطب وكعب بن الاشرف إلى أهل مكة فقالوا لهم: أنتم أهل الكتاب وأهل العلم القديم، فأخبرونا عنا وعن محمد، فقالوا: ما أنتم وما محمد ؟ قالوا: نحن ننحر الكوماء، ونسقي اللبن على الماء، ونفك العاني، ونصل الارحام، ونسقي الحجيج، وديننا القديم ودين محمد الحديث، قالا: بل أنتم خير منه وأهدى سبيلا، فأنزل الله تعالى - ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب - إلى قوله تعالى - ومن يلعن الله فلن تجد له سبيلا -.
وقال المفسرون: خرج كعب بن الاشرف في سبعين راكبا من اليهود إلى مكة بعد وقعة أحد ليحالفوا قريشا على غدر رسول الله صلى الله عليه وسلم وينقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل كعب على أبي سفيان، ونزلت اليهود في دور قريش، فقال أهل مكة: إنكم أهل كتاب، ومحمد صاحب كتاب، ولا نأمن أن يكون هذا مكرا منكم، فإن أردت أن نخرج معك فاسجد لهذين الصنمين

وآمن بهما فذلك قوله - يؤمنون بالجبت والطاغوت ثم قال كعب لاهل مكة: ليجئ
منكم ثلاثون ومنا ثلاثون فنلزق أكبادنا بالكعبة، فنعاهد رب البيت لنجهدن على قتال محمد، ففعلوا ذلك، فلما فرغوا قال أبو سفيان لكعب: إنك امرؤ تقرأ الكتاب وتعلم ونحن أميون لا نعلم، فأينا أهدى طريقا وأقرب إلى الحق ؟ أنحن أم محمد ؟ فقال كعب: اعرضوا علي دينكم، فقال أبو سفيان: نحن ننحر للحجيج الكوماء، ونسقيهم الماء، ونقري الضيف، ونفك العاني، ونصل الرحم، ونعمر بيت ربنا، ونطوف به، ونحن أهل الحرم، ومحمد فارق دين آبائه، وقطع الرحم، وفارق الحرم، وديننا القديم ودين محمد الحديث، فقال كعب: أنتم والله أهدى سبيلا مما هو عليه، فأنزل الله تعالى - ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب - يعني كعبا وأصحابه الآية.
* قوله تعالى: (أولئك الذين لعنهم الله) الآية.
أخبرنا أحمد بن إبراهيم المقرى قال: أخبرنا سفيان بن محمد قال: أخبرنا مكى بن عبد ان قال: حدثنا أبو الازهر قال: حدثنا روح قال: حدثنا سعيد عن قتادة قال: نزلت هذه الآية في كعب ابن الاشرف وحيى بن أخطب رجلين من اليهود من بني النضر لقيا قريشا بالموسم، فقال لهما المشركون ؟ أنحن أهدى أم محمد وأصحابه ؟ فإنا أهل السدانة والسقاية، وأهل الحرم، فقالا: بل أنتم أهدى من محمد فهما يعلمان أنهما كاذبان إنما حملهما على ذلك حسد محمد وأصحابه، فأنزل الله تعالى - أولئك الذين لعنهم الله، ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا - فلما رجعا إلى قومهما قال لهما قومهما: إن محمدا يزعم أنه قد نزل فيكما كذا وكذا، فقالا: صدق والله ما حملنا على ذلك إلا بغضه وحسده.
* قوله: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها) نزلت في عثمان ابن طلحة الحجبى من بني عبد الدار كان سادن الكعبة، فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح، أغلق عثمان باب البيت وصعد السطح، فطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم المفتاح، فقيل: إنه مع عثمان، فطلب منه فأبى وقال.
لو علمت أنه

رسول الله لم أمنعه المفتاح، فلوى علي بن أبي طالب يده وأخذ منه المفتاح وفتح الباب فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت وصلى فيه ركعتين، فلما خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح ليجمع له بين السقاية والسدانة، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا أن يرد المفتاح إلى عثمان ويعتذر إليه، ففعل ذلك علي، فقال له عثمان: يا علي أكرهت وآذيت ثم جئت ترفق ؟ ؟ فقال: لقد أنزل الله تعالى في شأنك، وقرأ عليه هذه الآية، فقال عثمان: أشهد أن محمدا رسول الله وأسلم، فجاء جبريل عليه السلام فقال: مادام هذا البيت فإن المفتاح والسدانة في أولاد عثمان، وهو اليوم في أيديهم.
أخبرنا أبو حسان المزكى قال: أخبرنا هارون بن محمد الاستراباذى قال: حدثنا أبو محمد الخزاعي قال: حدثنا أبو الوليد الازرق قال: حدثنا جدى، عن سفيان، عن سعيد بن سالم، عن ابن جريج عن مجاهد في قول الله تعالى - إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها - قال: نزلت في ابن طلحة، قبض النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة، فدخل الكعبة يوم الفتح، فخرج وهو يتلو هذه الآية، فدعا عثمان فدفع إليه المفتاح وقال: خذوها يا بني أبي طلحة بأمانة الله لا ينزعها منكم إلا ظالم.
أخبرنا أبو نصر المهرجاني قال: حدثنا عبيد الله بن محمد الزاهد قال: حدثنا أبو القاسم المقرى قال: حدثني أحمد بن زهير قال: أخبرنا مصعب قال: حدثنا شيبة ابن عثمان بن أبي طلحة قال: دفع النبي صلى الله عليه وسلم المفتاح إلي وإلى عثمان وقال: خذوها يا بني أبي طلحة خالدة تالدة لا يأخذها منكم إلا ظالم، فبنوا أبي طلحة الذين يلون سدانة الكعبة دون بني عبد الدار.
* قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم) أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد العدل قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي زكريا
الحافظ قال: أخبرنا أبو حامد بن الشرقي قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا الحجاج ابن محمد عن ابن جريج قال: أخبرني يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس

في قوله تعالى - أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم - قال: نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية.
رواه البخاري عن صدقة بن فضل، ورواه مسلم عن زهير بن حرب، كلاهما عن حجاج، وقال ابن عباس في رواية باذان، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في سرية إلى حي من أحياء العرب، وكان معه عمار بن ياسر، فسار خالد حتى إذا دنا من القوم عرس لكي يصبحهم، فأتاهم النذير، فهربوا عن رجل قد كان أسلم، فأمر أهله أن يتأهبوا للمسير، ثم انطلق حتى أتى عسكر خالد ودخل على عمار فقال: يا أبا اليقظان إني منكم، وإن قومي لما سمعوا بكم هربوا، وأقمت لاسلامي، أفنافعي ذلك، أو أهرب كما هرب قومي ؟ فقال: أقم فإن ذلك نافعك، وانصرف الرجل إلى أهله، وأمرهم بالمقام وأصبح خالد فغار على القوم، فلم يجد غير ذلك الرجل، فأخذه وأخذ ماله، فأتاه عمار فقال: خل سبيل الرجل فإنه مسلم، وقد كنت أمنته وأمرته بالمقام، فقال خالد: أنت تجير علي وأنا الامير ؟ فقال: نعم أنا أجير عليك وأنت الامير، فكان في ذلك بينهما كلام، فانصرفوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبروه خبر الرجل، فأمنه النبي صلى الله عليه وسلم، وأجاز أمان عمار ونهاه أن يجيز (يجير) بعد ذلك على أمير بغير إذنه، قال: واستب عمار وخالد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأغلظ عمار لخالد، فغضب خالد وقال: يارسول الله أتدع هذا العبد يشتمني، فوالله لولا أنت ما شتمني، وكان عمار مولى لهاشم بن المغيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا خالد كف عن عمار فإنه من يسب عمارا يسبه الله، ومن يبغض عمارا يبغضه الله، فقام عمار فتبعه خالد فأخذ بثوبه، وسأله أن يرضى عنه، فرضى عنه، فأنزل الله تعالى
هذه الآية، وأمر بطاعة أولي الامر.
* قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت) الآية.
أخبرنا سعيد ابن محمد العدل قال: أخبرنا أبو عمرو بن حمدان قال: أخبرنا الحسن بن سفيان قال:

حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: حدثنا أبو اليمان قال: حدثنا صفوان بن عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان أبو بردة الاسلمي كاهنا يقضى بين اليهود فيما يتنافرون إليه، فتنافر إليه أناس من أسلم فأنزل الله تعالى - ألم تر إلى الذين يزعمون - إلى قوله - رفيقا -.
أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم قال: حدثنا أبو صالح بن شعيب بن محمد قال: حدثنا أبو حامد التميمي قال: حدثنا أبو الازهر قال: حدثنا رويم قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أن هذه الآية أنزلت في رجل من الانصار يقول له قيس، وفي رجل من اليهود في مماراة كانت بينهما في حق تدارءا فيه، فتنافرا إلى كاهن بالمدينة ليحكم بينهما، وتركا نبي الله صلى الله عليه وسلم، فعاب الله تعالى ذلك عليهما، وكان اليهودي يدعوه إلى نبي الله، وقد علم أنه لن يجوز (يجور) عليه، وجعل الانصاري يأبى عليه وهو يزعم أنه مسلم ويدعوه إلى الكاهن، فأنزل الله تعالى ما تسمعون، وعاب على الذي يزعم أنه مسلم، وعلى اليهودي الذي هو من أهل الكتاب، فقال - ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك - إلى قوله - يصدوه عنك صدودا -.
أخبرني محمد بن عبد العزيز المروزى في كتابه قال: أخبرنا محمد بن الحسين قال: أخبرنا محمد بن يحيى قال: أخبرنا إسحاق الحنظلي قال: أخبرنا المؤملى قال: حدثنا يزيد ابن زريع، عن داود، عن الشعبي قال: كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة، فدعا اليهودي المنافق إلى النبي صلى الله عليه وسلم لانه علم أنه لا يقبل الرشوة، ودعا المنافق اليهودي إلى حاكمهم لانه علم أنهم يأخذون الرشوة في أحكامهم، فلما
اختلفا اجتمعا على أن يحكما كاهنا في جهينة، فأنزل الله تعالى في ذلك - ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك - يعني المنافق - وما أنزل من قبلك - يعني اليهودي، يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت - إلى قوله - ويسلموا تسليما -.
وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس نزلت في رجل من المنافقين كان بينه

بينه وبين يهودي خصومة، فقال اليهودي: انطلق بنا إلى محمد، وقال المنافق: بل نأتي كعب بن الاشرف وهو الذى سماه الله تعالى الطاغوت، فأبى اليهودي إلا أن يخاصمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى المنافق ذلك أتى معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاختصما إليه، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهودي، فلما خرجا من عنده لزمه المنافق وقال: ننطلق إلى عمر بن الخطاب، فأقبلا إلى عمر، فقال اليهودي: اختصمنا أنا وهذا إلى محمد فقضى لي عليه فلم يرض بقضائه، وزعم أنه مخاصم إليك وتعلق بي فجئت إليك معه، فقال عمر للمنافق، أكذلك ؟ قال: نعم، فقال لهما: رويدا حتى أخرج إليكما، فدخل عمر وأخذ السيف فاشتمل عليه، ثم خرج إليهما وضرب به المنافق حتى برد، وقال: هكذا أقضى لمن لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله، وهرب اليهودي، ونزلت هذه الآية، وقال جبريل عليه السلام: إن عمر فرق بين الحق والباطل، فسمى الفاروق.
وقال السدى: كان ناس من اليهود أسلموا ونافق بعضهم، وكانت قريظة والنضير في الجاهلية إذا قتل رجل من بني قريظة رجلا من بني النضير قتل به وأخذ ديته مائة وسق من تمر، وإذا قتل رجل من بني النضير رجلا من قريظة لم يقتل به وأعطى ديته ستين وسقا من تمر، وكانت النضير حلفاء الاوس وكانوا أكبر وأشرف من قريظة وهم حلفاء الخزرج، فقتل رجل من النضير رجلا من قريظة واختصموا في ذلك، فقالت بنو النضير: إنا وأنتم اصطلحنا في الجاهلية على أن يقتل منكم ولا تقتلوا منا، وعلى أن
ديتكم ستون وسقا والوسق ستون صاعا وديتنا مائة وسق، فنحن نعطيكم ذلك، فقالت الخزرج: هذا شئ كنتم فعلتموه في الجاهلية لانكم كثرتم وقللنا فقهرتمونا، ونحن وأنتم اليوم إخوة وديننا ودينكم واحد، وليس لكم علينا فضل، فقال المنافقون: انطلقوا إلى أبي بردة الكاهن الاسلمي، وقال المسلمون: لا بل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأبى المنافقون وانطلقوا إلى أبى بردة ليحكم بينهم، فقال: أعظموا اللقمة: يعني الرشوة، فقالوا: لك عشرة أوسق، قال: لا، بل مائة وسق ديتي، فإني أخاف إن

نفرت النضيرى قتلتني قريظة، وإن نفرت القريظى قتلتني النضير، فأبوا أن يعطوه فوق عشرة أوسق وأبى أن يحكم بينهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم كاهن أسلم إلى الاسلام، فأبى فانصرف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لابنيه: أدركا أباكما، فإنه إن جاوز عقبة كذا لم يسلم أبدا، فأدركاه فلم يزالا به حتى انصرف وأسلم، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم مناديا فنادى: ألا إن كاهن أسلم قد أسلم.
* قوله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) نزلت في الزبير بن العوام وخصمه حاطب بن أبي بلتعة، وقيل هو ثعلبة بن حاطب أخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن بن حمدان قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبى قال: حدثنا أبو اليمان قال: حدثنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير، عن أبيه، أنه كان يحدث أنه خاصم رجلا من الانصار قد شهد بدرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة كانا يسقيان بها كلاهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للزبير: اسق ثم أرسل إلى جارك، فغضب الانصاري وقال: يارسول الله إن كان ابن عمتك، فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال للزبير: اسق ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، فاستوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير حقه، وكان قبل ذلك أشار على الزبير برأى أراد فيه سعة
للانصاري وله، فلما أحفظ الانصاري رسول الله استوفى للزبير حقه في صريح الحكم، قال عروة: قال الزبير: والله ما أحسب هذه الآية أنزلت إلا في ذلك - فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما - رواه البخاري عن علي بن عبد الله، عن محمد بن جعفر، عن معمر.
ورواه مسلم، عن قتيبة، عن الليث، كلاهما عن الزهري

أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد الحافظ قال: حدثنا أبو أحمد محمد بن محمد بن الحسن الشيباني قال: حدثنا أحمد بن حماد زغبة قال: حدثنا حماد بن يحيى بن هانئ البلخى قال: حدثنا سفيان قال: حدثني عمرو ابن زياد عن أبى أم سلمة عن سلمة، أن الزبير بن العوام خاصم رجلا فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير، فقال الرجل: إنما قضى أنه ابن عمته، فأنزل الله تعالى - فلا وربك لا يؤمنون - الآية.
* قوله: (ومن يطع الله والرسول) الآية.
قال الكلبي: نزلت في ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان شديد الحب له قليل الصبر عنه، فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه ونحل جسمه يعرف في وجهه الحزن، فقال له: يا ثوبان ما غير لونك ؟ فقال: يارسول الله مابى من ضر ولا وجع غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة وأخاف أن لا أراك هناك، لاني أعرف أنك ترفع مع النبيين، وأنى وإن دخلت الجنة كنت في منزلة أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل الجنة فذاك أحرى أن لا أراك أبدا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا إسماعيل بن أبي نصر، أخبرنا إبراهيم النصراباذى قال: أخبرنا عبد الله
ابن عمر بن علي الجوهري قال: حدثنا عبد الله بن محمود السعدى قال: حدثنا موسى ابن يحيى قال: حدثنا عبيدة عن منصور بن صبح عن مسروق قال: قال أصحاب رسول الله: ما ينبغي لنا أن نفارقك في الدنيا فإنك إذا فارقتنا رفعت فوقنا، فأنزل الله تعالى - ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين -.
أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم قال: حدثنا شعيب قال: حدثنا مكى قال: أخبرنا أبو الازهر قال: حدثنا روح، عن سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أن رجلا

قال: يا نبي الله أراك في الدنيا فأما في الآخرة فإنك ترفع عنا بفضلك، فلا نراك، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرني أبو نعيم الحافظ فيما أذن لي في روايته قال: أخبرنا سليمان بن أحمد اللخمي قال: حدثنا أحمد بن عمرو الخلال قال: حدثنا عبد الله بن عمان العائذي قال: حدثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن إبراهيم، عن الاسود، عن عائشة قالت: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله إنك لاحب إلي من نفسي وأهلي وولدي، وإني لاكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك، فأنظر إليك وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية - ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين - الآية.
* قوله: (ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم) الآية قال الكلبي: نزلت هذه الآية في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عبد الرحمن ابن عوف والمقداد بن الاسود وقدامة بن مظعون وسعد بن أبي وقاص كانوا يلقون من
المشركين أذى كثيرا ويقولون: يارسول الله ائذن لنا في قتال هؤلاء، فيقول لهم: كفوا أيديكم عنهم فإني لم أومر بقتالهم، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وأمرهم الله تعالى بقتال المشركين كرهه بعضهم وشق عليهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد العدل قال: أخبرنا أبو عمرو بن حيان قال: أخبرنا الحسن بن سفيان قال: حدثنا محمد بن علي قال: سمعت أبي يقول: أخبرنا الحسين ابن واقد، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس أن عبد الرحمن وأصحابه أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فقالوا: يا نبي الله كنا في عز ونحن مشركون، فلما آمنا سرنا أذلة، فقال: إني أمرت بالعفو، فلا تقاتلوا والقوم، فلما حوله الله

إلى المدينة أمره بالقتال فكفوا، فأنزل الله تعالى - ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم -.
* قوله تعالى: (أينما تكونوا يدرككم الموت) قال ابن عباس في رواية أبي صالح: لما استشهد الله من المسلمين من استشهد يوم أحد قال المنافقون الذين تخلفوا عن الجهاد: لو كان إخواننا الذين قتلوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى (فما لكم في المنافقين فئتين) الآية.
أخبرنا محمد بن إبراهيم ابن محمد بن يحيى قال: حدثنا أبو عمرو إسماعيل بن نجيد قال،: حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي قال: حدثنا عمرو بن مرزوق قال: حدثنا شعبة، عن عدي بن ثابت، عن عبد الله بن يزيد بن ثابت، أن قوما خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد فرجعوا، فاختلف فيهم المسلمون، فقالت فرقة نقتلهم، وقالت فرقة لا نقتلهم، فنزلت هذه الآية.
رواه البخاري، عن بندار، عن غندر، ورواه مسلم عن عبد الله بن معاذ
عن أبيه، كلاهما عن شعبة.
أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن مالك قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبى قال: حدثنا أسود بن عامر قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبيه أن قوما من العرب أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا وأصابوا وباء المدينة، وحماها فأركسوها، فخرجوا من المدينة فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: مالكم رجعتم ؟ فقالوا: أصابنا وباء المدينة فاجتويناها، فقالوا: ما لكم في رسول الله أسوة ؟ فقال بعضهم: نافقوا، وقال بعضهم: لم ينافقوا هم مسلمون، فأنزل الله تعالى - فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا - الآية

وقال مجاهد في هذه الآية: هم قوم خرجوا من مكة حتى جاءوا المدينة يزعمون أنهم مهاجرون، ثم ارتدوا بعد ذلك، فاستأذنوا النبي عليه الصلاة والسلام إلى مكة ليأتوا ببضائع لهم يتجرون فيها، فاختلف فيهم المؤمنون، فقائل يقول: هم منافقون، وقائل يقول: هم مؤمنون، فبين الله تعالى نفاقهم وأنزل هذه الآية، وأمر بقتلهم في قوله - فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم فجاءوا ببضائعهم يريدون هلال بن عويمر الاسلمي وبينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم حلف، وهو الذي حصر صدره أن يقاتل المؤمنين، فرفع عنهم القتل بقوله تعالى - إلا الذين يصلون إلى قوم - الآية.
* قوله: (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ) أخبرنا أبو عبد الله ابن أبي إسحاق قال: أخبرنا أبو عمرو بن نجيد قال: حدثنا أبو مسلم إبراهيم ابن عبد الله بن حجاج قال: حدثنا حماد قال أخبرنا محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن ابن القاسم، عن أبيه أن الحارث بن زيد كان شديدا على النبي صلى الله عليه وسلم،
فجاء وهو يريد الاسلام، فلقيه عياش بن أبي ربيعة والحارث يريد الاسلام وعياش لا يشعر فقتله، فأنزل الله تعالى: - وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ - الآية.
وشرح الكلبي هذه القصة فقال: إن عياش بن أبي ربيعة المخزومي أسلم وخاف أن يظهر إسلامه، فخرج هاربا إلى المدينة فقدمها، ثم أتى أطما من آطامها، فتحصن فيه فجزعت أمه جزعا شديدا وقالت لابنيها أبي جهل والحارث ابن هشام وهما لامه لا يظلني سقف بيت ولا أذوق طعاما ولا شرابا حتى تأتوني به، فخرجا في طلبه، وخرج معهم الحارث بن زيد بن أبي أنيسة حتى أتوا المدينة، فأتوا عياشا وهو في الاطم، فقالا له: انزل فإن أمك لم يؤوها سقف بيت بعدك، (8 - أسباب النزول)

وقد حلفت لا تأكل طعاما ولا شرابا حتى ترجع إليها، ولك الله علينا أن لا نكرهك على شئ ولا نحول بينك وبين دينك، فلما ذكرا له جزع أمه وأوثقا له نزل إليهم فأخرجوه من المدينة وأوثقوه بنسع وجلده كل واحد منهم مائة جلدة، ثم قدموا به على أمه فقالت: والله لا أحلك من وثاقك حتى تكفر بالذي آمنت به ثم تركوه موثقا في الشمس، وأعطاهم بعض الذي أرادوا، فأتاه الحارث بن زيد وقال عياش: والله لئن كان الذي كنت عليه هدى لقد تركت الهدى، وإن كان ضلالة لقد كنت عليها، فغضب عياش من مقاله وقال: والله لا ألقاك خاليا إلا قتلتك، ثم إن عياشا: أسلم بعد ذلك وهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، ثم إن الحارث بن زيد أسلم وهاجر إلى المدينة وليس عياش يومئذ حاضرا ولم يشعر بإسلامه، فبينا هو يسير بظهر قبا إذ لقى الحارث بن زيد، فلما رآه حمل عليه فقتله، فقال الناس: أي شئ صنعت ؟ إنه قد أسلم، فرجع عياش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله كان
من أمرى وأمر الحارث ما قد علمت: وإني لم أشعر بإسلامه حين قتلته، فنزل عليه السلام بقوله - وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ -.
* قوله تعالى: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا) الآية.
وقال الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس: إن مقيس بن ضبابة وجد أخاه هشام بن ضبابة قتيلا في بني النجار وكان مسلما، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه رسولا من بني فهد، فقال له: ائت بني النجار فأقرئهم السلام وقل لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم إن علمتم قاتل هشام بن ضبابة أن تدفعوه إلى أخيه فيقتص منه، وإن لم تعلموا له قتيلا أن تدفعوا إليه ديته، فأبلغهم الفهدي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: سمعا وطاعة لله ولرسوله، والله ما نعلم له قاتلا، ولكن نؤدي إليه ديته، فأعطوه مائة من الابل ثم انصرفا راجعين نحو المدينة، وبينهما وبين المدينة قريب، فأتى الشيطان مقيسا فوسوس إليه فقال: أي شئ صنعت تقبل دية أخيك فيكون عليك سبة اقتل الذي معك فيكون نفس مكان

نفس وفضل الدية، ففعل مقيس ذلك، فرمى الفهدي بصخرة فشدخ رأسه، ثم ركب بعيرا منها وساق بقيتها راجعا إلى مكة كافرا، وجعل يقول في شعره: قتلت به فهرا وحملت عقله * سراة بني النجار أرباب فارع وأدركت ثأري واضطجعت موسدا * وكنت إلى الاوثان أول راجع فنزلت هذه الآية - ومن يقتل مؤمنا متعمدا - الآية.
ثم أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه يوم فتح مكة، فأدركه الناس بالسوق فقتلوه.
* قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا) أخبرنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الواعظ قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد ابن حامد قال: أخبرنا أحمد بن الحسين بن عبد الجبار قال: حدثنا محمد بن عباد قال:
حدثنا سفيان عن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس قال: لحق المسلمون رجلا في غنيمة له، فقال: السلام عليكم، فقتلوه، وأخذوا غنيمته، فنزلت هذه الآية - ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا - تلك الغنيمة، رواه البخاري عن علي بن عبد الله.
ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، كلاهما عن سفيان وأخبرنا إسماعيل قال: أخبرنا أبو عمرو بن نجيد قال: حدثنا محمد بن الحسن ابن الخليل قال: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا عبد الله، عن إسرائيل، عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: مر رجل من سليم على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه غنم فسلم عليهم، فقالوا: ما سلم عليكم إلا ليتعوذ منكم، فقاموا إليه فقتلوه، وأخذوا غنمه وأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى - يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتثبتوا -.
أخبرنا أبو بكر الاصفهاني قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: أخبرنا أبو علي الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا وكيع عن سفيان، عن جبير بن أبي عمرو عن سعيد بن جبير قال: خرج المقداد بن الاسود في سرية، فمروا برجل في غنيمة له، فأرادوا قتله، فقال: لا إله إلا الله، فقتله المقداد، فقيل له: أقتلته وقد قال لا إله إلا الله

وهو آمن في أهله وماله ؟ فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا ذلك له، فنزلت - يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتثبتوا - وقال الحسن: إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خرجوا يطوفون، فلقوا المشركين فهزموهم، فشد منهم رجل فتبعه رجل من المسلمين وأراد متاعة، فلما غشيه بالسنان قال: إني مسلم إني مسلم، فكذبه ثم أوجره السنان فقتله، وأخذ متاعه وكان قليلا، فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قتلته بعد ما زعم أنه مسلم، فقال: يا رسول الله إنما قالها متعوذا قال: فهلا شققت عن قلبه لتنظر صادق هو أم
كاذب ؟ قال: قلت أعلم ذلك يا رسول الله، قال: ويك إنك لم تكن تعلم ذلك إنما بين لسانه، قال: فما لبث القاتل أن مات، فدفن فأصبح وقد وضع إلى جنب قبره قال: ثم عادوا فحفروا له، وأمكنوا ودفنوه، فأصبح وقد وضع إلى جنب قبره مرتين أو ثلاثا، فلما رأوا أن الارض لا تقبله ألقوه في بعض تلك الشعاب، قال: وأنزل الله تعالى هذه الآية.
قال الحسن: إن الارض تحبس من هو شر منه، ولكن وعظ القوم أن لا يعودوا.
أخبرنا أبو نصر أحمد بن محمد المزكى قال: أخبرنا عبيد الله بن محمد بن بطة قال: أخبرنا أبو القاسم البغوي قال: حدثنا سعيد بن يحيى الاموي قال: حدثني أبى قال: حدثنا محمد بن إسحاق ويزيد بن عبد الله بن قسيط، عن القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد عن أبيه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية إلى إضم قبل مخرجه إلى مكة قال: فمر بنا عامر بن الاضبط الاشجعي فحيانا تحية الاسلام، فنزعنا عنه وحمل عليه محلم بن جثامة لشر كان بينه وبينه في الجاهلية، فقتله واستلب بعيرا له ووطاء ومتيعا كان له: قال: فأنهينا شأننا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرناه بخبره، فأنزل الله تعالى - يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا - إلى آخر الآية.
وقال السدى: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد على سرية، فلقى مرداس بن نهيك الضمري فقتله، وكان من أهل فدك ولم يسلم من قومه غيره

وكان يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ويسلم عليهم، قال أسامة: فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته فقال: قتلت رجلا يقول لا إله إلا الله ؟ فقلت: يا رسول الله إنما تعوذ من القتل، فقال: كيف أنت إذا خاصمك يوم القيامة بلا إله إلا الله ؟ قال: ما زال يرددها علي أقتلت رجلا يقول لا إله إلا الله ؟ حتى تمنيت لو أن إسلامي كان يومئذ، فنزلت - إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا - الآية.
وعن هذا قال الكلبي وقتادة، يدل على صحته الحديث الذي أخبرناه أبو بكر محمد ابن إبراهيم الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عيسى بن عمرو قال: حدثنا إبراهيم بن سفيان قال: حدثنا مسلم قال: حدثني يعقوب الدورقي قال، حدثنا هشيم قال: أخبرنا حصين قال: حدثنا أبو ظبيان قال: سمعت أسامة بن زيد بن حارثة يحدث قال: بعثنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى حرقة بن جهينة، فصبحنا القوم فهزمناهم قال: ولحقت أنا ورجل من الانصار رجلا منهم، فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، قال: فكف عنه الانصار فطعنته برمحي فقتلته، فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ؟ قلت: يا رسول الله إنما كان متعوذا، قال: أقتلته بعد ما قال لاإله إلا الله ؟ قال: فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم.
* قوله تعالى: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين) الآية.
أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد المؤذن قال: أخبرنا جدى قال: أخبرنا محمد بن إسحاق السراج قال: حدثنا محمد بن حميد الرازي قال: حدثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن سهل بن سعد، عن مروان بن الحكم، عن زيد بن ثابت قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم حين نزلت عليه - لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله - ولم يذكر أولى الضرر، فقال ابن أم مكتوم: كيف وأنا أعمى لا أبصر، قال زيد: فتغشى النبي صلى الله عليه وسلم في مجلسه الوحي، فاتكأ على فخذي، فو الذي نفسي بيده لقد ثقل على فخذي حتى خشيت أن يرضها، ثم سرى

عنه فقال: اكتب - لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر - فكتبتها رواه البخاري، عن إسماعيل بن عبد الله، عن إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن الزهري.
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال: أخبرنا محمد بن جعفر بن مطر قال: أخبرنا أبو خليفة قال: حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا شعبة قال: أنبأنا أبو إسحاق سمعت البراء يقول: لما نزلت هذه الآية - لا يستوي القاعدون - دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا، فجاء بكتف وكتبها، فشكا ابن أم مكتوم ضرارته، فنزلت لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر - رواه البخاري عن أبى الوليد، ورواه مسلم عن بندار، عن غندر، عن شعبة.
أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم النصراباذى قال: أخبرنا إسماعيل بن نجيد قال: أخبرنا محمد بن عبد وس قال: حدثنا علي بن الجعد قال: حدثنا زهير، عن أبي إسحاق، عن البراء، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ادع لي زيدا وقل له يجئ بالكتف والدواة أو اللوح، وقال: اكتب لي - لا يستوي القاعدون من المؤمنين - احسبه قال: والمجاهدون في سبيل الله، فقال ابن أم مكتوم: يا رسول الله بعيني ضرر، قال: فنزلت قبل أن يبرح - غير أولى الضرر - رواه البخاري عن محمد بن يوسف، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق.
* قوله تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم) الآية.
نزلت هذه الآية في ناس من أهل مكة تكلموا بالاسلام ولم يهاجروا وأظهروا الايمان وأسروا النفاق، فلما كان يوم بدر خرجوا مع المشركين إلى حرب المسلمين فقتلوا فضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم وقالوا لهم ما ذكر الله سبحانه 7.
أخبرنا أبو بكر الحارثى قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: أخبرنا أبو يحيى قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن أشعث بن سواد.

عن عكرمة، عن ابن عباس إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم - وتلاها إلى آخرها قال: كانوا قوما من المسلمين بمكة، فخرجوا في قوم من المشركين في قتال فقتلوا
معهم، فنزلت هذه الآية.
* قوله تعالى: (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله) قال ابن عباس في رواية عطاء: كان عبد الرحمن بن عوف يخبر أهل مكة بما ينزل فيهم من القرآن، فكتب الآية التي نزلت - إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، فلما قرأها المسلمون قال حبيب بن ضمرة الليثي لبنيه وكان شيخا كبيرا: احملوني فإني لست من المستضعفين وإني لا أهتدي إلى الطريق.
فحمله بنوه على سرير متوجها إلى المدينة، فلما بلغ التنعيم أشرف على، فصفق يمينه على شماله وقال: اللهم هذه لك وهذه لرسولك أبايعك على ما بايعتك يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات حميدا، فبلغ خبره أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: لو وافى المدينة لكان أتم أجرا، فأنزل الله تعالى فيه هذه الآية.
أخبرنا أبو حسان المزني قال: أخبرنا هارون بن محمد بن هارون قال: أخبرنا إسحاق ابن أحمد الخزاعي قال: حدثنا أبو الوليد الازرقي قال: حدثنا جدى قال: حدثنا سفيان ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة قال: كان بمكة ناس قد دخلهم الاسلام ولم يستطيعوا الهجرة، فلما كان يوم بدر وخرج بهم كرها فقتلوا، أنزل الله تعالى - إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم - إلى قوله تعالى - عسى الله أن يعفو عنهم - إلى آخر الآية.
قال: وكتب بذلك من كان بالمدينة إلى من بمكة ممن أسلم، فقال رجل من بني بكر كان مريضا أخرجوني إلى الروحاء فخرجوا به، فخرج يريد المدينة، فلما بلغ الحصحاص مات، فأنزل الله تعالى - ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله.
* قوله تعالى: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) أخبرنا الاستاذ أبو عثمان الزعفراني المقرى سنة خمس وعشرين قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي ابن زياد السدى سنة ثلاث وستين قال: أخبرنا أبو سعيد الفضل بن محمد الجزرى بمكة

في المسجد الحرام سنة أربع وثلثمائة قال: أخبرنا يحيى بن زياد اللخمى قال: حدثنا أبو قرة موسى بن طارق قال: ذكر سفيان عن منصور، عن مجاهد قال: حدثنا أبو عياش الورقي قال: (صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وآله الظهر) فقال المشركون: قد كانوا على حال لو كنا أصبنا منهم غرة قالوا: تأتى عليهم صلاة هي أحب إليهم من آبائهم قال: وهي العصر، قال: فنزل جبريل عليه السلام بهذه الآية بين الاولى والعصر - وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة - وهم بعسفان وعلى المشركين خالد بن الوليد وهم بيننا وبين القبلة، وذكر صلاة الخوف.
أخبرنا عبد الرحمن بن عبدان قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن محمد الضبى قال: حدثنا محمد بن يعقوب قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال: حدثنا يونس ابن بكير عن النضر، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقى المشركين بعسفان، فلما صلى رسول الله عليه الصلاة والسلام الظهر فرأوه يركع ويسجد هو وأصحابه، قال بعضهم لبعض: كان هذا فرصة لكم لو أغرتم عليهم ما علموا بكم حتى تواقعوهم، فقال قائل منهم: فإن لهم صلاة أخرى هي أحب إليهم من أهليهم وأموالهم، فاستعدوا حتى تغيروا عليهم فيها، فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيه - وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة - إلى آخر الآية، وأعلم ما ائتمر به المشركون، وذكر صلاة الخوف.
* قوله تعالى: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله) الآية.
إلى قوله تعالى - ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا - أنزلت كلها في قصة واحدة.
وذلك أن رجلا من الانصار يقال له طعمة بن أبيرق أحد بني ظفر ابن الحارث سرق درعا من جار له يقال له قتادة بن النعمان، وكانت الدرع في جراب فيه دقيق، فجعل الدقيق ينتثر من خرق في الجراب حتى انتهى إلى الدار وفيها أثر الدقيق، ثم خبأها عند رجل من اليهود يقال له زيد بن السمين، فالتمست الدرع عند
طعمة فلم توجد عنده وحلف لهم: والله ما أخذها وما له به من علم، فقال أصحاب

الدرع: بلى والله قد أدلج علينا فأخذها وطلبنا أثره حتى دخل داره، فرأينا أثر الدقيق فلما أن حلف تركوه واتبعوا أثر الدقيق حتى انتهوا إلى منزل اليهودي فأخذوه، فقال: دفعها إلي طعمة بن أبيرق، وشهد له أناس من اليهود على ذلك، فقالت بنو ظفر وهم قوم طعمة، انطلقوا بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فكلموه في ذلك، فسألوه أن يجادل عن صاحبهم، وقالوا: إن لم تفعل هلك صاحبنا وافتضح وبرئ اليهودي، فهم رسول الله صلى الله عليه وآله أن يفعل وكان هواه معهم وأن يعاقب اليهودي حتى أنزل الله تعالى - إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق - الآية كلها، وهذا قول جماعة من المفسرين.
* قوله تعالى: (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب) أخبرنا أبو بكر التميمي قال: أخبرنا أبو محمد بن حيان قال: حدثنا أبو يحيى قال: حدثنا سهل قال: حدثنا علي بن مسهر عن إسماعيل بن أبى خالد، عن أبى صالح قال: جلس أهل الكتاب أهل التوراة وأهل الانجيل وأهل الاديان كل صنف يقول لصاحبه: نحن خير منكم، فنزلت هذه الآية.
وقال مسروق وقتادة: احتج المسلمون وأهل الكتاب، فقال أهل الكتاب: نحن أهدى منكم، نبينا قبل نبيكم، وكتابنا قبل كتابكم، ونحن أولى بالله منكم، وقال المسلمون: نحن أهدى منكم وأولى بالله، نبينا خاتم الانبياء وكتابنا يقضى على الكتب التى قبله، فأنزل الله تعالى هذه الآية، ثم أفلج الله حجة المسلمين على من ناوأهم من أهل الاديان بقوله تعالى - ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن - وبقوله تعالى - ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله - الآيتين.
* قوله تعالى: (واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا) اختلفوا في سبب اتخاذ الله إبراهيم خليلا، فأخبرنا أبو سعيد النضروى قال: أخبرنا
أبو الحسن محمد بن الحسن السراج قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الحضرمي قال: حدثنا موسى بن إبراهيم المروزي قال: حدثنا ابن ربيعة، عن أبي قبيل، عن عبد الله، عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا جبريل لم أتخذ الله إبراهيم خليلا ؟ ؟ قال: لاطعامه الطعام يا محمد.

وقال عبد الله بن عبد الرحمن بن البزى: دخل إبراهيم فجاءه ملك الموت في صورة شاب لا يعرفه، قال له إبراهيم: بإذن من دخلت ؟ فقال: بإذن رب المنزل، فعرفه إبراهيم عليه السلام، فقال له ملك الموت: إن ربك اتخذ من عباده خليلا، قال إبراهيم: ومن ذلك ؟ قال: وما تصنع به ؟ قال: أكون خادما له حتى أموت، قال: فإنه أنت.
وقال الكلبي عن ابن صالح عن ابن عباس: أصاب الناس سنة جهدوا فيها، فحشروا إلى باب إبراهيم عليه الصلاة والسلام يطلبون الطعام وكانت الميرة له كل سنة من صديق له بمصر، فبعث غلمانه بالابل إلى مصر يسأله الميرة، فقال خليله: لو كان إبراهيم إنما يريده لنفسه احتملنا ذلك له، وقد دخل علينا ما دخل على الناس من الشدة، فرجع رسل إبراهيم، فمروا ببطحاء، فقالوا: لو احتملنا من هذه البطحاء ليرى الناس أنا قد جئنا بالميرة، إنا نستحيى أن نمر بهم وإبلنا فارغة، فملاوا تلك الغرائر رملا، ثم إنهم أتوا إبراهيم عليه السلام وسارة نائمة فأعلموه ذلك، فاهتم إبراهيم عليه السلام بمكان الناس، فغلبته عيناه فنام، واستيقظت سارة، فقامت إلى تلك الغرائر ففتقتها، فإذا هو أجود حوار يكون فأمرت الخبازين فخبزوا وأطعموا الناس واستيقظ إبراهيم عليه السلام فوجد ريح الطعام، فقال: يا سارة من أين هذا الطعام ؟ قالت: من عند خليلك المصري، فقال: بل من عند خليلي الله لا من عند خليلي المصري، فيومئذ اتخذ الله إبراهيم خليلا.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المزكى قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يزيد الحورى قال: حدثنا إبراهيم بن شريك قال: حدثنا أحمد بن يونس قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي المهلب الكنائى، عن عبد الله بن زحر، عن علي ابن يزيد، عن القاسم بن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، وإنه لم يكن نبي إلا له خليل ألا وإن خليلي أبو بكر).

وأخبرني الساهر أبو إسماعيل بن الحسين النقيب قال: أخبرنا جدى قال: أخبرنا أبو محمد الحسين بن حماد قال: أخبرنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي قال: أخبرنا سعيد بن أبي مريم قال: حدثنا سلمة قال: حدثني زيد بن واقد، عن القاسم ابن نجيد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتخذ الله إبراهيم خليلا وموسى نجيا واتخذني حبيبا، ثم قال: وعزتي لاوثرن حبيبي على خليلي ونجيى) * قوله تعالى: (ويستفتونك في النساء) الآية.
أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قال: حدثنا محمد بن يعقوب قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: حدثنا ابن وهب قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة قالت: ثم إن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى هذه الآية - ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب - الآية.
قالت: والذي يتلى عليهم في الكتاب الآية الاولى التي قال فيها - وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى - قالت عائشة رضى الله عنها: وقال الله تعالى في الآية الاخرى - وترغبون أن تنكحوهن - رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال والجمال، فنهوا أن ينكحوا ما رغبوا في مالها وجمالها من باقي النساء
إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن.
رواه مسلم عن حرملة عن ابن وهب.
* قوله تعالى: (وإن امرأة خافت) الآية.
أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد ابن الحارث قال: أخبرنا عبد الله بن حماد بن جعفر قال: حدثنا أبو عمر قال: حدثنا سهل قال: حدثنا عبد الرحمن بن سلمان، عن هشام، عن عروة، عن عائشة في قول الله تعالى - وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا - إلى آخر الآية.
نزلت في المرأة تكون عند الرجل فلا يستكثر منها ويريد فراقها، ولعلها أن تكون لها صحبة ويكون لها ولد فيكره فراقها، وتقول له: لا تطلقني وأمسكني وأنت في حل من شأني، فأنزلت هذه الآية.
رواه البخاري عن محمد بن مقاتل، عن ابن المبارك: ورواه مسلم عن أبي كريب وأبي أسامة، كلاهما عن هشام

أخبرنا أبو بكر الحيرى قال: حدثنا محمد بن يعقوب قال: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا ابن عيينة، عن الزهري، عن ابن المسيب، أن بنت محمد بن مسلمة كانت عند رافع بن صبيح، فكره منها أمرا، إما كبرا وإما غيره، فأراد طلاقها، فقالت: لا تطلقني وأمسكني واقسم لي ما بدا لك، فأنزل الله تعالى - وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا -.
* قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط) الآية.
روى أسباط عن السدى قال: نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم اختصم إليه غني وفقير، وكان ضلعه مع الفقير رأى أن الفقير لا يظلم الغني فأبى الله تعالى إلا أن يقوم بالقسط في الغني والفقير، فقال - يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط - حتى بلغ - إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما -.
* قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله) الآية.
قال الكلبي: نزلت في عبد الله بن سلام وأسد وأسيد ابني كعب وثعلبة بن قيس وجماعة من مؤمني
أهل الكتاب قالوا: يا رسول الله إنا نؤمن بك وبكتابك وبموسى والتوراة وعزير، ونكفر بما سواه من الكتب والرسل، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول) الآية.
قال مجاهد.
إن ضيفا تضيف قوما فأساءوا قراه فاشتكاهم، فنزلت هذه الآية رخصة في أن يشكوا.
قوله تعالى: (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا) الآية: نزلت في اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كنت نبيا فأتنا الكتاب جملة من السماء كما أتى به موسى، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى: (لكن الله يشهد بما أنزل إليك) الآية.
قال الكلبي: إن رؤساء أهل مكة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: سألنا عنك اليهود فزعموا أنهم لا يعرفونك، فأتنا بمن يشهد لك أن الله بعثك إلينا رسولا، فنزلت هذه الآية - لكن الله يشهد -.

* قوله تعالى: (لا تغلوا في دينكم) الآية.
نزلت في طوائف من النصارى حين قالوا عيسى ابن الله، فأنزل الله تعالى - لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق - الآية.
* قوله تعالى: (لن يستنكف المسيح) الآية.
قال الكلبي: إن وفد نجران قالوا: يا محمد تعيب صاحبنا ؟ قال: ومن صاحبكم ؟ قالوا: عيسى، قال: وأي شئ أقول فيه ؟ قالوا أتقول إنه عبد الله ورسوله، فقال لهم: إنه ليس بعار لعيسى أن يكون عبد الله، قالوا: بلى، فنزلت - لن يستنكف المسيح أن يكون عبد الله - الآية.
* قوله (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) الآية.
أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد قال: حدثنا زاهر بن أحمد قال: حدثنا الحسين بن محمد ابن مصعب قال: حدثنا يحيى بن حكيم قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن هشام
ابن عبد الله، عن ابن الزبير، عن جابر قال: (اشتكيت فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي سبع أخوات، فنفخ في وجهي فأفقت، فقلت: يا رسول الله أوصى لاخواتي بالثلثين، قال: اجلس، فقلت الشطر، قال: اجلس، ثم خرج فتركني.
قال: ثم دخل علي وقال: يا جابر إني لا أراك تموت في وجعك هذا، إن الله قد أنزل، فبين الذي لاخواتك الثلثين، وكان جابر يقول: نزلت هذه الآية في - يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة -.
* قوله تعالى: (لا تحلوا شعائر الله) الآية.
قال ابن عباس: نزلت في الخطيم واسمه شريح بن ضبيع الكندي، أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من اليمامة إلى المدينة، فخلف خيله خارج المدينة ودخل وحده على النبي عليه الصلاة والسلام، فقال: إلام تدعو الناس ؟ قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، فقال: حسن إلا أن لي أمراء لا نقطع أمرا دونهم، ولعلي أسلم وآتى بهم، وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لاصحابه: يدخل عليكم رجل يتكلم بلسان شيطان، ثم خرج من عنده، فلما خرج قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: لقد دخل بوجه كافر

وخرج بعقبى غادر، وما الرجل مسلم، فمر بسرح المدينة فاستاقه، فطلبوه فعجزوا عنه، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله عام القضية سمع تلبية حجاج اليمامة، فقال لاصحابه: هذا الخطيم وأصحابه، وكان قد قلد هديا من مسرح المدينة وأهدى إلى الكعبة، فلما توجهوا في طلبه أنزل الله تعالى - يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله - يريد ما أشعر لله ؟ وإن كانوا على غير دين الاسلام.
وقال زيد بن أسلم: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه بالحديبية حين صدهم المشركون عن البيت، وقد اشتد ذلك عليهم، فمر بهم ناس من المشركين يريدون العمرة، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصد هؤلاء كما صدنا
أصحابهم، فأنزل الله تعالى - لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام - أي ولا تعتدوا على هؤلاء العمار إن صدكم أصحابهم.
* قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم) الآية.
نزلت هذه الآية يوم الجمعة، وكان يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع سنة عشر والنبي صلى الله عليه وسلم بعرفات على ناقته العضباء.
أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل قال: أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: حدثنا جعفر بن عون قال: أخبرني أبو عميس، عن قيس بن حاتم، عن طارق بن شهاب قال: جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقال: يا أمير المؤمين إنكم تقرءون آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، فقال: أي آية هي ؟ قال - اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي - فقال عمر: والله إني لاعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله صلى الله عليه وآله، والساعة التي نزلت فيها على رسول الله صلى الله عليه وآله عشية يوم عرفة في يوم عرفة في يوم

جمعة.
رواه البخاري عن الحسن بن صباح.
ورواه مسلم عن عبد بن حميد، كلاهما عن جعفر بن عون.
أخبرنا الحاكم أبو عبد الرحمن الشاذياخي قال: أخبرنا ناقد بن أحمد قال: أخبرنا الحسن بن محمد بن مصعب قال: حدثنا يحيى بن حكيم قال: حدثنا أبو قتيبة قال: حدثنا حماد عن عباد بن أبي عمار قال: قرأ ابن عباس هذه الآية ومعه اليهودي - اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا - فقال اليهودي: لو نزلت هذه علينا في يوم لاتخذناه عيدا، فقال ابن عباس فإنها نزلت في
عيدين اتفقا في يوم واحد يوم جمعة وافق ذلك يوم عرفة.
* قوله: (يسألونك ماذا أحل لهم) الآية.
أخبرنا أبو بكر الحارثي قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: حدثنا أبو يحيى قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثني ابن أبي زائدة، عن موسى بن عبيدة، عن أبان بن صالح، عن القعقاع ابن الحكيم عن سلمى أم رافع، عن أبي رافع قال: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، فقال الناس: يا رسول الله ما أحل لنا من هذه الامة التي أمرت بقتلها ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية، وهي - يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين -) رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه، عن أبي بكرة ابن بالويه، عن محمد بن سادان، عن يعلى بن منصور، عن ابن أبي زائدة، وذكر المفسرون شرح هذه القصة قالوا: قال أبو رافع (جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم واستأذن عليه، فأذن له فلم يدخل، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قد أذنا لك يا رسول الله، فقال: أجل يا رسول الله، ولكنا لا ندخل بيتا فيه صورة ولا كلب، فنظروا فإذا في بعض بيوتهم جرو، قال أبو رافع: فأمرني أن لا أدع كلبا بالمدينة إلا قتلته حتى بلغت العوالي، فإذا امرأة عندها كلب يحرسها فرحمتها، فتركته فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأمرني بقتله،

فرجعت إلى الكلب فقتلته، فلما أمر رسول الله بقتل الكلاب جاء ناس فقالوا: يا رسول الله ماذا يحل لنا من هذه الامة التي تقتلها ؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية، فلما نزلت أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في اقتناء الكلاب التي ينتفع بها، ونهى عن إمساك ما لا نفع فيه منها، وأمر بقتل الكلب الگلب والعقور، وما يضر ويؤذي، ودفع القتل عما سواهما وما لا ضرر فيه) وقال سعيد بن جبير: نزلت هذه الآية في عدي بن حاتم وزيد بن المهلهل الطائيين
وهو زيد الخيل الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير، فقالا يا رسول الله إنا قوم نصيد بالكلاب والبزاة فإن كلاب آل درع وآل حورية تأخذ البقر والحمر والظباء والضب، فمنه ما يدرك ذكاته ومنه ما يقتل فلا يدرك ذكاته وقد حرم الله الميتة فماذا يحل لنا منها ؟ فنزلت - يسألونك ماذا أحل لهم ؟ قل أحل لكم الطيبات - يعني الذبائح - وما علمتم من الجوارح - يعني وصيد ما علمتم من الجوارح، وهي الكواسب من الكلاب وسباع الطير.
* قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم) الآية.
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر المؤذن قال: أخبرنا أبو علي الفقيه قال: أخبرنا أبو لبابة محمد بن المهدى الميهنى قال: حدثنا عمار بن الحسن قال: حدثنا سلمة بن الفضل قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن عمر ابن عبيد، عن الحسن البصري، عن جابر بن عبد الله الانصاري أن رجلا من محارب يقال له غورث بن الحارث قال لقومه من غطفان ومحارب: ألا أقتل لكم محمدا ؟ قالوا: نعم، وكيف تقتله ؟ قال: أفتك به، قال: فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس وسيفه في حجره، فقال: يا محمد أنظر إلى سيفك هذا ؟ قال: نعم، فأخذه فاستله، ثم جعل يهزه ويهم به، فكبته الله عز وجل، ثم قال: يا محمد ما تخافني ؟ قال: لا، قال: ألا تخافني وفي يدي السيف ؟ قال: يمنعني الله منك، ثم أغمد السيف

ورده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى - اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم - أخبرنا أحمد بن إبراهيم الثعلبي قال: أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد ابن محمد بن الحسن قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل منزلا
وتفرق الناس في العضاه يستظلون تحتها، فعلق النبي صلى الله عليه وسلم سلاحه على شجرة، فجاء أعرابي إلى سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل عليه فقال: من يمنعك مني ؟ قال الله، قال ذلك الاعرابي مرتين أو ثلاثا والنبي صلى الله عليه وسلم يقول الله، فشام الاعرابي السيف، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فأخبرهم خبر الاعرابي وهو جالس إلى جنبه لم يعاقبه.
وقال مجاهد والكلبي وعكرمة: قتل رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين من بني سلم وبين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قومهما موادعة، فجاء قومهما يطلبون الدية فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وعبد الرحمن بن عوف رضوان الله عليهم أجمعين، فدخلوا على كعب بن الاشرف وبني النضير يستينهم ؟ (يستعينهم) في عقلهما، فقالوا: يا أبا القاسم قد آن لك أن تأتينا وتسألنا حاجة اجلس حتى نطعمك ونعطيك الذي تسألنا، فجلس هو وأصحابه، فجاء بعضهم ببعض وقالوا: إنكم لم تجدوا محمدا أقرب منه الآن، فمن يظهر على هذا البيت فيطرح عليه صخرة، فيريحنا منه ؟ فقال عمر بن جحاش بن كعب أنا، فجاء إلى رحا عظيمة ليطرحها عليه، فأمسك الله تعالى يده، وجاء جبريل عليه السلام وأخبره بذلك، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله، وأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبيد الله المخلدى قال: حدثنا أبو عمرو بن نجيد قال: أخبرنا مسلم قال: حدثنا (9 - أسباب النزول)

أقسام الكتاب

1 2 3

 

 

============الجزء الثاني

 مفهوم الطبيعة - سطور

 كتاب : أسباب نزول القرآن

المؤلف : الواحدي

عبد الرحمن بن حماد قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، عن أنس (أن رهطا من عكل وعرينة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إنا كنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف فاستوخمنا المدينة، فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
بذود أن يخرجوا فيها فليشربوا من ألبانها وأبوالها فقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستاقوا الذود، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم، فأتى بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وثمل أعينهم فتركوا في الحرة حتى ماتوا على حالهم) قال قتادة ذكر لنا أن هذه الآية نزلت فيهم - إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا - إلى آخر الآية.
رواه مسلم، عن عبيد الاعلى، عن سعيد إلى قول قتادة.
* قوله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) قال الكلبى: نزلت في طعمة بن أبيرق سارق الدرع وقد مضت قصته.
* قوله تعالى: (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر) الآيات.
حدثنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيرى إملاء قال: أخبرنا أبو محمد حاجب ابن أحمد الطوسي قال: حدثنا محمد بن حماد الابيوردى قال: حدثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن عبد الله بن مرة، عن البراء بن عازب قال: مر على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يهودي محمما مجلودا، فدعاهم فقال: أهكذا تجدون حد الزانى في كتابكم قالوا: نعم، قال: فدعا رجلا من غلمانهم فقال: أنشدك الله الذي أنزل التوراة على موسى عليه السلام، هكذا تجدون حد الزنى في كتابكم ؟ قال: لا، ولولا أنك نشدتني لم أخبرك، نجد حد الزاني في كتابنا الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذ أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الوضيع أقمنا عليه الحد، فقلنا: تعالوا نجتمع على شئ نقيمه على الشريف والوضيع فاجتمعنا على التحميم والجلد مكان الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه، فأمر به فرجم، فأنزل الله

تعالى - يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر - إلى قوله - إن أوتيتم هذا فخذوه - يقولون ائتوا محمدا فإن أفتاكم بالتحميم والجلد فخذوا به، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا - قوله تعالى - ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون -
قال في اليهود، إلى قوله - ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون - قال في اليهود إلى قوله - ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون - قال في الكفار كلها رواه مسلم، عن يحيى بن يحيى، عن أبي معاوية.
وأخبرنا أبو عبد الله بن إسحاق قال: أخبرنا أبو الهيثم أحمد بن محمد بن غوث الكندي قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي قال: حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة قال: حدثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن عبد الله بن مرة، عن البراء ابن عازب، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رجم يهوديا ويهودية، ثم قال - ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون - ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون - ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون - قال: نزلت كلها في الكفار - رواه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة.
* قوله تعالى: (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور) أخبرنا أبو محمد الحسن ابن محمد الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون قال: أخبرنا أحمد بن محمد ابن الحسن قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن الزهري قال: حدثني رجل من مزينة ونحن عند سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: زنى رجل من اليهود وامرأة، قال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه نبي مبعوث للتخفيف، فإذا أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججناها عند الله، وقلنا: فتيا نبي من أنبيائك، فأتوا للنبي (النبي) صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد مع أصحابه، فقالوا: يا أبا القاسم ما ترى في رجل وامرأة زنيا، فلم يكلمهما حتى أتى بيت مدراسهم، فقام على الباب فقال: أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة

على من زنى إذا أحصن ؟ قالوا: يحمم ويجبه ويجلد، والتجبيه: أن يحمل الزانيان على الحمار ويقابل أقفيتهما ويطاف بهما، قال: وسكت شاب منهم، فلما رآه النبي صلى الله
عليه وآله وسلم سكت ألح به في النشدة، فقال: اللهم إذ أنشدتنا فإنا نجد في التوراة الرجم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فما أول ما أرخصتم أمر الله عز وجل ؟ قال: زنى رجل ذو قرابة من ملك من ملوكنا فأخر عنه الرجم، ثم زنى رجل من سراة الناس فأراد رجمه فأحال قومه دونه، فقالوا: لا يرجم صاحبنا حتى يجئ بصاحبكم فيرجمه، فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فإني أحكم بما في التوراة، فأمر بهما فرجما.
قال الزهري فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم - إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا - وكان النبي صلى الله عليه وسلم منهم.
قال معمر: أخبرني الزهري، عن سالم، عن ابن عمر قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمر برجمهما، فلما رجما رأيته يجنأ بيده عنها ليقيها الحجارة.
* قوله عز وجل: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) الآية: قال ابن عباس: إن جماعة من اليهود منهم كعب بن أسيد وعبد الله بن صوريا وشاس بن قيس قال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى محمد عليه الصلاة والسلام لعلنا نفتنه عن دينه، فأتوه فقالوا: يا محمد قد عرفت أنا أحبار اليهود وأشرافهم، وأنا إن اتبعناك اتبعنا اليهود ولن يخالفونا وإن بيننا وبين قوم خصومة ونحاكمهم إليك، فتقضى لنا عليهم ونحن نؤمن بك ونصدقك، فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى فيهم - واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك -.
* قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء) قال عطية العوفى: جاء عبادة بن الصامت فقال: يا رسول الله إن لي موالي من اليهود كثير عددهم حاضر نصرهم، وإني أبوء إلى الله ورسوله من ولاية اليهود، وآوى إلى الله ورسوله، فقال عبد الله بن أبي: أني رجل أخاف الدوائر ولا أبرأ من ولاية اليهود،

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا الحباب ما تجلب به من ولاية اليهود على
عبادة بن الصامت فهو لك دونه، فقال: قد قبلت، فأنزل الله تعالى فيهما (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض) إلى قوله تعالى: (فترى الذين في قلوبهم مرض) يعني عبد الله بن أبي (يسارعون فيهم) وفي ولايتهم (يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة) الآية.
* قوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) قال جابر بن عبد الله: جاء عبد الله بن سلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن قوما من قريظة والنضير قد هاجرونا وفارقونا وأقسموا أن لا يجالسونا، ولا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد المنازل، وشكى ما يلقى من اليهود، فنزلت هذه الآية، فقرأها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين أولياء، ونحو هذا قال الكلبي وزاد - أن آخر الآية في علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، لانه أعطى خاتمه سائلا وهو راكع في الصلاة.
أخبرنا أبو بكر التميمي قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال: حدثنا الحسين ابن محمد بن أبي هريرة قال: حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب قال: حدثنا محمد الاسود، عن محمد بن مروان، عن محمد السائب، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: أقبل عبد الله ابن سلام ومعه نفر من قومه قد آمنوا، فقالوا: يا رسول الله إن منازلنا بعيدة وليس لنا مجلس ولا متحدث، وإن قومنا لما رأونا آمنا بالله ورسوله وصدقناه رفضونا وآلوا على أنفسهم أن لا يجالسونا ولا يناكحونا ولا يكلمونا، فشق ذلك علينا، فقال لهم النبي عليه الصلاة والسلام (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا).
الآية ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع، فنظر سائلا فقال: هل أعطاك أحد شيئا ؟ قال: نعم خاتم من ذهب، قال: من أعطاكه ؟ قال: ذلك القائم، وأومأ بيده إلى علي بن أبي طالب رضى الله عنه، فقال: على أي حال أعطاك ؟

قال أعطاني وهو راكع، فكبر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قرأ - ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون - * قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا) قال ابن عباس: كان رفاعة بن زيد وسويد بن الحارث قد أظهرا الاسلام ثم نافقا وكان رجال من المسلمين يوادونها، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى: (وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا) قال الكلبي: كان منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نادى إلى الصلاة، فقام المسلمون إليها، قالت اليهود: قوموا صلوا اركعوا، على طريق الاستهزاء والضحك فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قال السدى: نزلت في رجل من نصارى المدينة كان إذا سمع المؤذن يقول: أشهد أن محمدا رسول الله قال: حرق الكاذب فدخل خادمه بنار ذات ليلة وهو نائم وأهله نيام، فطارت منها شرارة في البيت فاحترق هو وأهله، وقال آخرون: إن الكفار لما سمعوا الاذان حضروا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون على ذلك، وقالوا: يا محمد لقد أبدعت شيئا لم نسمع به فيما مضى من الامم، فإن كنت تدعي النبوة فقد خالفت فيما أحدثت من هذا الاذان الانبياء من قبله، ولو كان في هذا خير كان أولى الناس به الانبياء والرسل من قبلك، فمن أين لك صياح كصياح البعير، فما أقبح من صوت ولا أسمج من كفر، فأنزل الله تعالى هذه الآية وأنزل: - ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا - الآية.
* قوله تعالى: (قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله) الآية.
قال ابن عباس: أتى نفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عمن يؤمن به من الرسل، فقال: أو من بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل إلى قوله - ونحن له مسلمون - فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته وقالوا: والله ما نعلم أهل

دين أقل حظا في الدنيا والآخرة منكم، ولا دينا شرا من دينكم، فأنزل الله تعالى - قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة - الآية.
* قوله تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) قال الحسن إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما بعثني الله تعالى برسالتي ضقت بها ذرعا وعرفت أن من الناس من يكذبني، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهيب قريشا واليهود والنصارى، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أبو سعيد محمد بن علي الصفار قال: أخبرنا الحسن بن أحمد المخلدي قال: أخبرنا محمد بن حمدون بن خالد قال: حدثنا محمد بن إبراهيم الخلوتي قال: حدثنا الحسن ابن حماد سجادة قال: حدثنا علي بن عابس، عن الاعمش وأبي حجاب، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية - يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك - يوم غدير خم في علي بن أبي طالب رضى الله عنه.
* قوله تعالى: (والله يعصمك من الناس) قالت عائشة رضى الله عنها: سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقلت: يا رسول الله ما شأنك ؟ قال ألا رجل صالح يحرسنا الليلة، فقالت: بينما نحن في ذلك سمعت صوت السلاح، فقال من هذا ؟ قال: سعد وحذيفة، جئنا نحرسك فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعت غطيطه، ونزلت هذه الآية، فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبة أدم وقال: انصرفوا يا أيها الناس فقد عصمني الله.
أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الواعظ قال: حدثنا إسماعيل بن نجيد قال: حدثنا محمد ابن الحسن بن الخليل بن محمد بن العلاء قال: حدثنا الجماني قال: حدثنا النضر، عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس وكان يرسل معه أبو طالب رجالا من بني هاشم يحرسونه حتى نزلت عليه هذه الآية - يا أيها الرسول
بلغ ما أنزل إليك - إلى قوله - والله يعصمك من الناس - قال: فأراد عمه أن يرسل معه من يحرسه، فقال: يا عم إن الله قد عصمني من الجن والانس.

* قوله تعالى: (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود) الآيات إلى قوله - والذين كفروا وكذبوا - نزلت في النجاشي وأصحابه.
قال ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة يخاف على أصحابه من المشركين، فبعث جعفر بن أبي طالب وابن مسعود في رهط من أصحابه إلى النجاشي وقال إنه ملك صالح لا يظلم ولا يظلم عنده أحد، فاخرجوا إليه حتى يجعل الله للمسلمين فرجا، فلما وردوا عليه أكرمهم وقال لهم: تعرفون شيئا مما أنزل عليكم ؟ قالوا: نعم، قال اقرءوا فقرءوا وحوله القسيسون والرهبان، فكلما قرءوا آية انحدرت دموعهم مما عرفوا من الحق، قال الله تعالى - ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون، وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع - الآية.
أخبرنا الحسن بن محمد الفارسى قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن حمدون بن الفضل قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الحسن قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا أبو صالح كاتب الليث قال: حدثني الليث قال: حدثني يونس بن شهاب، عن سعيد بن المسيب، وعن عروة بن الزبير وغيرهما قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضميري بكتاب معه إلى النجاشي فقدم على النجاشي فقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دعا جعفر بن أبي طالب والمهاجرين معه، فأرسل إلى الرهبان والقسيسين فجمعهم، ثم أمر جعفر أن يقرأ عليهم القرآن فقرأ سورة مريم عليها السلام، فآمنوا بالقرآن وأفاضت أعينهم من الدمع، وهم الذين أنزل فيهم - ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى - قوله - واكتبنا مع الشاهدين -.
وقال آخرون: قدم جعفر بن أبي طالب من الحبشة هو وأصحابه ومعهم سبعون
رجلا بعثهم النجاشي وفدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ثياب الصوف، اثنان وستون من الحبشة، وثمانية من أهل الشام، وهم بحيرا الراهب، وأبرهليه 7 وإدريس وأشرف وتمام وقثم وذر وأيمن، فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة يس

إلى آخرها، فبكوا حين سمعوا القرآن وآمنوا وقالوا: ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآيات.
أخبرنا أحمد بن محمد العدل قال: حدثنا زاهد بن أحمد قال: حدثنا أبو القاسم قال: حدثنا البغوي قال: حدثنا علي بن الجعد قال: حدثنا شريك بن سالم، عن سعيد ابن جبير في قوله تعالى - ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا - قال: بعث النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيار أصحابه ثلاثين رجلا، فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة يس فبكوا، فنزلت هذه الآية.
* قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) أخبرنا أبو عثمان بن أبي عمرو المؤذن قال: حدثنا محمد بن أحمد بن حمدان قال: حدثنا الحسن بن سفيان قال: أخبرنا إسحاق بن منصور قال: أخبرنا أبو عاصم عن عثمان ابن سعد قال: أخبرني عكرمة، عن ابن عباس، أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إني إذا أكلت هذا اللحم انتشرت إلى النساء، وإني حرمت علي اللحم، فنزلت - يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم - ونزلت - وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا - الآية.
قال المفسرون: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فذكر الناس ووصف القيامة ولم يزدهم على التخويف، فرق الناس وبكوا، فاجتمع عشرة من الصحابة في بيت عثمان بن مظعون الجمحى وهم أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب وعبد الله ابن مسعود وعبد الله بن عمر وأبو ذر الغفاري وسالم مولى أبي حذيفة والمقداد بن الاسود
وسلمان الفارسي ومعقل بن مضر، واتفقوا على أن يصوموا النهار، ويقوموا الليل، ولا يناموا على الفرش، ولا يأكلوا اللحم ولا الودك ويترهبوا، ويجبوا المذاكير، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجمعهم فقال: ألم أنبأ أنكم اتفقتم على كذا وكذا ؟ فقالوا: بلى يا رسول الله وما أردنا إلا الخير، فقال: إني لم أومر بذلك إن لانفسكم عليكم حقا، فصوموا وأفطروا وقوموا وناموا، فإني أقوم وأنام وأصوم

وأفطر وآكل اللحم والدسم، ومن رغب عن سنتي فليس مني، ثم خرج إلى الناس وخطبهم فقال: ما بال أقوام حرموا النساء والطعام والطيب والنوم وشهوات الدنيا، أما إني لست آمركم أن تكونوا قسيسين ولا رهبانا، فإنه ليس في ديني ترك اللحم والنساء ولا اتخاذ الصوامع، وإن سياحة أمتي الصوم ورهبانيتها الجهاد، واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وحجوا واعتمروا، وأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وصوموا رمضان، فإنما هلك من كان قبلكم بالتشديد، شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، فأولئك بقاياهم في الديارات والصوامع، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فقالوا: يا رسول الله كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها، وكانوا حلفوا على ما عليه اتفقوا، فأنزل الله تعالى - لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم - الآية.
* قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر) الآية.
أخبرنا أبو سعيد ابن أبي بكر المطوعى قال: حدثنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيرى قال: حدثنا أحمد ابن علي الموصلي قال: حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا حسن أبو موسى قال: حدثنا الزبير قال: حدثنا سماك بن حرب قال: حدثني مصعب بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: أتيت على نفر من المهاجرين فقالوا: تعال نطعمك ونسقيك خمرا، وذلك قبل أن يحرم الخمر، فأتيتهم في حش، والحش: البستان، وإذا رأس جزور مشويا عندهم ودن من خمر، فأكلت وشربت معهم، وذكرت الانصار والمهاجرين، فقلت: المهاجرون خير
من الانصار، فأخذ رجل لحى الرأس، فجذع أنفي بذلك، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فأنزل الله في شأن الخمر - إنما الخمر والميسر - الآية.
رواه مسلم عن أبي خيثمة.
أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبى قال: حدثنا خالد بن الوليد قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، عن عمر بن الخطاب قال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت الآية التي في البقرة - يسألونك عن الخمر والميسر -

فدعى عمر فقرئت عليه فقال: اللهم بين لنا من الخمر بيانا شافيا، فنزلت الآية في النساء - يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى - فكان منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة ينادي لا يقربن الصلاة سكران، فدعى عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزلت هذه الآية - إنما الخمر والميسر - فدعى عمر فقرئت عليه، فلما بلغ - فهل أنتم منتهون - قال عمر: انتهينا، وكانت تحدث أشياء لرسول الله صلى الله عليه وسلم لاسباب شرب الخمر قبل تحريمها، منها قصة علي ابن أبي طالب مع حمزة رضى الله عنهما، وهي ما أخبر محمد بن عبد الرحمن بن محمد ابن يحيى قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي خالد قال: أخبرنا يوسف بن موسى المروزى قال: أخبرنا عمر بن صالح قال: أخبرنا عنبسة قال: أخبرنا يوسف، عن ابن شهاب قال: أخبرني علي بن الحسين، أن حسين بن علي أخبره أن علي بن أبي طالب قال: كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني شارفا من الخمس، ولما أردت أن أبتني بفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعدت رجلا صواغا من بني قينقاع أن يرتحل معي فنأتي بأذخر أردت أن أبيعه من الصواغين فأستعين به في وليمة عرسي، فبينما أنا أجمع لشارفي من الاقتاب والغرائر والحبال وشارفاى مناخان إلى جنب حجرة رجل من الانصار، فإذا أنا بشارفي قد
أجبت أسنمتهما وبقرت خواصرهما وأخذ من أكبادهما، فلم أملك عيني حين رأيت ذلك المنظر، قلت: من فعل هذا ؟ فقالوا فعله حمزة وهو في البيت في شرب من الانصار عنده قينة وأصحابه، فقالت في غنائها: ألا يا حمز للشرف النواء * وهن معقلات بالفناء زج السكين في اللبات منها * فضرجهن حمزة بالدماء فأطعم من شرائحها كبابا * ملهوجة على رهج الصلاء فأنت أبا عمارة المرجى * لكشف الضر عنا والبلاء

فوثب إلى السيف، فأجب أسنمتهما وبقر خواصرهما وأخذ من أكبادهما قال علي عليه السلام: فانطلقت حتى أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده زيد بن حارثة، قال: فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لقيت، فقال: مالك ؟ فقلت: يا رسول الله ما رأيت كاليوم عدا حمزة على ناقتي وجب أسنمتهما وبقر خواصرها هو ذا في بيت معه شرب شرب، قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بردائه، ثم انطلق يمشي فاتبعت أثره أنا وزيد بن حارثة حتى جاء البيت الذي هو فيه، فاستأذن فأذن له، فإذا هم شرب، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوم حمزة فيما فعل، فإذا حمزة ثمل محمرة عيناه، فنظر حمزة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صعد النظر فنظر إلى وجهه ثم قال: وهل أنتم إلا عبيد أبي، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ثمل، فنكص على عقبيه القهقرى، فخرج وخرجنا، رواه البخاري عن أحمد ابن صالح، وكانت هذه القصة من الاسباب الموجبة لنزول تحريم الخمر.
* قوله تعالى: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا) الآية.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المطوعى قال: حدثنا أبو عمرو محمد بن يعمر الحيرى قال: أخبرنا أبو يعلى قال: أخبرنا أبو الربيع سليمان بن داود العتكى، عن حماد، عن
أنس قال: كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر في بيت أبي طلحة، وما شرابهم إلا الفضيخ والبسر والتمر، وإذا مناد ينادي، إن الخمر قد حرمت، قال: فأريقت في سكك المدينة، فقال أبو طلحة اخرج فأرقها، قال: فأرقتها، فقال بعضهم: قتل فلان وقتل فلان وهي في بطونهم، قال: فأنزل الله تعالى - ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا - الآية.
رواه مسلم، عن أبي الربيع.
ورواه البخاري.
عن أبي نعمان، كلاهما عن حماد.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المزكى قال: حدثنا أبو عمر بن مطر قال: حدثنا أبو خليفة قال: حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا أبو إسحاق عن البراء بن عازب قال: مات من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم يشربون الخمر.

فلما حرمت قال أنس: كيف لاصحابنا ماتوا وهم يشربونها ؟ فنزلت هذه الآية - ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا - الآية.
* قوله تعالى: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) الآية.
أخبرنا الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله قال: أخبرنا محمد بن القاسم المؤدب قال: حدثنا إدريس بن علي الرازي قال: حدثنا يحيى بن الضريس قال: حدثنا سفيان، عن محمد بن سراقة، عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل حرم عليكم عبادة الاوثان وشرب الخمر والطعن في الانساب، إلا أن الخمر لعن شاربها وعاصرها وساقيها وبائعها وآكل ثمنها، فقام إليه أعرابي فقال: يا رسول الله إني كنت رجلا كانت هذه تجارتي، فاقتنيت من بيع الخمر مالا فهل ينفعني ذلك المال إن عملت فيه بطاعة الله ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن أنفقته في حج أو جهاد أو صدقة لم يعدل عند الله جناح بعوضة، إن الله لا يقبل إلا الطيب، فأنزل الله تعالى تصديقا لقوله صلى الله عليه وسلم - قل لا يستوي الخبيث والطيب
ولو أعجبك كثرة الخبيث -.
* قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) الآية.
أخبرنا عمر بن أبي عمر المزكى قال: حدثنا محمد بن مكى قال حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري قال: حدثنا الفضل بن سهل قال: حدثنا أبو النضر قال: حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا أبو جويرية عن ابن عباس قال: كان قوم يسألون النبي صلى الله عليه وسلم استهزاء، فيقول الرجل التي تضل ناقته: أين ناقتي ؟ فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية - يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم - حتى فرغ من الآيات كلها.
أخبرنا أبو سعد المنصوري قال: أخبرنا أبو بكر القطيعي قال: حدثنا عبد الله ابن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: حدثنا منصور بن أبي زيد أن الازدي

قال حدثنا علي بن عبد الاعلى، عن أبيه، عن أبى البحترى، عن علي بن أبى طالب رضى الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية - ولله على الناس حج البيت - قالوا: يا رسول الله أفي كل عام فسكت، ثم قالوا: أفي كل عام ! فسكت، ثم قال في الرابعة: لا، ولو قلت نعم لوجبت، فأنزل الله تعالى - يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم - -.
* قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) الآية.
قال الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل هجر وعليهم منذر بن ساوى يدعوهم إلى الاسلام، فإن أبو ا فليؤدوا الجزية، فلما أتاه الكتاب عرضه على من عنده من العرب واليهود والنصارى والصابئين والمجوس، فأقروا بالجزية وكرهوا الاسلام، وكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما العرب فلا تقبل منهم إلا الاسلام أو السيف، وأما أهل الكتاب
والمجوس فاقبل منهم الجزية، فلما قرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلمت العرب، وأما أهل الكتاب والمجوس فأعطوا الجزية، فقال منافقوا العرب: عجبا من محمد يزعم أن الله بعثه ليقاتل الناس كافة حتى يسلموا ولا يقبل الجزية إلا من أهل الكتاب، فلا نراه إلا قبل من مشركي أهل هجر مارد على مشركي العرب، فأنزل الله تعالى - عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم - يعني من ضل من أهل الكتاب.
* قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم) الآية.
أخبرنا أبو سعد ابن أبي بكر الغازي قال: أخبرنا أبو عمرو بن حمدان قال: أخبرنا أبو يعلى قال: حدثنا الحارث بن شريح قال: حدثنا يحيى بن زكريا بن أبى زائدة قال: حدثنا محمد بن القاسم، عبد الملك بن سعيد بن جبير، عن أبيه، عن ابن عباس قال: كان تميم الداري وعدي ابن زيد يختلفان إلى مكة، فصحبهما رجل من قريش من بني سهم، فمات بأرض ليس بها أحد من المسلمين، فأوصى إليهما بتركته، فلما قدما دفعاها إلى أهله وكتما جاما كان معه

من فضة كان مخوصا بالذهب فقالا: لم نره فأتى بهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستحلفهما بالله ما كتما ولا اطلعا وخلى سبيلهما، ثم إن الجام وجد عند قوم من أهل مكة، فقالوا: ابتعناه من تميم الداري وعدي بن زيد، فقام أولياء السهمي فأخذوا الجام وحلف رجلان منهم بالله إن هذا الجام جام صاحبنا، وشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا، فنزلت هاتان الآيتان - يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت - إلى آخرها.
سورة الانعام بسم الله الرحمن الرحيم * قوله تعالى: (ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس) الآية.
قال الكلبي إن
مشركي مكة قالوا: يا محمد والله لا نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من عند الله ومعه أربعة من الملائكة يشهدون أنه من عند الله وأنك رسوله فنزلت هذه الآية.
* قوله تعالى: (وله ما سكن في الليل والنهار) الآية.
قال الكلبي عن ابن عباس: إن كفار مكة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد إنا قد علمنا أنه إنما يحملك على ما تدعو إليه الحاجة، فنحن نجعل لك نصيبا في أموالنا حتى تكون أغنانا رجلا وترجع عما أنت عليه، فنزلت هذه الآية.
* قوله تعالى: (قل أي شئ أكبر شهادة) الآية.
قال الكلبي: إن رؤساء مكة قالوا: يا محمد ما نرى أحدا يصدقك بما تقول من أمر الرسالة، ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا أن ليس لك عندهم ذكر ولا صفة، فأرنا من يشهد لك أنك رسول كما تزعم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى: (ومنهم من يستمع إليك) الآية.
قال ابن عباس في رواية أبي طالح: إن أبا سفيان بن حرب والوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث، وعتبة وشيبة

ابني ربيعة، وأمية وأبيا ابني خلف، استمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا للنضر: يا أبا قتيلة ما يقول محمد ؟ قال: والذي جعلها بيته ما أدري ما يقول، إلا أني أرى يحرك شفتيه يتكلم بشئ وما يقول إلا أساطير الاولين مثل ما كنت أحدثكم عن القرون الماضية، وكان النضر كثير الحديث عن القرون الاول، وكان يحدث قريشا فيستملحون حديثه، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى: (وهم ينهون عنه وينأون عنه) أخبرنا عبد الرحمن بن عبدان قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن نعيم قال: حدثنا علي بن حمشاذ قال: حدثنا محمد بن منده الاصفهاني قال: حدثنا بكر بن بكار قال: حدثنا حمزة بن حبيب، عن حبيب ابن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله - وهم ينهون عنه وينأون عنه - قال: نزلت في أبي طالب كان ينهى المشركين أن يؤذوا رسول الله صلى الله
عليه وسلم ويتباعد عما جاء به، وهذا قول عمرو بن دينار والقاسم بن مخيمر.
قال مقاتل: وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أبي طالب يدعوه إلى الاسلام، فاجتمعت قريش إلى أبي طالب يردون سؤال النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو طالب: والله لا وصلوا إليك بجمعهم * حتى أوسد في التراب دفينا فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة * * وابشر وقر بذاك منك عيونا وعرضت دينا لا محالة أنه * من خير أديان البرية دينا لولا الملامة أو حذاري سبة * لوجدتني سمحا بذاك مبينا فأنزل الله تعالى - وهم ينهون عنه - الآية.
وقال محمد بن الحنفية والسدى والضحاك: نزلت في كفار مكة كانوا ينهون الناس عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم ويتباعدون بأنفسهم عنه، وهو قول ابن عباس في رواية الوالبى.
* قوله تعالى: (إنه ليحزنك الذي يقولون) الآية.
قال السدى: التقى

الاخنس بن شريق وأبو جهل بن هشام، فقال الاخنس لابي جهل: يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب ؟ فإنه ليس هنا من يسمع كلامك غيري، فقال أبو جهل: والله إن محمدا لصادق وما كذب محمد قط، ولكن إذا ذهب بنو قصى باللواء والسقاية والحجابة والندوة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال أبو ميسرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بأبي جهل وأصحابه فقالوا: يا محمد إنا والله ما نكذبك، وإنك عندنا لصادق، ولكن نكذب ما جئت به، فنزلت - فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون - وقال مقاتل: نزلت في الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف بن قصى بن كلاب كان يكذب النبي صلى الله عليه وسلم في العلانية وإذا خلا مع أهل بيته قال: ما محمد من أهل الكذب ولا أحسبه
إلا صادقا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى: (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) الآية.
أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا زاهر بن أحمد قال: أخبرنا الحسين بن محمد بن مصعب قال: حدثنا يحيى بن حكيم قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا قيس بن الربيع، عن المقدام بن شريح عن أبيه عن سعد قال: نزلت هذه الآية فينا ستة في وفي ابن مسعود وصهيب وعمار والمقداد وبلال، قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لا نرضى أن نكون أتباعا لهؤلاء فاطردهم، فدخل قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ما شاء الله أن يدخل، فأنزل الله تعالى عليه - ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه - الآية.
رواه مسلم، عن زهير بن حرب، عن عبد الرحمن، عن سفيان، عن المقدام.
أخبرنا أبو عبد الرحمن قال: أخبرنا أبو بكر بن زكريا الشيباني قال: أخبرنا أبو العباس محمد بن عبد الرحمن قال: حدثنا أبو صالح الحسين بن الفرج قال: حدثنا (10 - أسباب النزول)

محمد بن مقاتل المروزي قال: حدثنا حكيم بن زيد قال: حدثنا السدى، عن أبي سعيد، عن أبي الكنود، عن خباب بن الارت قال: فينا نزلت، كنا ضعفاء عند النبي صلى الله عليه وسلم بالغداة والعشي، فعلمنا القرآن والخير، وكان يخوفنا بالجنة والنار وما ينفعنا والموت والبعث، فجاء الاقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري فقالا: إنا من أشراف قومنا وإنا نكره أن يرونا معهم فاطردهم إذا جالسناك، قال: نعم، قالوا: لا نرضى حتى نكتب بيننا كتابا، فأتى بأديم ودواة، فنزلت هؤلاء الآيات - ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه - إلى قوله تعالى - فتنا بعضهم ببعض -.
أخبرنا أبو بكر الحارثي قال: أخبرنا أبو محمد بن حيان قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا أسباط بن محمد بن أشعث، عن كركوس، عن ابن مسعود قال: مر الملا من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده خباب بن الارت وصهيب وبلال وعمار، قالوا: يا محمد رضيت بهؤلاء ؟ أتريد أن نكون تبعا لهؤلاء، فأنزل الله تعالى - ولا تطرد الذين يدعون ربهم - وبهذا الاسناد قال: حدثنا عبد الله، عن جعفر عن الربيع قال كان رجال يسبقون إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم بلال وصهيب وسلمان، فيجئ أشراف قومه وسادتهم، وقد أخذوا هؤلاء المجلس فيجلسون إليه، فقالوا: صهيب رومي وسلمان فارسي وبلال حبشي يجلسون عنده ونحن نجئ ونجلس ناحية، وذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: إنا سادة قومك وأشرافهم فلو أدنيتنا منك إذا جئنا، فهم أن يفعل، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال عكرمة: جاء عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ومطعم بن عدي والحارث ابن نوفل في أشراف بني عبد مناف من أهل الكفر إلى أبي طالب فقالوا: لو أن ابن أخيك محمدا يطرد عنه موالينا وعبيدنا وعسفاءنا كان أعظم في صدورنا، وأطوع له عندنا وأدنى لاتباعنا إياه وتصديقنا له، فأتى أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم

فحدثه بالذي كلموه، فقال عمر بن الخطاب: لو فعلت ذلك حتى ننظر ما الذي يريدون وإلام يصيرون من قولهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فلما نزلت أقبل عمر بن الخطاب يعتذر من مقالته.
* قوله تعالى: (وإذا جاءنا الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم) الآية.
قال عكرمة: نزلت في الذين نهى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن طردهم، فكان إذا رآهم النبي صلى الله عليه وسلم بدأهم بالسلام وقال: الحمد لله الذي جعل
في أمتي من أمرني أن أبدأهم بالسلام.
وقال ماهان الحنفي: أتى قوم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا أصبنا ذنوبا عظاما، فما إخاله رد عليهم بشئ، فلما ذهبوا وتولوا نزلت هذه الآية - وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا -.
* قوله تعالى: (قل إني على بينة من ربي) الآية.
قال الكلبي: نزلت في النضر بن الحارث ورؤساء قريش كانوا يقولون: يا محمد ائتنا بالعذاب الذي تعدنا به استهزاء منهم، فنزلت هذه الآية.
* قوله تعالى: (وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شئ) قال ابن عباس في رواية الوالبي: قالت اليهود: يا محمد أنزل الله عليك كتابا، قال: نعم قالوا: والله ما أنزل الله من السماء كتابا فأنزل الله تعالى - قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس - وقال محمد بن كعب القرظى: أمر الله محمدا صلى الله عليه وسلم أن يسأل أهل الكتاب عن أمره وكيف يجدونه في كتبهم، فحملهم حسد محمد أن كفروا بكتاب الله ورسوله، وقالوا: ما أنزل الله على بشر من شئ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال سعيد بن جبير: جاء رجل من اليهود يقال له مالك بن الصيف، فخاصم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى أما تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين، وكان حبرا سمينا، فغضب

وقال: والله ما أنزل الله على بشر من شئ، فقال له أصحابه الذين معه، ويحك ولا على موسى ؟ فقال: والله ما أنزل الله على بشر من شئ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى: (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحى إلي) الآية.
نزلت في مسيلمة الكذاب الحنفي كان يسجع ويتكهن ويدعى النبوة، ويزعم
أن الله أوحى إليه.
* قوله تعالى: (ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله) نزلت في عبد الله بن سعد ابن أبي سرح كان قد تكلم بالاسلام، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم يكتب له شيئا، فلما نزلت الآية التي في المؤمنين - ولقد خلقنا الانسان من سلالة - أملاها عليه، فلما انتهى إلى قوله - ثم أنشأناه خلقا آخر - عجب عبد الله في تفصيل خلق الانسان، فقال: تبارك الله أحسن الخالقين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هكذا أنزلت علي، فشك عبد الله حينئذ وقال: لئن كان محمد صادقا لقد أوحى إلي كما أوحى إليه، ولئن كان كاذبا لقد قلت كما قال، وذلك قوله - ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله - وارتد عن الاسلام، وهذا قول ابن عباس في رواية الكلبي.
أخبرنا عبد الرحمن بن عبد ان قال: حدثنا محمد بن عبد الله قال: حدثني محمد ابن يعقوب الاموي قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال: حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال: حدثني شرحبيل بن سعد قال: نزلت في عبد الله بن سعد بن سرح قال: سأنزل مثل ما أنزل الله، وارتد عن الاسلام، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة أتى به عثمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستأمن له * قوله تعالى: (وجعلوا لله شركاء الجن) قال الكلبي: نزلت هذه الآية في الزنادقة، قالوا: إن الله تعالى وإبليس أخوان، والله خالق الناس والدواب وإبليس خالق الحيات والسباع والعقارب، فذلك قوله تعالى - وجعلوا لله شركاء الجن - * قوله تعالى: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا

بغير علم) قال ابن عباس في رواية الوالبى: قالوا: يا محمد لتنتهين عن سبك آلهتنا أو لنهجون ربك، فنهى الله أن يسبوا أوثانهم فيسبوا الله عدوا بغير علم.
وقال قتادة: كان المسلمون يسبون أوثان الكفار فيردون ذلك عليهم، فنهاهم الله
تعالى أن يستسبوا لربهم قوما جهلة لا علم لهم بالله.
وقال السدى: لما حضرت أبا طالب الوفاة قالت قريش: انطلقوا فلندخل على هذا الرجل فلنأمرنه أن ينهى عنا ابن أخيه، فإنا نستحي أن نقتله بعد موته، فتقول العرب: كان يمنعه فلما مات قتلوه، فانطلق أبو سفيان وأبو جهل والنضر بن الحارث وأمية وأبي ابنا خلف وعقبة بن أبي معيط وعمرو بن العاص والاسود بن البخترى إلى أبي طالب، فقالوا: أنت كبيرنا وسيدنا وإن محمدا قد آذانا وآذى آلهتنا، فنحب أن تدعوه فتنهاه عن ذكر آلهتنا ولندعه وإلهه، فدعاه فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له أبو طالب: هؤلاء قومك وبنو عمك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا يريدون ؟ فقالوا: نريد أن تدعنا وآلهتنا وندعك وإلهك، فقال أبو طالب: قد أنصفك قومك فاقبل منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيتم إن أعطيتكم هذا هل أنتم معطي كلمة إن تكلمتم بها ملكتم العرب ودانت لكم بها العجم ؟ قال أبو حهل: نعم وأبيك لنعطينكها وعشر أمثالها، فما هي، قال: قولوا: لا إله إلا الله، فأبوا واشمأزوا، فقال أبو طالب: قل غيرها يا ابن أخي فإن قومك قد فزعوا منها، فقال: يا عم ما أنا بالذي أقول غيرها ولو أتوني بالشمس فوضعوها في يدي ما قلت غيرها، فقالوا: لتكفن عن شتمك آلهتنا أو لنشتمك ونشتم من يأمرك، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى: (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها) الآيات إلى قوله تعالى - ولكن أكثرهم يجهلون - أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل قال: حدثنا محمد بن يعقوب الاموي قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال: حدثنا يونس ابن بكير عن أبي معشر، عن محمد بن كعب قال: كلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم

قريش فقالوا: يا محمد تخبرنا أن موسى عليه السلام كانت معه عصا ضرب بها الحجر
فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، وأن عيسى عليه السلام كان يحيى الموتى، وأن ثمود كانت لهم ناقة فأتنا ببعض تلك الآيات حتى نصدقك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أي شئ تحبون أن آتيكم به فقالوا: تجعل لنا الصفا ذهبا قال: فإن فعلت تصدقوني، قالوا: نعم والله لئن فعلت لنتبعنك أجمعين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو، فجاءه جبريل عليه السلام وقال: إن شئت أصبح الصفا ذهبا ولكني لم أرسل آية فلم يصدق بها إلا أنزلت العذاب وإن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتركهم حتى يتوب تائبهم فأنزل الله تعالى - وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها - إلى قوله - ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله -.
* قوله تعالى: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) الآية.
قال المشركون يا محمد أخبرنا عن الشاة إذا ماتت من قتلها، قال الله قتلها، قالوا: فتزعم أن ما قتلت أنت وأصحابك حلال، وما قتل الكلب والصقر حلال، وما قتله الله حرام، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال عكرمة: إن المجوس من أهل فارس لما أنزل الله تعالى تحريم الميتة كتبوا إلى مشركي قريش، وكانوا أولياءهم في الجاهلية، وكانت بينهم مكاتبة، أن محمدا وأصحابه يزعمون أنهم يتبعون أمر الله، ثم يزعمون أن ما ذبحوا فهو حلال، وما ذبح الله فهو حرام، فوقع في أنفس ناس من المسلمين من ذلك شئ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى: (أو من كان ميتا فأحييناه) الآية.
قال ابن عباس: يريد حمزة بن عبد المطلب وأبا جهل، وذلك أن أبا جهل رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بفرث وحمزة لم يؤمن بعد.
، فأخبر حمزة بما فعل أبو جهل وهو راجع من قنصه وبيده قوس، فأقبل غضبان حتى علا أبا جهل بالقوس وهو يتضرع إليه ويقول:

يا أبا يعلى أما ترى ما جاء به سفه عقولنا وسب آلهتنا وخالف آباءنا ؟ قال حمزة: ومن أسفه منكم تعبدون الحجارة من دون الله، أشهد أن لا إله إلا الله لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أبو بكر الحارثى قال: أخبرنا أبو محمد بن حيان قال: حدثنا عبد الله ابن محمد بن يعقوب والوليد بن أبان قالا حدثنا أبو حاتم قال: حدثنا أبو تقى قال: حدثنا بقية بن الوليد قال: حدثنا ميسر بن عقيل عن زيد بن أسلم في قوله عز وجل - أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس - - قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه، كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها - قال أبو جهل بن هشام.
سورة الاعراف (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله تعالى: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) أخبرنا سعيد بن محمد العدل قال: أخبرنا أبو عمرو بن حمدان قال: أخبرنا الحسن بن سفيان قال: حدثنا الحسن بن حماد الوراق قال: أخبرنا أبو يحيى الحماني، عن نصر بن الحسن، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان ناس من الاعراب يطوفون بالبيت عراة حتى أن كانت المرأة لتطوف بالبيت وهي عريانة، فتعلق على سفلاها سيورا مثل هذه السيور التي تكون على وجوه الحمر من الذباب وهي تقول: اليوم يبدو بعضه أو كله * وما بدا منه فلا أحله فأنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم - يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد - فأمروا بلبس الثياب.
أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد العطار قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا محمد بن يعقوب المعقلي قال: حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال: حدثنا أبو داود الطيالسي قال: حدثنا شعبة عن سلمة بن كهيل قال مسلم البطين يحدث، عن سعيد بن جبير،

عن ابن عباس قال: كانت المرأة تطوف بالبيت في الجاهلية وهى عريانة وعلى فرجها خرقة وهي تقول: اليوم يبدو بعضه أو كله * وما بدا منه فلا أحله فنزلت - خذوا زينتكم عند كل مسجد - ونزلت - قل من حرم زينة الله - الآيتان.
رواه مسلم عن بندار، عن غندر، عن شعبة.
أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله حمدون قال: أخبرنا أحمد بن الحسن الحافظ قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدثني أخي، عن سليمان بن بلال، عن محمد بن أبي عتيق، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: كانوا إذا حجوا فأفاضوا من منى لا يصلح لاحد منهم في دينهم الذي أشرعوا أن يطوف في ثوبيه، فأيهم طاف ألقاهما حتى يقضي طوافه وكان عاريا، فأنزل الله تعالى فيهم - يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد - إلى قوله تعالى - يعلمون - أنزلت في شأن الذين يطوفون بالبيت عراة قال الكلبي: كان أهل الجاهلية لا يأكلون من الطعام إلا قوتا، ولا يأكلون دسما في أيام حجهم، يعظمون بذلك حجهم، فقال المسلمون: يا رسول الله نحن أحق بذلك، فأنزل الله تعالى - وكلوا - أي اللحم والدسم - واشربوا -.
* قوله تعالى: (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها) الآية.
قال ابن مسعود: نزلت في بلعم بن باعورا رجل من بني إسرائيل.
وقال ابن عباس وغيره من المفسرين: هو بلعم بن باعورا.
وقال الوالبي: هو رجل من مدينة الجبارين يقال له بلعم، وكان يعلم اسم الله الاعظم، فلما نزل بهم موسى عليه السلام أتاه بنو عمه وقومه وقالوا: إن موسى رجل حديد ومعه جنود كثيرة، وإنه إن يظهر علينا يهلكنا، فادع الله أن يرد عنا موسى ومن معه، قال: إني إن دعوت الله أن يرد موسى ومن معه ذهبت دنياي وآخرتي، فلم يزالوا به حتى دعا عليهم، فسلخه مما كان عليه، فذلك
قوله - فانسلخ منها -.

وقال عبد الله بن عمرو بن العاص وزيد بن أسلم: نزلت في أمية بن أبي الصلت الثقفي، وكان قد قرأ الكتب وعلم أن الله مرسل رسولا في ذلك الوقت ورجا أن يكون هو ذلك الرسول، فلما أرسل محمدا صلى الله عليه وآله حسده وكفر به.
وروى عكرمة عن ابن عباس في هذه الآية قال: هو رجل أعطى ثلاث دعوات يستجاب له فيها كانت له امرأة يقال لها البسوس، وكان له منها ولد وكانت له محبة، فقالت: اجعل لي منها دعوة واحدة، قال: لك واحدة فماذا تأمرين، قالت: ادع الله أن يجعلني أجمل امرأة في بني إسرائيل، فلما علمت أن ليس فيهم مثلها رغبت عنه وأرادت شيئا آخر، فدعا الله عليها أن يجعلها كلبة نباحة فذهبت فيها دعوتان وجاء بنوها فقالوا: ليس لنا على هذا قرار، قد صارت أمنا كلبة نباحة يعيرنا بها الناس، فادع الله أن يردها إلى الحال التي كانت عليها فدعا الله فعادت كما كانت، وذهبت الدعوات الثلاث وهي البسوس، وبها يضرب المثل في الشؤم فيقال: أشأم من البسوس.
* قوله تعالى: (يسألونك عن الساعة أيان مرساها) قال ابن عباس: قال جبل بن أبي قشير وشموال بن زيد من اليهود: يا محمد أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيا فإنا نعلم متى هي، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال قتادة: قالت قريش لمحمد: إن بيننا وبينك قرابة فأسر إلينا متى تكون الساعة ؟ فأنزل الله تعالى - يسألونك عن الساعة -.
أخبرنا أبو سعيد بن أبي بكر الوراق قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن حمدان قال: حدثنا أبو يعلى قال: حدثنا عقبة بن مكرم قال: حدثنا يونس قال: حدثنا عبد الغفار ابن القاسم، عن أبان بن لقيط، عن قرظة بن حسان قال: سمعت أبا موسى في يوم جمعة على منبر البصرة يقول: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة وأنا شاهد،
فقال: لا يعلمها إلا الله، لا يجليها لوقتها إلا هو، ولكن سأحدثكم بأشراطها وما بين يديها إن بين يديها ردما من الفتن وهرجا فقيل، وما الهرج يا رسول الله ؟ قال: هو بلسان الحبشة القتل، وأن تحصر قلوب الناس، وأن يلقى بينهم التناكر فلا يكاد أحد

يعرف أحدا، ويرفع ذوو الحجى، وتبقى رجاجة من الناس لا تعرف معروفا ولا تنكر منكرا.
* قوله تعالى: (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا) الآية.
قال الكلبي: إن أهل مكة قالوا: يا محمد ألا يخبرك ربك بالسعر الرخيص قبل أن يغلو فتشتري فتربح، وبالارض التي يريد أن تجدب فترحل عنها إلى ما قد أخصب، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى: (هو الذي خلقكم من نفس واحدة) إلى قوله تعالى) " وهم يخلقون " قال مجاهد: كان لا يعيش لآدم وامرأته ولد، فقال لهما الشيطان: إذا ولد لكما ولد، فسمياه عبد الحرث، وكان اسم الشيطان قبل ذلك الحرث، ففعلا، فذلك قوله تعالى - فلما أتاهما صالحا جعلا له شركاء - الآية.
قوله تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا).
أخبرنا أبو منصور المنصوري قال: أخبرنا عبد الله بن عامر قال: حدثني زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي هريرة في هذه الآية - وإذا قرئ القرآن - قال: نزلت في رفع الاصوات وهم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة وقال قتادة: كانوا يتكلمون في صلاتهم في أول ما فرضت، كان الرجل يجئ فيقول لصاحبه: كم صليتم ؟ فيقول كذا وكذا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال الزهري: نزلت في فتى من الانصار كان رسول الله عليه الصلاة والسلام كلما قرأ شيئا قرأ هو، فنزلت هذه الآية.
وقال ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة المكتوبة، وقرأ
أصحابه وراءه رافعين أصواتهم، فخلطوا عليه، فنزلت هذه الآية.
وقال سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء وعمرو بن دينار وجماعة: نزلت في الانصات للامام في الخطبة يوم الجمعة.

سورة الانفال (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله تعالى: (يسئلونك عن الانفال قل الانفال لله والرسول) الآية.
أخبرنا أبو سعد النضروى قال: أخبرنا أبو بكر القطيعي قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا أبو إسحاق الشيباني، عن محمد بن عبد الله الثقفي، عن سعد بن أبي وقاص قال: لما كان يوم بدر قتل أخي عمير وقتل سعيد بن العاص وأخذت سيفه، وكان يسمى ذا الكتيفة، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم قال: اذهب فاطرحه في القبض، قال: فرجعت وبى ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي، فما جاوزت إلا قريبا حتى نزلت سورة الانفال، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب فخذ سيفك.
وقال عكرمة عن ابن عباس: لما كان يوم بدر، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من فعل كذا وكذا فعله كذا وكذا، فذهب شباب الرجال وجلس الشيوخ تحت الرايات، فلما كانت الغنيمة جاء الشباب يطلبون نفلهم، فقال الشيوخ: لا تستأثروا علينا فإنا كنا تحت الرايات ولو انهزمتم كنا لكم ردما، فأنزل الله تعالى - يسألونك عن الانفال - فقسمها بينهما بالسواء.
أخبرنا أبو بكر الحارث قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال: حدثنا أبو يحيى قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا يحيى بن زائدة، عن أبي الزناد، عن عبد الرحمن ابن الحرث، عن سليمان بن موسى الاشدق، عن مكحول، عن أبي سلام الباهلي، عن أبي أمامة الباهلي، عن عباد بن الصامت قال: لما هزم العدو يوم واتبعتهم طائفة
يقتلونهم وأحدقت طائفة برسول الله عليه الصلاة والسلام، واستولت طائفة على العسكر والنهب، فلما نفى الله العدو، ورجع الذين طلبوهم وقالوا: لنا النفل بحسن طلبنا العدو وبنا نفاهم وهزمهم، وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما أنتم بأحق به منا نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينال العدو منه

غرة فهو لنا، وقال الذين استولوا على العسكر والنهب: والله أنتم بأحق به منا نحن أخذناه واستولينا عليه فهو لنا، فأنزل الله تعالى - يسألونك عن الانفال - فقسمه رسول الله عليه الصلاة والسلام بالسوية.
* قوله تعالى: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) أخبرنا عبد الرحمن ابن أحمد العطار قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن محمد البياع قال: أخبرني إسماعيل ابن محمد بن الفضل الشعرانى قال: حدثني جدى قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامى قال: حدثنا محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب، عن أبيه قال: أقبل أبي بن خلف يوم أحد إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريده، فاعترض له رجال من المؤمنين، فأمرهم رسول الله عليه الصلاة والسلام فخلوا سبيله فاستقبله مصعب بن عمير أحد بني عبد الدار، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترقوه أبي من فرجة بين سابغة البيضة والدرع، فطعنه بحربته فسقط أبي عن فرسه ولم يخرج من طعنته دم، وكسر ضلعا من أضلاعه، فأتاه أصحابه وهو يخور خوار الثور، فقالوا له: ما أعجزك إنما هو خدش، فقال: والذي نفسي بيده لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعين، فمات أبي إلى النار، فسحقا لاصحاب السعير قبل أن يقدم مكة، فأنزل الله تعالى ذلك - وما رميت إذا (إذ) رميت ولكن الله رمى -.
وروى صفوان بن عمرو عن عبد العزيز بن جبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر دعا بقوس، فأتى بقوس طويلة، فقال: جيؤوني بقوس غيرها، فجاءوه بقوس
كبداء، فرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحصن، فأقبل السهم يهوي حتى قتل كنانة بن أبى الحقيق وهو على فراشه، فأنزل الله تعالى - وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى -.
وأكثر أهل التفسير أن الآية نزلت في رمى النبي عليه الصلاة والسلام القبضة من حصباء الوادي يوم بدر حين قال للمشركين: شاهت الوجوه ورما هم بتلك القبضة، فلم يبق عين مشرك إلا دخلها منه شئ.

قال حكيم كان يوم بدر سمعنا صوتا وقع من السما ء إلى الارض كأنه صوت حصاة بن حزام: لما وقعت في طست، ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الحصاة فانهزمنا، فذلك قوله تعالى - وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى -.
* قوله تعالى: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل التاجر قال: أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال: حدثنا أبي، عن صالح، عن ابن شهاب قال: حدثنى عبد الله بن ثعلبة بن صغير قال: كان المستفتح أبا جهل، وإنه قال حين التقى بالقوم: اللهم أينا كان أقطع للرحم وأتانا بما لم نعرف فافتح له الغداة، وكان ذلك استفتاحه، فأنزل الله تعالى - إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح - إلى قوله تعالى - وإن الله مع المؤمنين - رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن القطيعي، عن ابن حنبل، عن أبيه، عن يعقوب.
قال السدى والكلبي: كان المشركون حين خرجوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من مكة أخذوا بأستار الكعبة وقالوا: اللهم انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين وأفضل الدينين، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال عكرمة: قال المشركون: اللهم لا نعرف ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم
فافتح بيننا وبينه بالحق، فأنزل الله تعالى - إن تستفتحوا - الآية.
* قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول) الآية.
نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر الانصاري، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر يهود قريظة إحدى وعشرين ليلة، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلح على ما صالح عليه إخوانهم من بني النضير على أن يسيروا إلى إخوانهم بأذرعات وأريحا من أرض الشام، فأبى أن يعطيهم ذلك إلى أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ، فأبوا وقالوا: أرسل إلينا أبا لبابة، وكان مناصحا لهم، لان عياله وما له وولده كانت عندهم، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاهم فقالوا: يا أبا لبابة ما ترى، أننزل على حكم سعد

ابن معاذ ؟ فأشار أبو لبابة بيده إلى حلقه إنه الذبح فلا تفعلوا، قال أبو لبابة: والله ما زالت قدما ي حتى علمت أني قد خنت الله ورسوله، فنزلت فيه هذه الآية، فلما نزلت شد نفسه على سارية من سواري المسجد وقال: والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت أو يتوب الله علي فمكث سبعة أيام لا يذوق فيها طعاما حتى خر مغشيا عليه، ثم تاب الله عليه، فقيل له: يا أبا لبابة قد تيب عليك، فقال: لا والله لا أحل نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلني، فجاءه فحله بيده، ثم قال أبو لبابة: إن من تما م توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب، وأن أنخلع من ما لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يجزيك الثلث أن تتصدق به.
* قوله تعالى: (وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق) الآية.
قال أهل التفسير: نزلت في النضر بن الحارث، وهو الذي قال: إن كان ما يقوله محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السما ء.
أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: حدثنا محمد بن يعقوب الشيباني قال: حدثنا أحمد بن النضر بن عبد الوهاب
قال: حدثنا عبيد الله بن معاذ قال: حدثنا أبي قال: حدثنا شعبة، عن عبد الحميد صاحب الزيادي سمع أنس بن ما لك يقول: قال أبو جهل: اللهم أن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السما ء أو ائتنا بعذاب أليم، فنزل - وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم - الآية.
ورواه البخاري عن أحمد بن النضر.
ورواه مسلم عن عبد الله بن معاذ.
* قوله تعالى: (وما كان صلاتهم عند البيت) أخبرنا أبو إسما عيل بن أبي عمرو النيسابوري قال: أخبرنا حمزة بن شبيب المعمري قال: أخبرنا عبيدالله بن إبراهيم بن بالويه قال: حدثنا أبو المنبئ معاذ بن منبئ قال: حدثنا عمرو قال: حدثنا أبي قال: حدثنا قرة عن عطية، عن ابن عمر قال: كانوا يطوفون بالبيت ويصفقون، ووصف

الصفق بيده، ويصفرون، ووصف صغيرهم، ويضعون خدودهم بالارض، فنزلت هذه الآية.
* قوله تعالى: (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله) الآية.
قال مقاتل.
والكلبي: نزلت في المطعمين يوم بدر، وكانوا اثنى عشر رجلا أبو جهل بن هشام وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ونبيه ومنبه ابنا حجاج وأبو البحترى ابن هشام والنضر بن الحارث وحكيم بن حزام وأبي بن خلف وزمعة بن الاسود والحرث بن عامر بن نوفل والعباس بن عبد المطلب، وكلهم من قريش، وكان يطعم كل واحد منهم كل يوم عشرة جزور.
وقال سعيد بن جبير وابن أبزى: نزلت في أبي سفيان بن حرب، استأجر يوم أحد ألفين من الاحابيش يقاتل بهم النبي صلى الله عليه وسلم سوى من استجاب له من العرب، وفيهم يقول كعب بن ما لك: فجئنا إلى موج من البحر وسطه * أحابيش منهم حاسر ومقنع
ثلاثة آلاف ونحن بقية * ثلاث مئين إن كثرنا فأربع وقال الحكم بن عتبة: أنفق أبو سفيان على المشركين يوم أحد أربعين أوقية فنزلت فيه الآية.
وقال محمد بن إسحاق عن رجاله: لما أصيبت قريش يوم بدر فرجع فلهم إلى مكة ورجع أبو سفيان بعيره، مشى عبد الله بن أبي ربيعة وعكرمة بن أبي جهل وصفوان ابن أمية في رجال من قريش أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم ببدر، فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كانت له في تلك العير تجارة، فقالوا: يا معشر قريش إن محمدا قد وتركم وقتل خياركم، فأعينونا بهذا الما ل الذي أفلت على حربه لعلنا ندرك منه ثأرا بمن أصيب منا، ففعلوا، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.
* قوله تعالى: (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) أخبرنا

أبو بكر بن الحرث قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: حدثنا أحمد بن عمرو ابن عبد الخالق قال: حدثنا صفوان بن المغلس قال: حدثنا إسحاق بن بشر قال: حدثنا خلف بن خليفة عن ابن هشام الزما ني، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة وثلاثون رجلا، ثم إن عمر أسلم فصاروا أربعين، فنزل جبريل عليه السلام بقوله تعالى - يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين -.
* قوله تعالى: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الارض) الآية.
قال مجاهد: كان عمر بن الخطاب يرى الرأي فيوافق رأيه ما يجئ من السما ء، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشار في أسارى بدر فقال المسلمون بنو عمك أفدهم، قال عمر: لا يا رسول الله اقتلهم، قال: فنزلت هذه الآية - ما كان لنبي أن يكون له أسرى -.
وقال ابن عمر: استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاسارى أبا بكر فقال: قومك وعشيرتك خل سبيلهم، واستشار عمر فقال: اقتلهم، ففاداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى - ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الارض - إلى قوله تعالى - فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا - قال: تلقى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كاد أن يصيبنا في خلافك بلاء.
أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين الحيرى قال: أخبرنا حاجب بن أحمد قال: حدثنا محمد بن حما د قال: حدثنا أبو معاوية عن الاعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبى عبيدة عن عبد الله قال: لما كان يوم بدر وجئ بالاسرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تقولون في هؤلاء الاسرى ؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله قومك وأصلك استبقهم واستأن بهم لعل الله عز وجل يتوب عليهم، وقال عمر كذبوك وأخرجوك فقدمهم فاضرب أعناقهم، وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله انظر واديا كثير الحطب فأدخلهم فيه، ثم اضرم عليهم نارا، فقال العباس: قطعت رحمك، فسكت

رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجبهم، ثم دخل فقال ناس: يأخذ بقول أبي بكر، وقال ناس يأخذ بقول عمر، وقال ناس: يأخذ بقول عبد الله، ثم خرج عليهم فقال: إن الله عز وجل ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله عز وجل ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة، وأن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم قال - من تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم - وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى قال - إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم - وإن مثلك يا عمر كمثل موسى قال: ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم ومثلك يا عمر كمثل نوح قال - رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا - ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتم اليوم عالة أنتم اليوم عالة، فلا ينقلبن منهم أحد
إلا بفداء أو ضرب عنق، قال: فأنزل الله عز وجل - ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الارض - إلى آخر الآيات الثلاث.
أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثنى أبي قال: حدثنا أبو نوح قراد قال: حدثنا عكرمة بن عما ر قال: حدثنا سما ك الحنفي أبو زميل قال: حدثني ابن عباس قال: حدثني عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر والتقوا فهزم الله المشركين وقتل منهم سبعون رجلان وأسر سبعون رجلا استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وعليا، فقال أبو بكر: يا رسول الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والاخوان، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذنا منهم قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ترى يا ابن الخطاب، قال: قلت والله ما أرى ما رأى أبو بكر ولكن أن تمكنني من فلان قريب لعمر فأضرب عنقه، وتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه حتى يعلم الله عز وجل أنه ليس في قلوبنا موادة للمشركين، هؤلاء صناديدهم (11 - أسباب النزول)

وأئمتهم وقادتهم، فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت فأخذ منهم الفداء، فلما كان من الغد قال عمر: غدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو قاعد وأبو بكر الصديق وإذا هما يبكيان فقلت: يا رسول الله أخبرني ما ذا يبكيك أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ابكى للذي عرض على أصحابك من الفداء، لقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة، وأنزل الله عز وجل - ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الارض - إلى قوله - لولا كتاب من الله سبق لمسكم
فيما أخذتم (من الفداء) عذاب عظيم - رواه مسلم في الصحيح عن هناد بن السرى، عن ابن المبارك، عن عكرمة بن عما رة.
* قوله تعالى: (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الاسرى) الآية.
قال الكلبي: نزلت في العباس بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحرث، وكان العباس أسر يوم بدر ومعه عشرون أوقية من الذهب كان خرج بها معه إلى بدر ليطعم بها الناس، وكان أحد العشرة الذين ضمنوا إطعام أهل بدر، ولم يكن بلغته النوبة حتى أسر، فأخذت معه وأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، قال: فكلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل لي العشرين الاوقية الذهب التي أخذها مني من فدائي، فأبى علي وقال: أما شئ خرجت تستعين به علينا فلا، وكلفني فداء ابن أخي عقيل بن أبي طالب عشرين أوقية من فضة، فقلت له: تركتني والله أسأل قريشا بكفي والناس ما بقيت، قال: فأين الذهب الذي دفعته إلى أم الفضل مخرجك إلى بدر وقلت لها: إن حدث بي حدث في وجهي هذا فهو لك ولعبد الله والفضل وقثم، قال: قلت وما يدريك ؟ قال: أخبرني الله بذلك، قال: أشهد أنك لصادق وإني قد دفعت إليها ذهبا ولم يطلع عليها أحد إلا الله، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، قال العباس: فأعطاني الله خيرا مما أخذ مني، كما قال: عشرين عبدا كلهم يضرب بما ل كبير مكان العشرين أوقية، وأنا أرجو المغفرة من ربي.

سورة براءة * قوله تعالى: (وإن نكثوا أيما نهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا ائمة الكفر) قال ابن عباس: نزلت في أبي سفيان بن حرب والحرث بن هشام وسهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل وسائر رؤساء قريش الذين نقضوا العهد، وهم الذين هموا بإخراج الرسول.
* قوله تعالى: (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله) قال المفسرون لما أسر العباس يوم بدر أقبل عليه المسلمون فعيروه بكفره بالله وقطيعة الرحم، وأغلظ علي له القول، فقال العباس: ما لكم تذكرون مساوينا ولا تذكرون محاسننا، فقال له علي: ألكم محاسن ؟ قال: نعم، إنا لنعمر المسجد الحرام، ونحجب الكعبة، ونسقى الحاج، ونفك العاني، فأنزل الله عز وجل ردا على العباس - ما كان للمشركين أن يعمروا - الآية.
* قوله تعالى: (أجعلتم سقاية الحاج) الآية.
أخبرنا أبو إسحاق الثعالبي رحمه الله قال: أخبرنا عبد الله بن حامد الوزان قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله المنادى قال: أخبرنا أبو داود سليما ن بن الاشعث قال: حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي قال: حدثنا معاوية بن سلام، عن زيد بن سلام، عن أبي سلام قال: حدثنا معمر بن بشير قال: كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد أن أسقى الحاج، وقال الآخر: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد أن أعمر المسجد الحرام، وقال آخر: الجهاد في سبيل (الله) أفضل مما قلتم، فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوم الجمعة، ولكني إذا صليت دخلت فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما اختلفتم فيه، ففعل.
فأنزل الله تعالى - أجعلتم سقاية الحاج وعما رة المسجد الحرام - إلى قوله تعالى - والله لا يهدي القوم الظالمين - رواه مسلم عن الحسن بن علي الحلواني، عن أبي توبة

وقال ابن عباس في رواية الوالبي: قال العباس بن عبد المطلب حين أسر يوم بدر: لئن كنتم سبقتمونا بالاسلام والهجرة والجهاد لقد كنا نعمر المسجد الحرام ونسقى الحاج ونفك العاني، فأنزل الله تعالى - أجعلتم سقاية الحاج وعما رة المسجد الحرام - الآية.
وقال الحسن والشعبي والقرظي: نزلت الآية في علي والعباس وطلحة بن شيبة
وذلك أنهم افتخروا، فقال طلحة: أنا صاحب البيت بيدي مفتاحه وإلى ثياب بيته، وقال العباس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها، وقال علي ما أدري ما تقولان لقد صليت ستة أشهر قبل الناس، وأنا صاحب الجهاد، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال ابن سيرين ومرة الهمداني: قال علي للعباس: ألا تهاجر، ألا تلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: ألست في أفضل من الهجرة ؟ ألست أسقى حاج بيت الله وأعمر المسجد الحرام ؟ فنزلت هذه الآية.
* قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم) الآية.
قال الكلبي: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة جعل الرجل يقول لابيه وأخيه وامرأته: إنا قد أمرنا بالهجرة، فمنهم من يسرع إلى ذلك ويعجبه، ومنهم من يتعلق به زوجته وعياله وولده، فيقولون: نشدناك الله إن تدعنا إلى غير شئ فنضيع، فيرق فيجلس معهم ويدع الهجرة، فنزلت يعاتبهم - يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم - الآية ونزلت في الذين تخلفوا بمكة ولم يهاجروا قوله تعالى - قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم - إلى قوله - فتربصوا حتى يأتي الله بأمره - يعني القتال وفتح مكة.
* قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الاحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل) نزلت في العلما ء والقراء من أهل الكتاب كانوا يأخذون الرشا من سفلتهم، وهي المأكل التي كانوا يصيبونها من عوامهم.
قوله تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله).

الآية.
أخبرنا أبو إسحاق المقرى قال: أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد ابن إبراهيم قال: حدثنا محمد بن نصير قال: حدثنا عمرو بن زرارة قال: حدثنا هشيم قال: حدثنا حصين عن زيد بن وهب قال: مررت بالربذة فإذا أنا بأبي ذر فقلت له:
ما أنزلك منزلك هذا ؟ قال: كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية - والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله - فقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، فقلت نزلت فينا وفيهم، وكان بيني وبينه كلام في ذلك، وكتب إلى عثما ن يشكو مني، وكتب إلي عثما ن أن أقدم المدينة فقدمتها، وكثر الناس علي حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكرت ذلك لعثما ن فقال إن شئت تنحيت وكنت قريبا، فذلك الذي أنزلني هذا المنزل ولو أمروا علي حبشيا لسمعت وأطعت، رواه البخاري، عن قيس، عن جرير، عن حصين.
ورواه أيضا عن علي، عن هشيم.
والمفسرون أيضا مختلفون، فعند بعضهم أنها في أهل الكتاب خاصة.
وقال السدى: هي في أقل (أهل) القبلة.
وقال الضحاك: هي عامة في أهل الكتاب والمسلمين.
وقال عطاء عن ابن عباس في قوله تعالى - والذين يكنزون الذهب والفضة - قال: يريد من المؤمنين.
أخبرنا أبو الحسين أحمد بن إبراهيم النجار قال: حدثنا سليما ن بن أيوب الطبراني قال: حدثنا محمد بن داود بن صدقة قال: حدثنا عبد الله بن معافى قال: حدثنا شريك، عن محمد بن عبد الله المرادي، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي جعدة، عن ثوبان قال: لما نزلت - والذين يكنزون الذهب والفضة - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تبا للذهب والفضة، قالوا: يا رسول الله فأي الما ل نكنز ؟ قال: قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وزوجة صالحة.
* قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا) الآية.
نزلت في الحث على غزوة تبوك، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من الطائف وغزوة حنين أمر بالجهاد لغزو الروم، وذلك في زما ن عسرة من البأس

وجدب من البلاد وشدة من الحر، حين أخرفت النخل وطابت الثما ر، فعظم على الناس
غزو الروم وأحبوا الظلال والمقام في المساكن والما ل، وشق عليهم الخروج إلى القتال، فلما علم الله تثاقل الناس أنزل هذه الآية * قوله تعالى: (انفروا خفافا وثقالا) نزلت في الذين اعتذروا بالضيعة والشغل وانتشار الامر، فأبى الله تعالى أن يعذرهم دون أن ينفروا على ما كان منهم أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال: أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال: حدثنا إبراهيم بن علي قال: حدثنا يحيى بن يحيى قال: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن ابن جدعان عن أنس قال: قرأ أبو طلحة - انفروا خفافا وثقالا - فقال: ما أسمع الله عذر أحدا، فخرج مجاهدا إلى الشام حتى ما ت.
وقال السدى: جاء المقداد بن الاسود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عظيما سمينا، فشكا إليه وسأله أن يأذن له، فنزلت فيه - انفروا خفافا وثقالا - فلما نزلت هذه الآية اشتد شأنها على الناس، فنسخها الله تعالى وأنزل - ليس على الضعفاء ولا على المرضى - الآية، ثم أنزل في المتخلفين عن غزوة تبوك من المنافقين قوله تعالى - لو كان عرضا قريبا - الآية.
وقوله تعالى - لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا - وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج ضرب عسكره على ثنية الوداع، وضرب عبد الله بن أبي عسكره على ذي حده أسفل من ثنية الوداع، ولم يكن بأقل العسكرين، فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلف عنه عبد الله بن أبي بمن تخلف من المنافقين وأهل الريب، فأنزل الله تعالى يعزي نبيه - لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا - الآية.
* قوله تعالى: (ومنهم من يقول ائذن لي) الآية.
نزلت في جد بن قيس المنافق، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تجهز لغزوة تبوك قال له: يا أبا وهب هل لك في جلاد بني الاصفر تتخذ منهم سراري ووصفاء ؟ فقال:

يا رسول الله لقد عرف قومي أني رجل مغرم بالنساء، وأني أخشى أن رأيت بنات الاصفر أن لا أصبر عنهن فلا تفتني بهن وائذن لي في القعود عنك وأعينك بما لي، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: قد أذنت لك، فأنزل الله هذه الآية، فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبني سلمة، وكان الجد منهم: من سيدكم يا بني سلمة ؟ قالوا: الجد بن قيس غير أنه بخيل جبان فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وأي داء أدوأ من البخل، بل سيدكم الابيض الفتى الجعد بشر بن البراء ابن معرور، فقال فيه حسان بن ثابت: وقال رسول الله والحق لاحق * بمن قال منا من تعدون سيدا فقلنا له جد بن قيس على الذي * ببخله فينا وإن كان أنكدا فقال وأي الداء أدوى من الذي * رميتم به جدا وعالى بها يدا وسود بشر بن البراء بجوده * وحق لبشر ذي الندا أن يسودا إذا ما أتاه الوفد أنهب ما له * وقال خذوه إنه عائد غدا وما بعد هذه الآية كلها للمنافقين إلى قوله تعالى - إنما الصدقات للفقراء - الآية.
* قوله تعالى: (ومنهم من يلمزك في الصدقات) الآية.
أخبرنا أحمد بن محمد ابن إبراهيم الثعلبي قال: حدثنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدري قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم قسما إذ جاءه ابن ذي الخويصرة التميمي وهو حرقرص بن زهير أصل الخوارج، فقال اعدل فينا يا رسول الله، فقال: ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل ؟ فنزلت - ومنهم من يلمزك في الصدقات - الآية.
رواه البخاري عن عبيد بن محمد، عن هشام، عن معمر.
وقال الكلبي: نزلت في المؤلفة قلوبهم وهم المنافقون، قال رجل يقال له أبو الخواصر

للنبي صلى الله عليه وسلم: لم تقسم بالسوية، فأنزل الله تعالى - ومنهم من يلمزك في الصدقات -.
* قوله تعالى: (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن) الآية.
نزلت في جماعة من المنافقين كانوا يؤذون الرسول ويقولون ما لا ينبغي، قال بعضهم: لا تفعلوا فإنا نخاف أن يبلغه ما تقولون فيقع بنا فقال الجلاس بن سويد نقول ما شئنا ثم نأتيه فيصدقنا بما نقول، فإنما محمد أذن سامعة، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال محمد ابن إسحاق بن يسار وغيره، نزلت في رجل من المنافقين يقال له نبتل بن الحارث، وكان رجلا أذلم أحمر العينين أسفع الخدين مشوه الخلقة، وهو الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أراد أن ينظر الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث، وكان ينم حديث النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنافقين، فقيل له: لا تفعل، فقال: إنما محمد أذن من حدثه شيئا صدقه نقول ما شئنا، ثم نأتيه فنحلف له فيصدقنا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال السدى: اجتمع ناس من المنافقين فيهم جلاس بن سويد بن الصامت ووديعة ابن ثابت فأرادوا أن يقعوا في النبي صلى الله عليه وسلم وعندهم غلام من الانصار يدعى عامر بن قيس فحقروه، فتكلموا وقالوا: لئن كان ما يقوله محمد حقا لنحن أشر من الحمير، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فدعاهم فسألهم، فحلفوا أن عامرا كاذب وحلف عامر أنهم كذبة، وقال: اللهم لا تفرق بيننا حتى تبين صدق الصادق من كذب الكاذب، فنزلت فيهم - ومنهم الذين يؤذون النبي - ونزل قوله - يحلفون بالله لكم ليرضوكم -.
* قوله تعالى: (يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم) الآية.
قال السدى: قال بعض المنافقين: والله لوددت أني قدمت فجلدت مائة ولا ينزل فينا شئ يفضحنا، فأنزل الله هذه الآية.
وقال مجاهد: كانوا يقولون القول بينهم ثم يقولون عسى الله أن لا يفشي علينا سرنا.

* قوله تعالى: (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب) قال قتادة: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وبين يديه ناس من المنافقين إذ قالوا: يرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها هيهات له ذلك، فأطلع الله نبيه على ذلك، فقال نبي الله: اجلسوا على الركب فأتاهم فقال: قلتم كذا وكذا ؟ فقالوا: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال زيد بن أسلم ومحمد بن وهب: قال رجل من المنافقين في غزوة تبوك: ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال عوف بن مالك: كذبت ولكنك منافق لاخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب عوف ليخبره، فوجد القرآن قد سبقه، فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب ونتحدث بحديث الركب نقطع به عنا الطريق.
أخبرنا أبو نصير محمد بن عبد الله الجوزقي، أخبرنا بشر بن أحمد بن بشر، حدثنا أبو جعفر محمد بن موسى الحلواني، حدثنا محمد بن ميمون الخيا ط، حدثنا إسماعيل ابن داود المهرجاني، حدثنا مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر قال: رأيت عبد الله ابن أبي يسر قدام النبي صلى الله عليه وسلم والحجارة تنكته وهو يقول: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون -.
* قوله تعالى: (يحلفون بالله ما قالوا) الآية.
قال الضحاك: خرج المنافقون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، وكانوا إذا خلا بعضهم ببعض سبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وطعنوا في الدين، فنقل ما قالوا حذيفة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أهل النفاق

ما هذا الذي بلغني عنكم، فحلفوا ما قالوا شيئا من ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية إكذابا لهم.
وقال قتادة ذكر لنا أن رجلين اقتتلا، رجلا من جهينة ورجلا من غفار، فظهر الغفاري على الجهيني، فنادى عبد الله بن أبي: يا بني الاوس انصروا أخاكم، فوالله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك، فوالله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الازل (الاذل)، فسمع بها رجل من المسلمين، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأرسل إليه، فجعل يحلف بالله ما قال، وأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى: (وهموا بما لم ينالوا) قال الضحاك: هموا أن يدفعوا ليلة العقبة وكانوا قوما قد أجمعوا على أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم معه يلتمسون غرته حتى أخذ في عقبة، فتقدم بعضهم وتأخر بعضهم وذلك كان ليلا قالوا: إذا أخذ في العقبة دفعناه عن راحلته في الوادي، وكان قائده في تلك الليلة عمار بن ياسر وسائقه حذيفة فسمع حذيفة وقع أخفاف الابل، فالتفت فإذا هو بقوم متلثمين، فقال: إليكم يا أعداء الله فأمسكوا، ومضى النبي عليه الصلاة والسلام حتى نزل منزله الذي أراد، فأنزل الله تعالى قوله - وهموا بما لم ينالوا - * قوله تعالى: (ومنهم من عاهد الله) الآية.
أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد ابن الفضل، حدثنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر قال: حدثنا أبو عمران موسى ابن سهل الحونى قال: حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا محمد بن شعيب قال: حدثنا
معاذ بن رفاعة السلمي عن أبي عبد الملك علي بن يزيد أنه أخبره عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة الباهلي، أن ثعلبة بن حاطب الانصاري أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويحك يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه، ثم قال مرة أخرى، أما ترضى أن تكون مثل نبي الله، فو الذي نفسي بيده لو شئت أن تسيل معي الجبال فضة وذهبا لسالت.
فقال: والذي بعثك بالحق لئن دعوت الله أن يرزقني مالا لاوتين كل ذي

حق حقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم ارزق ثعلبة مالا، فاتخذ غنما فنمت كما ينمو الدود، فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها، فنزل واديا من أوديتها حتى جعل يصلي الظهر والعصر في جماعة ويترك ما سواهما، ثم نميت وكثرت حتى ترك الصلاة إلى الجمعة وهي تنمو كما ينمو الدود حتى ترك الجمعة، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما فعل ثعلبة ؟ فقالوا: اتخذ غنما وضاقت عليه المدينة وأخبروه بخبره، فقال: يا ويح ثعلبة ثلاثا، وأنزل الله عز وجل - خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها - وأنزل فرائض الصدقة، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين على الصدقة رجلا من جهينة ورجلا من بني سليم، وكتب لهما كيف يأخذان الصدقة، وقال لهما: مرا بثعلبة وبفلان رجل من بني سليم، فخذا صدقاتهما، فخرجا حتى أتيا ثعلبة فسألاه الصدقة وأقرآه كتاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال: ما هذه إلا جزية، ما هذه إلا أخت الجزية، ما أدرى ما هذا انطلقا حتى تفرغا ثم تعود إلي، فانطلقا وأخبرا السلمي، فنظر إلى خيار أسنان إبله فعزلها للصدقة ثم استقبلهم بها، فلما رأوها قالوا: ما يجب هذا عليك وما نريد أن نأخذه منك، قال: بلى خذوه فإن نفسي بذلك طيبة، وإنما هي إبلي فأخذوها منه، فلما فرغا من صدقتها رجعا حتى مرا بثعلبة، فقال أروني كتابكما أنظر فيه، فقال: ما هذه إلا أخت الجزية انطلقا حتى أرى رأيى، فانطلقا حتى
أتيا النبي عليه الصلاة والسلام، فلما رآهما قال: يا ويح ثعلبة قبل أن يكلمهما ودعا للسلمي بالبركة، وأخبروه بالذي صنع ثعلبة والذي صنع السلمي، فأنزل الله عز وجل - ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن - إلى قوله تعالى - بما كانوا يكذبون - وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أقارب ثعلبة، فسمع ذلك، فخرج حتى أتى ثعلبة فقال: ويحك يا ثعلبة قد أنزل الله فيك كذا وكذا، فخرج ثعلبة حتى أتى النبي عليه الصلاة والسلام فسأله أن يقبل منه صدقته فقال: أن الله قد منعني أن أقبل صدقتك، فجعل يحثو التراب على رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا عملك قد أمرتك فلم تطعني، فلما أبى أن يقبل منه شيئا رجع إلى منزله، وقبض

رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقبل منه شيئا، ثم أتى أبا بكر رضى الله عنه حين استخلف، فقال: قد علمت منزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وموضعي من الانصار فاقبل صدقتي، فقال: لم يقبلها رسول الله وأنا أقبلها ؟ فقبض أبو بكر وأبى أن يقبلها، فلما ولى عمر بن الخطاب رضى الله عنه أتاه فقال: يا أمير المؤمنين اقبل صدقتي، فقال: لم يقبلها رسول الله عليه الصلاة والسلام ولا أبو بكر أنا أقبلها منك ؟ فلم يقبلها، وقبض عمر رضى الله عنه، ثم ولى عثمان رضى الله عنه، فأتاه فسأله أن يقبل صدقته فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبلها ولا أبو بكر ولا عمر وأنا أقبلها ؟ فلم يقبلها عثمان، فهلك ثعلبة في خلافة عثمان رضى الله عنه.
* قوله تعالى: (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات) الآية.
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر، أخبرنا أبو علي الفقيه، أخبرنا أبو علي محمد ابن سليمان المالكي قال: حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى، حدثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله العجلي، حدثنا شعبة عن سليمان، عن أبي وائل، عن ابن مسعود قال: لما نزلت آية الصدقة جاء رجل فتصدق بصاع، فقالوا: إن الله لغني عن صاع هذا، فنزلت - الذين
يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم - رواه البخاري عن أبي قدامة عبيدالله بن سعيد، عن أبي النعمان وقال قتادة وغيره: حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقة، فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم وقال: يا رسول الله مالي ثمانية آلاف جئتك بنصفها فاجعلها في سبيل الله، وأمسكت نصفها لعيالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت، فبارك الله في مال عبد الرحمن حتى أنه خلف امرأتين يوم مات، فبلغ ثمن ماله لهما مائة وستين ألف درهم، وتصدق يومئذ عاصم بن عدي بن العجلان بمائة وسق من تمر، وجاء أبو عقيل الانصاري بصاع من تمر وقال: يا رسول الله بت ليلتي أجر بالجرير أحبلا حتى نلت صاعين من تمر، فأمسكت أحدهما لاهلي وأتيتك بالآخر، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينثره في الصدقات، فلمزهم المنافقون وقالوا: ما أعطى

عبد الرحمن وعاصم إلا رياء، وإن كان الله ورسوله غنيين عن صاع أبي عقيل، ولكنه أحب أن يزكى نفسه، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى: (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا) حدثنا إسماعيل ابن عبد الرحمن بن أحمد الواعظ إملاء، أخبرنا عبد الله بن محمد بن نصر، أخبرنا يوسف ابن عاصم الرازي، حدثنا العباس بن الوليد النرسى، حدثنا يحيى بن سعيد القطان، حدثنا عبد الله بن عمر، عن نافع عن ابن عمر قال: لما توفى عبد الله بن أبي جاء ابنه إلى رسول الله صلوات الله عليه وقال: أعطني قميصك حتى أكفنه فيه وصل عليه واستغفر له، فأعطاه قميصه ثم قال: آذني حتى أصلي عليه، فآذنه، فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر بن الخطاب وقال: أليس قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين ؟ فقال: أنا بين خيرتين - أستغفر لهم أو لا أستغفر - ثم نزلت عليه هذه الآية - ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره - فترك الصلاة عليهم رواه البخاري عن
مسدد، ورواه مسلم عن أبى قدامة عبيد الله بن أبي سعيد كلاهما عن يحيى بن سعيد.
أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم النصر اباذي أخبرنا أبو بكر بن مالك القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي عن محمد بن إسحاق، حدثني الزهري، عن عبد الله ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول: لما توفى عبد الله بن أبي دعى رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه، فقام إليه، فلما وقف عليه يريد الصلاة عليه تحولت حتى قمت في صدره فقلت: يا رسول الله أ على عدو الله عبد الله بن أبي القائل يوم كذا وكذا وكذا، أعدد أيامه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم، حتى إذا كثرت عليه قال: أخر عني يا عمر إني خيرت فاخترت، قد قيل لي - استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم - لو علمت أني إن زدت على السبعين غفر له لزدت قال: ثم صلى صلى الله عليه وسلم ومشى معه، فقام على قبره حتى فرغ منه قال: فعجبت لي وجراءتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ورسوله أعلم، قال: فوالله ما كان إلا يسيرا

حتى نزل - ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره - الآية.
فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق، ولا قام على قبره حتى قبضه الله تعالى.
قال المفسرون: وكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما فعل بعبدالله بن أبي فقال وما يغني عنه قميصي وصلاتي من الله والله إني كنت أرجو أن يسلم به ألف من قومه.
قوله تعالى: (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم) نزلت في البكائين وكانوا سبعة معقل بن يسار وصخر بن خنيس وعبد الله بن كعب الانصاري وسالم بن عمير وثعلبة بن غنمة وعبد الله بن مغفل، أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا نبي الله إن الله عز وجل قد ندبنا للخروج معك، فاحملنا على الخفاف المرقوعة والنعال المخصوفة
نغزو معك، فقال: لا أجد ما أحملكم عليه، فتولوا وهم يبكون.
وقال مجاهد: نزلت في بني مقرن معقل وسويد والنعمان.
* قوله تعالى: (الاعراب أشد كفرا ونفاقا) نزلت في أعاريب من أسد وغطفان، وأعاريب من أعاريب حاضري المدينة.
* قوله تعالى: (وممن حولكم من الاعراب منافقون) قال الكلبي: نزلت في جهينة ومزينة وأشجع وأسلم وغفار من أهل المدينة، يعني عبد الله بن أبي وجد ابن قيس ومعتب بن بشير والجلاس بن سويد وأبي عامر الراهب.
* قوله تعالى: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم) قال ابن عباس في رواية ابن الوالبي: نزلت في قوم كانوا قد تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ثم ندموا على ذلك، وقالوا: نكون في الكن (السكن) والظلال مع النساء ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الجهاد، والله لنوثقن أنفسنا بالسواري فلا نطلقها حتى يكون الرسول هو يطلقها ويعذرنا، وأوثقوا أنفسهم بسواري المسجد، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بهم فرآهم، فقال: من هؤلاء ؟ قالوا: هؤلاء تخلفوا

عنك، فعاهدوا الله أن لا يطلقوا أنفسهم حتى يكون أنت الذي تطلقهم وترضى عنهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى أؤمر بإطلاقهم، رغبوا عني وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فلما نزلت أرسل إليهم النبي صلوات الله عليه وأطلقهم وعذرهم، فلما أطلقهم قالوا: يا رسول الله هذه أموالنا التي خلفتنا عنك فتصدق بها عنا وطهرنا واستغفر لنا، فقال: ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا، فأنزل الله عز وجل - خذ من أموالهم صدقة تطهرهم - الآية.
وقال ابن عباس: كانوا عشرة رهط.
* قوله تعالى: (وآخرون مرجون لامر الله) الآية.
نزلت في كعب بن مالك
ومرارة بن الربيع أحد بني عمرو بن عوف وهلال بن أمية من بني واقف تخلفوا عن غزوة تبوك، وهم الذين ذكرو في قوله تعالى - وعلى الثلاثة الذين خلفوا - الآية.
* قوله تعالى: (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا) قال المفسرون: إن بني عمرو بن عوف اتخذوا مسجد قباء وبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم، فأتاهم فصلى فيه، فحسدهم إخوتهم بنو عمرو، وقالوا: نبنى مسجدا ونرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلى فيه كما يصلى في مسجد إخواننا، وليصل فيه أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام، وكان أبو عامر قد ترهب في الجاهلية وتنصر ولبس المسوح، وأنكر دين الحنيفية لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعاداه وسماه النبي عليه الصلاة والسلام أبا عامر الفاسق وخرج إلى الشام وأرسل إلى المنافقين أن استعدوا بما استطعتم من قوة وسلاح، وابنوا لي مسجدا فإني ذاهب إلى قيصر فآتي بجند الروم، فأخرج محمدا وأصحابه فبنوا مسجدا إلى جنب مسجد قباء، وكان الذي بنوه اثنى عشر رجلا حزام بن خالد، ومن داره أخرج إلى المسجد وثعلبة بن حاطب ومعتب بن قشير وأبو حبيبة بن الارعد وعباد بن حنيف وحارثة وجارية وابناه مجمع وزيد ونبتل ابن حارث ولحاد بن عثمان ووديعة بن ثابت، فلما فرغوا منه أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية، وإنا نحب أن

تأتينا فتصلى لنا فيه، فدعا بقميصه ليلبسه فيأتيهم، فنزل عليه القرآن وأخبر الله عز وجل خبر مسجد الضرار وما هموا به، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم ومعن بن عدي وعامر بن يشكر والوحشي قاتل حمزة، وقال لهم: انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه واحرقوه، فخرجوا وانطلق مالك وأخذ سعفا من النخل فأشعل فيه نارا، ثم دخلوا المسجد وفيه أهله فحرقوه وهدموه وتفرق عنه أهله، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ ذلك كناسة تلقى فيها الجيف والنتن والقمامة، ومات
أبو عامر بالشام وحيدا غريبا.
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، حدثنا العباس بن إسماعيل بن عبد الله ابن ميكال، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن موسى الاهوازي، أخبرنا إسماعيل بن زكريا، حدثنا داود بن الزبرقان عن صخر بن جويرية، عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص، عن أبيها قال: إن المنافقين عرضوا بمسجد يبنونه يضاهون به مسجد قباء، وهو قريب منه لابي عامر الراهب يرصدونه إذا قدم ليكون إمامهم فيه، فلما فرغوا من بنائه أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا بنينا مسجدا فصل فيه حتى نتخذه مصلى، فأخذ ثوبه ليقوم معهم، فنزلت هذه الآية - لا تقوم فيه أبدا -.
* قوله تعالى: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم) الآية.
قال محمد بن كعب القرظي: لما بايعت الانصار رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة بمكة وهم سبعون نفسا، قال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله اشترط لربك ولنفسك ما شئت، فقال: اشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم، قالوا: فإذا فعلنا ذلك فماذا لنا ؟ قال: الجنة: قالوا ربح البيع لا نقبل ولا نستقبل، فنزلت هذه الآية.
* قوله تعالى: (ماكان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين) أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الشيرازي، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن خمرويه

الهروي، أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الخزاعي، حدثنا أبو اليمان قال: أخبرني شعيب عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبيه قال: لما حضر أبا طالب الوفاة دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله ابن أبي أمية فقال: أي عم قل معي لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله، فقال أبو جهل وابن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر شئ كلمهم به
على ملة عبد المطلب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لاستغفرن لك ما لم أنه عنه، فنزلت - ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم - روى البخاري عن إسحاق بن إبراهيم، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري ورواه مسلم عن حرملة، عن ابن وهب، عن يونس، كلاهما عن الزهري.
أخبرنا أبو سعيد بن أبى عمرو النيسابوري، أخبرنا الحسن بن علي بن مؤمل، أخبرنا عمرو بن عبد الله البصري، أخبرنا موسى بن عبيدة قال: أخبرنا محمد بن كعب القرظى، حدثنا محمد بن عبد الوهاب، أخبرنا جعفر بن عون قال: بلغني أنه لما اشتكى أبو طالب شكواه التي قبض فيها، قالت له قريش: يا أبا طالب أرسل إلى ابن أخيك، فيرسل إليك من هذه الجنة التي ذكرها تكون لك شفاء، فخرج الرسول حتى وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر جالسا معه فقال: يا محمد إن عمك يقول إني كبير ضعيف سقيم، فأرسل إلي من جنتك هذه التي تذكر من طعامها وشرابها شيئا يكون لي فيه شفاء، فقال أبو بكر: إن الله حرمها على الكافرين، فرجع إليهم الرسول، فقال: بلغت محمدا الذي أرسلتموني به فلم يحر إلي شيئا وقال أبو بكر: إن الله حرمها على الكافرين، فحملوا أنفسهم عليه حتى أرسل رسولا من عنده، فوجد الرسول في مجلسه، فقال له مثل ذلك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله حرم على الكافرين طعامها وشرابها، ثم قام في إثر الرسول حتى دخل معه بيت أبي طالب، فوجده مملوءا رجالا فقال: خلوا بيني وبين عمي، فقالوا: ما نحن بفاعلين ما أنت أحق به منا إن كانت لك قرابة، فلنا (12 - أسباب النزول)

قرابة مثل قرابتك، فجلس إليه فقال.
يا عم جزيت عني خيرا، يا عم أعني على نفسك بكلمة واحدة أشفع لك بها عند الله يوم القيامة، قال: وما هي يا ابن أخي ؟ قال: قل
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فقال: إنك لي ناصح والله لولا أن تعير بها فيقال: جزع عمك من الموت لاقررت بها عينك، قال: فصاح القوم: يا أبا طالب أنت رأس الحنيفية ملة الاشياخ، فقال: لا تحدث نساء قريش أن عمك جزع عند الموت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أزال أستغفر لك ربي حتى يردني، فاستغفر له بعد ما مات، فقال المسلمون ما يمنعنا أن نستغفر لآبائنا ولذوي قراباتنا قد استغفر إبراهيم لابيه، وهذا محمد صلى الله عليه وسلم يستغفر لعمه، فاستغفروا للمشركين حتى نزل - ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى -.
أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن أحمد الحراني، حدثنا محمد بن عبد الله بن نعيم، حدثنا محمد بن يعقوب الاموي، حدثنا الحر بن نصير، حدثنا ابن وهب، أخبرنا ابن جريج، عن أيوب بن هانئ، عن مسروق بن الاجدع، عن عبد الله بن مسعود قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر في المقابر وخرجنا معه فأخذنا مجلسنا، ثم تخطى القبور حتى انتهى إلى قبر منها فناحاه طويلا ثم ارتفع وجئنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم باك، فبكينا لبكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إنه أقبل إلينا فتلقاه عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله ما الذي أبكاك فقد أبكانا وأفزعنا، فجاء فجلس إلينا فقال: أفزعكم بكائي ؟ فقلنا: نعم، فقال: إن القبر الذي رأيتموني أناجي فيه قبر آمنة بنت وهب، وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي فيها واستأذنت ربي في الاستغفار لها فلم يأذن لي فيه، ونزل - وما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين - حتى ختم الآية - وما كان استغفار إبراهيم لابيه إلا عن موعدة وعدها إياه - فأخذني ما يأخذ الولد للوالدة من الرقة، فذلك الذي أبكاني.
* قوله تعالى: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) قال ابن عباس في رواية.

الكلبي: لما أنزل الله تعالى عيوب المنافقين لتخلفهم عن الجهاد قال المؤمنون: والله
لا نتخلف عن غزوة يغزوها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا سرية أبدا، فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسرايا إلى العدو نفر المسلمون جميعا وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده بالمدينة، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
سورة يونس (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله تعالى: (أ كان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس) الآية.
قال ابن عباس: لما بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا أنكرت الكفار، وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى: (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا) الآية.
قال مجاهد: نزلت في مشركي مكة.
قال مقاتل: وهم خمسة نفر عبد الله بن أبي أمية المخزومي والوليد بن المغيرة ومكرز بن حفص وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس العامري والعاص بن عامر قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ائت بقرآن ليس فيه ترك عبادة اللات والعزى، وقال الكلبي: نزلت في المستهزئين فقالوا: يا محمد ائت بقرآن غير هذا فيه ما نسألك.
سورة هود (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله تعالى: (ألا إنهم يثنون صدورهم) الآية.
نزلت في الاخنس بن شريق، وكان رجلا حلو الكلام حلو المنظر، يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يحب ويطوى بقلبه ما يكره.
وقال الكلبي: كان يجالس النبي صلى الله عليه وسلم يظهر له أمرا يسره ويضمر في قلبه خلاف ما يظهر، فأنزل الله تعالى

- ألا إنهم يثنون صدورهم - يقول يكمنون ما في صدورهم من العداوة لمحمد صلى الله عليه وسلم.
* قوله تعالى: (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات
يذهبن السيئات) الآية.
أخبرنا الاستاذ أبو منصور البغدادي قال: أخبرنا أبو عمر و ابن مطر قال: حدثنا إبراهيم بن علي قال: حدثنا يحيى بن يحيى قال: حدثنا أبو الاحوص، عن سماك، عن إبراهيم، عن علقمة والاسود، عن عبد الله قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أني عالجت امرأة في أقصى المدينة وإني أصبت منها ما دون أن آتيها، وأنا هذا فاقض في ما شئت، قال: فقال عمر: لقد سترك الله لو سترت نفسك، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فانطلق الرجل فأتبعه رجلا ودعاه فتلا عليه هذه الآية، فقال رجلا: يا رسول الله هذا له خاصة ؟ قال: لا بل للناس كافة رواه مسلم عن يحيى ورواه البخاري عن طريق يزيد ابن زريع.
أخبرنا عمر بن أبي عمر، أخبرنا محمد بن مكى، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، حدثنا بشر بن يزيد بن زريع قال: حدثنا سليمان التميمي، عن أبي عثمان النهدي، عن ابن مسعود، أن رجلا أصاب من امرأة قبلة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فأنزل الله تعالى هذه الآية - أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل - إلى آخر الآية، فقال الرجل: ألي هذه ؟ قال: لمن عمل بها من أمتي.
أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل قال: حدثنا محمد بن يعقوب الاموي قال: حدثنا العباس الدوري، حدثنا أحمد بن حنبل المروزي قال: حدثنا ابن المبارك قال: حدثنا سويد قال أخبرنا عثمان بن مؤمن، عن موسى بن طلحة، عن أبي اليسر بن عمرو.
قال: أتتني امرأة وزوجها بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في بعث، فقالت بعني بدرهم تمرا، قال: فأعجبتني، فقلت: إن في البيت تمرا هو أطيب من هذا فالحقيني، فغمزتها وقبلتها، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقصصت عليه الامر، فقال: خنت رجلا.

غازيا في سبيل الله في أهله بهذا، وأطرق عني فظننت أني من أهل النار، وأن الله
لا يغفر لي أبدا، وأنزل الله تعالى - أقم الصلاة طرفي النهار - الآية.
فأرسل إلي النبي صلى الله عليه وسلم فتلاها علي.
أخبرنا نصر بن بكر بن أحمد الواعظ قال: أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن محمد السجزى قال: أخبرنا محمد بن أيوب الرازي قال: أخبرنا علي بن عثمان وموسى ابن إسماعيل وعبيد الله بن العاصم واللفظ لعلي قالوا: أخبرنا حماد بن سلمة قال: حدثنا علي بن يزيد، عن يوسف بن ماهان، عن ابن عباس أن رجلا أتى عمر فقال: إن امرأة جاءتني تبايعني فأدخلتها الدولج، فأصبت منها كل شئ إلا الجماع، فقال: ويحك لعلها مغيب في سبيل الله، قلت: أجل، قال: ائت أبا بكر، فقال ما قال لعمر ورد عليه مثل ذلك، وقال: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسله، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مثل ما قال لابي بكر وعمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلها مغيب في سبيل الله فقال: نعم، فسكت عنه ونزل القرآن - أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل، إن الحسنات يذهبن السيئات - فقال الرجل: ألي خاصة يا رسول الله، أم للناس عامة ؟ فضرب عمر صدره وقال: لا ولا نعمة عين ولكن للناس عامة، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: صدق عمر.
أخبرنا أبو نصر محمد بن محمد الطوسي قال: حدثنا علي بن عمر الحافظ قال: حدثنا الحبر بن إسماعيل المحاملى قال: حدثنا يوسف بن موسى قال: حدثنا جرير، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل أنه كان قاعدا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل فقال: يا رسول الله ما تقول في رجل أصاب من امرأة لا تحل له فلم يدع شيئا يصيبه الرجل من امرأته إلا قد أصابه منها إلا أنه لم يجامعها، فقال: توضأ وضوءا حسنا ثم قم فصل، قال: فأنزل الله تعالى هذه الآية - أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل - إلى آخرها، فقال معاذ بن جبل: أهي له أم للمسلمين عامة ؟ فقال: بل هي للمسلمين عامة.

أخبرنا الاستاذ أبو طاهر الروذبارى قال: أخبرنا حاجب بن أحمد قال: أخبرنا عبد الرحيم بن منيب قال: حدثنا الفضل بن موسى الشيباني قال: حدثنا سفيان الثوري، عن سماك بن حرب، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن سويد، عن ابن مسعود أنه قال: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أصبت من امرأة غير أني لم آتها، فأنزل الله تعالى - أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل، إن الحسنات يذهبن السيئات - ".
سورة يوسف (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله تعالى: (نحن نقص عليك أحسن القصص) الآية.
أخبرنا عبد القاهر بن طاهر قال: أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال: أخبرنا جعفر ابن محمد بن الحسن القاص قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال: حدثنا عمرو ابن محمد القرشي قال: حدثنا خلاد بن مسلم الصفار، عن عمرو بن قيس الملائي، عن عمرو بن مرة، عن مصعب بن سعد، عن أبيه سعد بن أبي وقاص في قوله عزوجل - نحن نقص عليك أحسن القصص - قال: أنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلاه عليهم زمانا، فقالوا: يا رسول الله لو قصصت، فأنزل الله تعالى - الر تلك آيات الكتاب المبين - إلى قوله - نحن نقص عليك أحسن القصص - الآية، فتلاه عليهم زمانا، فقالوا: يا رسول الله لو حدثتنا، فأنزل الله تعالى - الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها - قال: كل ذلك ليؤمنوا بالقرآن.
رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن أبي بكر العنبري، عن محمد بن عبد السلام، عن إسحاق بن إبراهيم.
وقال عون بن عبد الله: مل أصحاب رسول الله ملة فقالوا: يا رسول الله حدثنا، فأنزل الله تعالى - الله نزل أحسن الحديث - الآية، قال: ثم إنهم ملوا ملة أخرى
فقالوا: يا رسول الله فوق الحديث ودون القرآن، يعنون القصص، فأنزل الله تعالى

- نحن نقص عليك أحسن القصص - فأرادوا الحديث فدلهم على أحسن الحديث، وأرادوا القصص فدلهم على أحسن القصص.
سورة الرعد (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله تعالى: (ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء) أخبرنا نصر بن أبي نصر الواعظ قال: أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن محمد بن نصر قال: أخبرنا محمد بن أيوب الرازي قا ل: أخبرنا عبد الله بن عبد الوهاب قال: حدثنا علي بن أبي سارة الشيباني قال: حدثنا ثابت عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا مرة إلى رجل من فراعنة العرب، فقال: اذهب فادعه لى، فقال: يا رسول الله إنه أعتى من ذلك، قال: اذهب فادعه لي قال: فذهب إليه فقال: يدعوك رسول الله، قال: وما الله أمن ذهب هو أو من فضة أو من نحاس ؟ قال: فرجع (إلى) رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، وقال: وقد أخبرتك أنه أعتى من ذلك، فقال لي كذا وكذا، فقال: ارجع إليه الثانية فادعه، فرجع إليه، فعاد عليه مثل الكلام الاول، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: ارجع إليه، فرجع الثالثة فأعاد عليه ذلك الكلام، فبينا هو يكلمني إذ بعثت إليه سحابة حيال رأسه فرعدت فوقعت منها صاعقة فذهبت بقحف رأسه، فأنزل الله تعالى - ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال - وقال ابن عباس في رواية أبي صالح وابن جريج وابن زيد: نزلت هذه الآية والتي قبلها في عامري بن الطفيل وأربد بن ربيعة وذلك أنهما أقبلا يريدان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله هذا عامر ابن الطفيل قد أقبل نحوك، فقال دعه فإن يرد الله به خيرا يهده، فأقبل حتى قام عليه، فقال: يا محمد مالي إن
أسلمت ؟ قال: لك مال مسلمين وعليك ما عليهم، قال: تجعل لي الامر بعدك ؟ قال لا ليس ذلك إلي إنما ذلك إلى الله يجعله حيث يشاء قال: فتجعلني على الوبر وأنت على

المدر ؟ قال: لا، قال: فماذا تجعل لي ؟ قال: أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها، قال: أو ليس ذلك إلي اليوم ؟ وكان أوصى أربد بن ربيعة إذا رأيتني أكلمه فدر من خلفه واضربه بالسيف، فجعل يخاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويراجعه، فدار أربد خلف النبي صلى الله عليه وسلم ليضربه، فاخترط من سيفه شبرا ثم حبسه الله تعالى فلم يقدر على سله، وجعل عامر يومئ إليه، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أربد وما يصنع بسيفه، فقال: اللهم اكفنيها بما شئت، فأرسل الله تعالى على أربد صاعقة في يوم صائف صاح فأحرقته، وولى عامر هاربا وقال: يا محمد دعوت ربك فقتل أربد، والله لاملانها عليك خيلا جردا وفتيانا مردا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يمنعك الله تعالى من ذلك وابنا قيلة، يريد الاوس والخزرج، فنزل عامر بيت امرأة سلولية، فلما أصبح ضم عليه سلاحه، فخرج وهو يقول: واللات لئن أصحر محمد إلي وصاحبه يعني ملك الموت لانفذنهما برمحي، فلم رأى الله تعالى ذلك منه أرسل ملكا فلطمه بجناحيه فأذراه في التراب، وخرجت على ركبته غدة في الوقت كغدة البعير، فعاد إلى بيت السلولية وهو يقول: غدة كغدة البعير وموت في بيت السلولية، ثم مات على ظهر فرسه، وأنزل الله تعالى فيه هذه القصة - سواء منكم من أسر القول ومن جهر به - حتى بلغ - وما دعاء الكافرين إلا في ضلال - * قوله تعالى: (وهم يكفرون بالرحمن) قال أهل التفسير: نزلت في صلح الحديبية حين أرادوا كتاب الصلح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل بن عمرو والمشركون: ما نعرف الرحمن إلا صاحب اليمامة، يعنون مسيلمة الكذاب، اكتب باسمك اللهم، وهكذا كانت الجاهلية يكتبون
فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.
وقال ابن عباس في رواية الضحاك: نزلت في كفار قريش حين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: اسجدوا للرحمن، قالوا: وما الرحمن ؟ أنسجد لما تأمرنا، الآية فأنزل الله تعالى هذه الآية، وقال: قل لهم إن الرحمن الذي أنكرتم معرفته هو ربي لا إله إلا هو.

* قوله تعالى: (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال) الآية.
أخبرنا محمد ابن عبد الرحمن النحوي قال: أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيرى قال: أخبرنا أبو يعلى قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل بن ثملة الانصاري، حدثنا خلف بن تميم، عن عبد الجبار ابن عمر الابلي، عن عبد الله بن عطاء، عن جدته أم عطاء مولاة الزبير قالت: سمعت الزبير بن العوام يقول: قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم: تزعم أنك نبي يوحى إليك، وأن سليمان سخر له الريح، وأن موسى سخر له البحر، وأن عيسى كان يحيى الموتى فادع الله تعالى أن يسير عنا هذه الجبال ويفجر لنا الارض أنهارا فتتخذها محارث ومزارع ونأكل، وإلا فادع أن يحيى لنا موتانا فنكلمهم ويكلمونا، وإلا فادع الله تعالى أن يصير هذه الصخرة التي تحتك ذهبا فننحت منها وتغنينا عن رحلة الشتاء والصيف، فإنك تزعم أنك كهيئتهم، فبينا نحن حوله إذ نزل عليه الوحي، فلما سرى عنه قال: والذي نفسي بيده لقد أعطاني ما سألتم ولو شئت لكان، ولكنه خيرني بين أن تدخلوا من باب الرحمة فيؤمن مؤمنكم، وبين أن يكلكم إلى ما اخترتم لانفسكم فتضلوا عن باب الرحمة، فاخترت باب الرحمة، وأخبرني إن أعطاكم ذلك، ثم كفرتم أنه معذبكم عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين، فنزلت: - وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الاولون - ونزلت - ولو أن قرآنا سيرت به الجبال - الآية.
* قوله تعالى: (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا) قال
الكلبي: عيرت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: ما نرى لهذا الرجل مهمة إلا النساء والنكاح، ولو كان نبيا كما زعم لشغله أمر النبوة عن النساء، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

سورة الحجر (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله تعالى: (ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين) أخبرنا نصر بن أبي نصر الواعظ قال: أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن محمد بن نصير الرازي قال: أخبرنا سعيد بن منصور قال: حدثنا نوح ابن قيس الطائي قال: حدثنا عمر بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس قال: كانت تصلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم امرأة حسناء في آخر النساء، وكان بعضهم يتقدم إلى الصف الاول لئلا يراها، وكان بعضهم يتأخر في الصف الآخر فإذا ركع قال هكذا ونظر من تحت أبطه، فنزلت - ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين -.
وقال الربيع بن أنس: حرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصف الاول في الصلاة، فازدحم الناس عليه وكان بنو عذرة دورهم قاصية عن المسجد، فقالوا: نبيع دورنا ونشتري دورا قريبة من المسجد، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى: (ونزعنا ما في صدورهم) أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني محمد بن سليمان بن خالد الفحام قال: حدثنا علي بن هاشم عن كثير النوا قال: قلت لابي جعفر إن فلانا حدثني عن علي بن الحسين رضى الله عنهما أن هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر وعلي رضى الله عنهم - ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين - قال: والله إنها لفيهم نزلت وفيهم نزلت الآية، قلت: وأي غل
هو ؟ قال: غل الجاهلية، إن بني تيم وعدي وبني هاشم كان بينهم في الجاهلية، فلما أسلم هؤلاء القوم وأجابوا أخذ أبا بكر الخاصرة، فجعل علي رضى الله عنه يسخن يده فيضمخ بها خاصرة أبي بكر، فنزلت هذه الآية.

* قوله تعالى: (نبئ عبادي أنى أنا الغفور الرحيم) روى ابن المبارك بإسناده عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: طلع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الباب الذي دخل منه بنو شيبة ونحن نضحك فقال: لا أراكم تضحكون ثم أدبر حتى إذا كان عند الحجر رجع إلينا القهقرى، فقال: إني لما خرجت جاء جبريل عليه السلام فقال: يا محمد يقول الله تعالى عزوجل: لم تقنط عبادي ؟ - نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم -.
* قوله تعالى: (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم) قال الحسين ابن الفضل: إن سبع قوافل وافت من بصرى وأذرعات ليهود قريظة والنضير في يوم واحد فيها أنواع من البز وأوعية الطيب والجواهر وأمتعة البحر، فقال المسلمون: لو كانت هذه الاموال لنا لتقوينا بها فأنفقناها في سبيل الله، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال: لقد أعطيتكم سبع آيات هي خير لكم من هذه السبع القوافل، ويدل على صحة هذا قوله على أثرها - لا تمدن عينيك - الآية.
سورة النحل (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله تعالى: (أتى أمر الله) الآية.
قال ابن عباس: لما أنزل الله تعالى - اقتربت الساعة وانشق القمر - قال الكفار بعضهم لبعض: إن هذا يزعم أن القيامة قد قربت فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى ننظر ما هو كائن، فلما رأوا أنه لا ينزل شئ، قالوا: ما نرى شيئا، فأنزل الله تعالى - اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون - فأشفقوا وانتظروا قرب الساعة، فلما امتدت الايام
قالوا: يا محمد ما نرى شيئا مما تخوفنا به، فأنزل الله تعالى - أتى أمر الله - فوثب النبي صلى الله عليه وسلم ورفع الناس رؤوسهم، فنزل - فلا تستعجلوه - فاطمأنوا، فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بعثت أنا والساعة كهاتين، وأشار بأصبعه إن كادت لتسبقني) وقال الآخرون: الامر ها هنا العذاب بالسيف وهذا جواب للنضر

ابن الحارث حين قال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، فأمطر علينا حجارة من السماء، يستعجل العذاب فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى: (خلق الانسان من نطقة فإذا هو خصيم مبين) نزلت الآية في أبي بن خلف الجمحي حين جاء يعظم (بعظم) رميم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أترى الله يحيى هذا بعد ما قد رم نظيرة هذه الآية قوله تعالى في سورة يس - أو لم ير الانسان أنا خلقناه من نطقة فإذا هو خصيم مبين - إلى آخر السورة، نازلة في هذه القصة.
* قوله تعالى: (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت) الآية.
قال الربيع بن أنس، عن أبي العالية: كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين دين، فأتاه يتقاضاه، فكان فيما تكلم به: والذي أرجوه بعد الموت، فقال المشرك: وإنك لتزعم أنك لتبعث بعد الموت، فأقسم بالله لا يبعث الله من يموت، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى: (والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا) الآية نزلت في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بلال وصهيب وخباب وعامر وجندل بن صهيب أخذهم المشركون بمكة فعذبوهم وآذوهم، فبوأهم الله تعالى بعد ذلك المدينة.
* قوله تعالى: (وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم) الآية.
نزلت في مشركي مكة، أنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا: الله أعظم من أن يكون
رسوله بشرا، فهلا بعث إلينا ملكا ؟ * قوله تعالى: (ضرب الله مثلا عبد ا مملوكا) الآية.
أخبرنا محمد بن إبراهيم ابن محمد بن يحيى، قال: أخبرنا أبو بكر الانباري قال: حدثنا جعفر بن محمد ابن شاكر قال: حدثنا عفان قال: حدثنا وهيب قال: حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن إبراهيم، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية - ضرب الله مثلا عبدا

مملوكا لا يقدر على شئ - في هشام بن عمرو وهو الذي ينفق ماله سرا وجهرا ومولاه أبو الجوزاء الذي كان ينهاه فنزلت - وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شئ - فالابكم منهما الكل - على مولاه - هذا السيد أسد بن أبى العيص، والذي يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم هو عثمان بن عفان رضى الله عنه.
* قوله تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والاحسان) الآية.
أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم قال: أخبرنا شعيب بن محمد البيهقي قال: أخبرنا مكى بن عبدان قال: حدثنا أبو الازهر قال: حدثنا روح بن عبادة عن عبد الحميد بن بهرام قال: حدثنا شهر بن حوشب قال: حدثنا عبد الله بن عباس قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء بيته بمكة جالسا، إذ مر به عثمان بن مظعون فكشر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: ألا تجلس فقال: بلى، فجلس إليه مستقبله، فبينما هو يحدثه إذ شخص بصره إلى السماء، فنظر ساعة وأخذ يضع بصره حتى وضع على عتبة في الارض، ثم تحرف عن جليسه عثمان إلى حيث وضع بصره فأخذ ينغض رأسه كأنه يستنقه ما يقال له، ثم شخص بصره إلى السماء كما شخص أول مرة، فأتبعه بصره حتى توارى في السماء، وأقبل على عثمان كجلسته الاولى، فقال: يا محمد فيما كنت أجالسك وآتيك ما رأيتك تفعل فعلتك الغداة، قال: ما رأيتني فعلت ؟ قال: رأيتك شخص بصرك إلى السماء ثم وضعته حتى وضعته على يمينك، فتحرفت إليه وتركتني، فأخذت تنغض
رأسك كأنك تستنقه شيئا يقال لك، قال: أو فطنت إلى ذلك ؟ قال عثمان: نعم، قال: أتاني رسول الله جبريل عليه السلام وسلم آنفا وأنت جالس، قال: فماذا قال لك ؟ قال: قال لي - إن الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون - فذاك حين استقر الايمان في قلبي وأحببت محمدا صلى الله عليه وسلم.
* قوله تعالى: (وإذا بدلنا آية مكان آية) نزلت حين قال المشركون: إن محمدا عليه الصلاة والسلام سخر بأصحابه يأمرهم اليوم بأمر وينهاهم عنه غدا،

أو يأتيهم بما هو أهون عليهم، وما هو إلا مفتري يقوله من تلقاء نفسه، فأنزل الله تعالى هذه الآية والتي بعدها.
* قوله تعالى: (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر) الآية.
أخبرنا أبو نصر أحمد بن إبراهيم قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن حمدان الزاهد قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال: حدثنا أبو هاشم الرفاعي قال: حدثنا أبو فضيل قال: حدثنا حصين عن عبيد الله بن مسلم قال: كان لنا غلامان نصرانيان من أهل عين التمر اسم أحدهما يسار والآخر خير، وكانا يقرآن كتبا لهم بلسانهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر بهما فيسمع قراءتهما، وكان المشركون يقولون يتعلم منهما، فأنزل الله تعالى فأكذبهم - لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين - * قوله تعالى: (من كفر بالله من بعد إيمانه) الآية.
قال ابن عباس: نزلت في عمار بن ياسر، وذلك أن المشركين أخذوه وأباه ياسرا وأمه سمية وصهيبا وبلالا وخبابا وسالما، فأما سمية فإنها ربطت بين بعيرين ووجئ قبلها بحربة، وقيل لها: إنك أسلمت من أجل الرجال فقتلت وقتل زوجها ياسر وهما أول قتيلين قتلا في الاسلام، وأما عمار فإنه أعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم
بأن عمارا كفر، فقال: كلا إن عمارا ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه واختلط الايمان بلحمه ودمه، فأتى عمار رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي، فجعل رسول الله، عليه الصلاة والسلام يمسح عينيه، وقال: إن عادوا لك فعد لهم بما قلت، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال مجاهد: نزلت في ناس من أهل مكة آمنوا، فكتب إليهم المسلمون بالمدينة أن هاجروا فإنا لا نراكم منا حتى تهاجروا إلينا، فخرجوا يريدون المدينة فأدركتهم قريش بالطريق ففتنوهم مكرهين، وفيهم نزلت هذه الآية.
* قوله تعالى: (ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا) الآية قال قتادة: ذكر لنا أنه لما أنزل الله تعالى قبل هذه الآية أن أهل مكة لا يقبل منهم

إسلام حتى يهاجروا كتب بها أهل المدينة إلى أصحابهم من أهل مكة، فلما جاءهم ذلك خرجوا فلحقهم المشركون فردهم، فنزلت - الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، - فكتبوا بها إليهم فتبايعوا بينهم على أن يخرجوا، فإن لحقهم المشركون من أهل مكة قاتلوهم حتى ينجوا ويلحقوا بالله، فأدركهم المشركون فقاتلوهم، فمنهم من قتل ومنهم من نجا، فأنزل الله عزوجل - ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا - * قوله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة) الآية.
أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد المنصوري قال: أخبرنا علي بن عمر الحافظ قال: حدثنا عبد الله ابن محمد بن عبد العزيز قال: حدثنا الحكم بن موسى قال: حدثنا إسماعيل ابن عباس، عن عبد الملك بن أبي عيينة، عن الحكم بن عيينة، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: لما انصرف المشركون عن قتلى أحد انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى منظرا ساءه، ورأى حمزة قد شق بطنه واصطلم أنفه وجدعت أذناه، فقال: لولا أن
يحزن النساء أو يكون سنة بعدي لتركته حتى يبعثه الله تعالى من بطون السباع والطير، لاقتلن مكانه سبعين رجلا منهم، ثم دعا ببردة فغطى بها وجهه، فخرجت رجلاه، فجعل على رجليه شيئا من الاذخر، ثم قدمه وكبر عليه عشرا، ثم جعل يجاء بالرجل فيوضع وحمزة مكانه حتى صلى عليه سبعين صلاة، وكان القتل سبعين فلما دفنوا وفرغ منهم نزلت هذه الآية - ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة إلى قوله واصبر وما صبرك إلا بالله - فصبر ولم يمثل بأحد.
أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الواعظ قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد ابن عيسى الحافظ قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال: حدثنا يعقوب الوليد الكندي قال: حدثنا صالح المرى قال: حدثنا سليمان التيمي، عن أبى عثمان النهدي، عن أبى هريرة قال: أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على حمزة فرآه صريعا،

فلم ير شيئا كان أوجع لقلبه منه، وقال: والله لاقتلن بك سبعين منهم، فنزلت - وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين - أخبرنا أبو حسان المزكى قال: أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال: حدثنا قيس عن أبى ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قتل حمزة ومثل به: لئن ظفرت بقريش لامثلن بسبعين رجلا منهم، فأنزل الله عزوجل - وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل نصبر يا رب.
قال المفسرون: إن المسلمين لما رأوا ما فعل المشركون بقتلاهم يوم أحد من تبقير البطون وقطع المذاكير والمثلة السيئة، قالوا حين رأوا ذلك: لئن ظفرنا الله سبحانه وتعالى عليهم لنزيدن على صنيعهم ولنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط ولنفعلن ولنفعلن، ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمه حمزة وقد جدعوا أنفه
وقطعوا مذاكيره وبقروا بطنه، وأخذت هند بنت عتبة قطعة من كبده فمضغتها ثم استرطتها لتأكلها، فلم تلبث في بطنها حتى رمت بها، فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: أما إنها لو أكلته لم تدخل النار أبدا، حمزة أكرم على الله من أن يدخل شيئا من جسده النار، فلما نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمزة نظر إلى شئ لم ينظر إلى شئ كان أوجع لقلبه منه، فقال رحمة الله عليك، إنك ما علمت كنت، وصولا للرحم، فعالا للخيرات، ولولا حزن من بعدك عليك لسرني أن أدعك حتى تحشر من أجواف شتى، أما والله لئن أظفرني الله تعالى بهم لامثلن بسبعين منهم مكانك، فأنزل الله تعالى - وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به - الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بلى نصبر، وأمسك عما أراد، وكفر عن يمينه.
قال الشيخ الامام الاوحد أبو الحسن: ونحتاج أن نذكر ههنا مقتل حمزة.
أخبرنا عمرو بن أبي عمرو المزكى قال: أخبرنا محمد بن مكى قال: أخبرنا محمد بن يوسف قال:

حدثنا محمد بن إسماعيل الجعفي قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن عبد الله، حدثنا حجين ابن المثنى قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة وأخبرنا محمد بن إبراهيم ابن محمد بن يحيى قال: أخبرنا والدي قال: أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي قال: حدثنا سعيد بن يحيى الاموي قال: حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق، حدثنا عبد الله بن الفضل ابن عياش بن ربيعة، عن سليمان بن يسار عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري قال: خرجت أنا وعبيد الله بن عدي بن الخيار، فمررنا بحمص، فلما قدمناها قال لي عبيدالله ابن عدي: هل لك أن نأتي وحشيا نسأله كيف كان قتله حمزة ؟ قلت له: إن شئت، فقال لنا رجل: أما إنكما ستجدانه بفناء داره وهو رجل قد غلب عليه الخمر، فإن تجداه صاحيا تجدا رجلا عربيا عنده بعض ما تريدان، فلما انتهينا إليه سلمنا عليه، فرفع رأسه، قلنا: جئناك لتحدثنا عن قتلك حمزة رحمة الله عليه، فقال: أما إني سأحدثكما كما
حدثت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألني عن ذلك، كنت غلاما لجبير بن مطعم ابن عدي بن نوفل، وكان عمه طعيمة بن عدي قد أصيب يوم بدر، فلما سارت قريش إلى أحد قال لي جبير بن مطعم: إن قتلت حمزة عم محمد عليه الصلاة والسلام بعمى طعيمة فأنت عتيق، قال: فخرجت وكنت حبشيا أقذف بالحربة قذف الحبشة قلما أخطئ بها شيئا، فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة رحمة الله عليه حتى رأيته في عرض الجيش مثل الجمل الاورق يهد الناس بسيفه هدا ما يقوم له شئ، فوالله إني لا تهيأ له وأستتر منه بحجر أو شجر ليدنو مني إذ تقدمنى إليه سباع بن عبد العزى، فلما رآه حمزة رحمة الله عليه قال: هايا ابن مقطعة البظور، قال: ثم ضربه فو الله ما أخطأ رأسه، وهززت حربتي حتى إذ رضيت منها دفعتها إليه فوقعت في ثنته حتى خرجت من بين رجليه، فذهب لينافحني فغلب، فتركته حتى مات رضى الله عنه، ثم أتيته فأخذت حربتي، ثم رجعت إلى الناس، فقعدت في العسكر ولم يكن لي بغيره حاجة إنما قتلته لاعتق، فلما قدمت مكة عتقت فأقمت بها حتى نشأ فيها الاسلام، ثم رجعت إلى الطائف

فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالا وقيل لي: إن محمدا عليه الصلاة والسلام لا يهيج الرسل، قال: فخرجت معهم حتى قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآني قال: أنت وحشي ؟ قلت: نعم ؟ قال: أنت قتلت حمزة ؟ قلت قد كان من الامر ما قد بلغك، قال: فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني ؟ قال فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج الناس إلى مسيلمة الكذاب قلت: لاخرجن إلى مسيلمة الكذاب لعلي أقتله فأكافئ به حمزة، فخرجت مع الناس فكان من أمره ماكان.
سورة بني إسرائيل (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله عزوجل: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك) الآية.
أخبرنا أبو الحسين محمد بن عبد الله بن علي بن عمران قال: أخبرنا أبو علي أحمد
الفقيه قال: أخبرنا أبو عبيد القاسم بن إسماعيل المحاملي قال: حدثنا زكرياء بن يحيى الضرير قال: حدثنا سليمان بن سفيان الجهني قال: حدثنا قيس بن الربيع عن أبي إسحاق عن أبي الاحوص، عن عبد الله قال: جاء غلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمي تسألك كذا وكذا، فقال: ما عندنا اليوم شئ، قال: فتقول لك أكسني قميصك، قال: فخلع قميصه فدفعه إليه وجلس في البيت حاسرا، فأنزل الله سبحانه وتعالى - ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط - الآية.
وقال جابر بن عبد الله: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله قاعدا فيما بين أصحابه أتاه صبي فقال: يا رسول الله إن أمي تستكسيك درعا ولم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قميصه، فقال للصبي من ساعة إلى ساعة يظهر، يعد وقتا آخر، فعاد إلى أمه، فقالت له: أمي تستكسيك القميص الذي عليك، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم داره ونزع قميصه وأعطاه وقعد عريانا، فأذن بلال للصلاة فانتظروه فلم يخرج، فشغل قلوب الصحابة، فدخل عليه بعضهم فرآه عريانا، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية.

* قوله عزوجل: (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن) نزلت في عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وذلك أن رجلا من العرب شتمه، فأمره الله تعالى بالعفو.
وقال الكلبي: كان المشركون يؤذون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقول والفعل، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى: (وما منعنا أن نرسل بالآيات) الآية.
أخبرنا سعيد بن محمد ابن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا زاهر بن أحمد قال: أخبرنا أبو القاسم البغوي، قال عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا جرير بن عبد الحميد عن الاعمش، عن جعفر بن ياسر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم أن
يجعل لهم الصفا ذهبا وأن ينحى عنهم الجبال فيزرعون، فقيل له: إن شئت أن تستأني بهم لعلنا نجتبي منهم، وإن شئت نؤتهم الذي سألوا، فإن كفروا أهلكوا كما أهلك من قبلهم، قال: لا، بل أستأني بهم، فأنزل الله عز وجل - وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الاولون -.
وروينا قول الزبير بن العوام في سبب نزول هذه الآية عند قوله - ولو أن قرآنا سيرت به الجبال -.
* قوله عز وجل: (والشجرة الملعونة في القرآن) الآية.
أخبرنا إسماعيل ابن عبد الرحمن بن أحمد الواعظ قال: أخبرنا محمد بن محمد الفقيه قال: أخبرنا محمد ابن الحسين القطان قال: حدثنا إسحاق بن عبد الله بن زريق قال: حدثنا حفص ابن عبد الرحمن عن محمد بن إسحاق، عن حكيم بن عباد بن حنيف، عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: لما ذكر الله تعالى الزقوم خوف به هذا الحي من قريش، فقال أبو جهل: هل تدرون ما هذا الزقوم الذي يخوفكم به محمد عليه الصلاة والسلام ؟ قالوا: لا، قال: الثريد بالزبد، أما والله لئن أمكننا منها لنتزقمنها تزقما، فأنزل الله تبارك وتعالى - والشجرة الملعونة في القرآن - يقول المذمومة - ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا -.

* قوله تعالى: (وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك) الآية.
قال عطاء عن ابن عباس: نزلت في وفد ثقيف أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوا شططا وقالوا: متعنا باللات سنة وحرم وادينا كما حرمت مكة شجرها وطيرها ووحشها، فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجبهم، فأقبلوا يكثرون مسألتهم وقالوا: إنا نحب أن نعرف العرب فضلنا عليهم، فإن كرهت ما نقول وخشيت أن تقول العرب أعطيتهم ما لم تعطنا فقل الله أمرني بذلك، فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم
عنهم وداخلهم الطمع، فصاح عليهم عمر: أما ترون رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك عن جوابكم كراهية لما تجيئون به، وقد هم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال سعيد بن جبير: قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: لا نكف عنك إلا بأن تلم بآلهتنا ولو بطرف أصابعك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما علي لو فعلت والله يعلم أني بار، فأنزل الله تعالى هذه الآيه - وأن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك - إلى قوله - نصيرا -.
وقال قتادة: ذكر لنا أن قريشا خلوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة إلى الصبح يكلمونه ويفخمونه ويسودونه ويقاربونه، فقالوا: إنك تأتي بشئ لا يأتي به أحد من الناس، وأنت سيدنا يا سيدنا، وما زالوا به حتى كاد يقاربهم في بعض ما يريدون، ثم عصمه الله تعالى عن ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى: (وإن كادوا ليستفزونك من الارض) الآية.
قال ابن عباس: حسدت اليهود مقام النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فقالوا: إن الانبياء إنما بعثوا بالشام، فإن كنت نبيا فألحق بها فإنك إن خرجت إليها صدقناك وآمنا بك، فوقع ذلك في قلبه لما يحب من الاسلام، فرحل من المدينة على مرحلة، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وقال عثمان: إن اليهود أتوا نبي الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن كنت صادقا أنك نبي فالحق بالشام، فإن الشام أرض المحشر والمنشر وأرض الانبياء، فصدق ما قالوا وغزا غزوة تبوك لا يريد بذلك إلا الشام، فلما بلغ تبوك أنزل الله تعالى - وإن كادوا ليستفزونك من الارض -.
وقال مجاهد وقتادة والحسن: هم أهل مكة بإخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم
من مكة، فأمره الله تعالى بالخروج وأنزل عليه هذه الآية إخبارا عما هموا به.
* قوله تعالى: (وقل رب أدخلني مدخل صدق) الآية.
قال الحسن: إن كفار قريش لما أرادوا أن يوثقوا النبي صلى الله عليه وسلم ويخرجوه من مكة أراد الله تعالى بقاء أهل مكة، وأمر نبيه أن يخرج مهاجرا إلى المدينة، ونزل قوله تعالى - وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق -.
* قوله تعالى: (ويسئلونك عن الروح) الآية.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن النحوي قال: أخبرنا محمد بن بشر بن العباس قال: أخبرنا أبو لبيد محمد بن أحمد ابن بشر قال: حدثنا سويد، عن سعيد قال: حدثنا علي بن مسهر، عن الاعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: إنى مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث بالمدينة وهو متكئ على عسيب، فمر بنا ناس من اليهود فقالوا: سلوه عن الروح، فقال بعضهم: لا تسألوه فيستقبلكم بما تكرهون، فأتاه نفر منهم فقالوا: يا أبا القاسم ما تقول في الروح ؟ فسكت ثم ماج، فأمسكت بيدي على جبهته، فعرفت أنه ينزل عليه، فأنزل الله عليه - ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا - رواه البخاري ومسلم جميعا عن عمر بن حفص بن غياث عن أبيه، عن الاعمش.
وقال عكرمة عن ابن عباس: قالت قريش لليهود: أعطونا شيئا نسأل عنه هذا الرجل، فقالوا: سلوه عن الروح، فنزلت هذه الآية.
وقال المفسرون: إن اليهود اجتمعوا فقالوا لقريش حين سألوهم عن شأن محمد وحاله

سلوا محمدا عن الروح، وعن فتية فقدوا في أول الزمان، وعن رجل بلغ شرق الارض وغربها، فإن أصاب في ذلك كله فليس بنبي، وإن لم يجب في ذلك فليس نبيا، وإن أجاب في بعض وأمسك عن بعضه فهو نبي فسألوه عنها، فأنزل الله تعالى في شأن
الفتية - أم حسبت أن أصحاب الكهف - إلى آخر القصة.
ونزل في الروح قوله تعالى - ويسئلونك عن الروح -.
* قوله تعالى: (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا) الآية.
روى عكرمة عن ابن عباس أن عتبة وشيبة وأبا سفيان والنضر بن الحارث وأبا البختري والوليد بن المغيرة وأبا جهل وعبد الله بن أبي أمية وأمية بن خلف ورؤساء قريش اجتمعوا على ظهر الكعبة، فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد وكلموه وخاصموه حتى تعذروا به، فبعثوا إليه إن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك، فجاءهم سريعا وهو يظن أنه بدا في أمره بداء، وكان عليهم حريصا يحب رشدهم ويعز عليه تعنتهم حتى جلس إليهم، فقالوا: يا محمد إنا والله لا نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك، لقد شتمت الآباء وعبت الدين وسفهت الاحلام وشتمت الآلهة وفرقت الجماعة، وما بقى أمر قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك، فإن كنت أن ماجئت به لتطلب به مالا جعلنا لك من أموالنا ما تكون به أكثرنا مالا، وإن كنت إنما تطلب الشرف فينا سودناك علينا، وإن كنت تريد ملكا ملكناك علينا، وإن كان هذا الرئى الذي يأتيك تراه قد غلب عليك، وكانوا يسمون التابع من الجن الرئى بذلنا أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه أو نعذر فيك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مابي ما تقولون، ما جئتكم بما جئتكم به لطلب أموالكم ولا للشرف فيكم ولا الملك عليكم، ولكن الله عز وجل بعثني إليكم رسولا وأنزل علي كتابا وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا، فبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه علي أصبر لامر الله حتى يحكم بيني وبينكم، قالوا: يا محمد فإن كنت غير قابل منا ما عرضنا فقد علمت أنه ليس

أحد أضيق بلادا ولا أقل مالا ولا أشد عيشا منا، سل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك
فليسير عنا هذه الجبال التي ضيقت علينا، ويبسط لنا بلادنا ويجرى فيها أنهارا كأنهار الشام والعراق، وأن يبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن ممن يبعث لنا منهم قصي ابن كلاب فإنه كان شيخا صدوقا، فنسألهم عما تقول حق هو، فإن صنعت ما سألناك صدقناك وعرفنا به منزلتك عند الله وأنه بعثك رسولا كما تقول، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بهذا بعثت إنما جئتكم من عند الله سبحانه بما بعثني به، فقد بلغتكم ما أرسلت به ما، فإن تقبلوا فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه أصبر لامر الله، قالوا: فإن لم تفعل هذا فسل ربك أن يبعث لنا ملكا يصدقك، وسله فيجعل لك جنانا وكنوزا وقصورا من ذهب وفضة ويغنيك بها عما نراك، فإنك تقوم في الاسواق وتلتمس المعاش، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنا بالذي يسأل ربه هذا وما بعثت بهذا إليكم، ولكن الله تعالى بعثني بشيرا ونذيرا قالوا: فأسقط علينا كسفا من السماء كما زعمت، أن ربك إن شاء فعل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك إلى الله إن شاء فعل، فقال قائل منهم: لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلا، وقال عبد الله بن أمية المخزومي، وهو ابن عاتكة بنت عبد المطلب ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم: لا أو من بك أبدا حتى تتخذ إلى السماء سلما وترقى فيه وأنا أنظر حتى تأتيها، وتأتي بنسخة منشورة معك ونفر من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله حزينا بما فاته من متابعة قومه، ولما رأى من مباعدتهم منه، فأنزل الله تعالى - وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا - الآيات.
أخبرنا سعيد بن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا أبو علي بن أبي بكر الفقيه قال: أخبرنا أحمد بن الحسين بن الجنيد قال: حدثنا زياد بن أيوب قال: حدثنا هشام، عن عبد الملك بن عمير عن سعيد بن جبير قال: قلت له قوله - لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا - أنزلت في عبد الله بن أبي أمية ؟ قال: زعموا ذلك.
(*)

* قوله تعالى: (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن) الآية.
قال ابن عباس: تهجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة بمكة، فجعل يقول في سجوده: يا رحمن يا رحيم، فقال المشركون: كان محمد يدعو إلها واحدا فهو الآن يدعو إلهين اثنين الله والرحمن، ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة، يعنون مسيلمة الكذاب، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال ميمون بن مهران: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب في أول ما يوحى إليه: باسمك اللهم حتى نزلت هذه الآية - إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم - فكتب بسم الله الرحمن الرحيم، فقال مشركو العرب: هذا الرحيم نعرفه، فما الرحمن ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال الضحاك: قال أهل التفسير: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لتقل ذكر الرحمن وقد أكثر الله في التوراة هذا الاسم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله عز وجل: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) الآية.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال: حدثنا والدي قال: حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي قال: حدثنا عبد الله بن مطيع وأحمد بن منيع قالا: حدثنا هشيم قال: حدثنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله تعالى - ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها - قال: نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة وكانوا إذا سمعوا القرآن سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به، فقال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم - ولا تجهر بصلاتك - أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن - ولا تخافت بها - عن أصحابك فلا يسمعون - وابتغ بين ذلك سبيلا - رواه البخاري عن مسدد، ورواه مسلم عن عمرو الناقد، كلاهما عن هشيم.
وقالت عائشة رضى الله عنها: نزلت هذه الآية في التشهد، كان الاعرابي يجهر
فيقول: التحيات لله والصلوات والطيبات يرفع بها صوته، فنزلت هذه الآية.

وقال عبد الله بن شداد: كان أعراب بني تميم إذا سلم النبي صلى الله عليه وسلم من صلاته قالوا: اللهم ارزقنا مالا وولدا ويجهرون، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا أبو علي الفقيه قال أخبرنا علي بن عبد الله بن مبشر الواسطي قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن حرب قال: حدثنا أبو مروان يحيى بن أبي زكريا الغساني، عن هشام بن عروة، عن عائشة رضى الله عنها في قوله تعالى - ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها - قالت: إنها نزلت في الدعاء سورة الكهف (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله تعالى: (واصبر نفسك) الآية.
حدثنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسين الحيرى إملاء في دار السنة يوم الجمعة بعد الصلاة في شهور سنة عشر وأربعمائة قال: أخبرنا أبو الحسن بن عيسى بن عبد ربه الحيرى قال: حدثنا محمد ابن إبراهيم البوشنجى قال: حدثنا الوليد بن عبد الملك بن مسرح الحرانى قال: حدثنا سليمان بن عطاء الحرانى، عن مسلمة بن عبد الله الجهني، عن عمه ابن مشجعة بن ربعي الجهني، عن سلمان الفارسي قال: جاءت المؤلفة القلوب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن والاقرع بن حابس وذووهم، فقالوا: يا رسول الله إنك لو جلست في صدر المجلس ونحيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم يعنون سلمان وأبا ذر وفقراء المسلمين، وكانت عليهم جباب الصوف لم يكن عليهم غيرها جلسنا إليك وحادثناك وأخذنا عنك، فأنزل الله تعالى - واتل ما أوحى إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته، ولن تجد من دونه ملتحدا واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه - حتى بلغ - إنا أعتدنا للظالمين نارا - يتهددهم بالنار - فقام النبي صلى الله عليه وسلم يلتمسهم حتى إذا أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله تعالى قال:
الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي معكم المحيا ومعكم الممات

* قوله تعالى: (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا) الآية.
أخبرنا أبو بكر الحارثي قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل ابن عثمان قال: حدثنا أبو مالك، عن جوهر، عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله تعالى - ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا - قال: نزلت في أمية بن خلف الجمحي، وذلك أنه دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمر كرهه من تحرد الفقراء عنه وتقريب صناديد أهل مكة، فأنزل الله تعالى - ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا - يعني من ختمنا على قلبه عن التوحيد - واتبع هواه - يعني الشرك.
قوله تعالى: (ويسألونك عن ذي القرنين) الآية.
قال قتادة: إن اليهود سألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى: (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي) قال ابن عباس: قالت اليهود لما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم " وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " كيف وقد أوتينا التوراة، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا فنزلت - قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي - الآية.
* قوله تعالى: (فمن كان يرجو لقاء ربه) الآية.
قال ابن عباس: نزلت في جندب بن زهير الغامدي، وذلك أنه قال: إني أعمل العمل لله، فإذا اطلع عليه سرني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، ولا يقبل ماروئى فيه، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال طاوس: قال رجل: يا نبي الله إني أحب الجهاد في سبيل الله وأحب أن يرى مكاني، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال مجاهد: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أتصدق وأصل الرحم ولا أصنع ذلك إلا لله سبحانه وتعالى فيذكر ذلك منى وأحمد عليه، فيسرني ذلك، وأعجب به، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا

صالحا 7 فأنزل الله تعالى - فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا -.
سورة مريم (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله عز وجل: (وما نتنزل إلا بأمر ربك) أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن حمويه قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن معمر الشامي قال: أخبرنا إسحاق بن محمد بن إسحاق الرسغي قال: حدثني جدى قال: حدثنا المغيرة قال: حدثنا عمر بن ذر عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جبريل ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا ؟ قال فنزلت - وما نتنزل إلا بأمر ربك - الآية كلها قال: كان هذا الجواب لمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رواه البخاري عن أبي نعيم، عن ذر.
وقال مجاهد: أبطأ الملك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتاه فقال لعلي: أبطأت، قال: قد فعلت، قال: ولم لا أفعل وأنتم لا تتسوكون ولا تقصون أظفاركم ولا تنقون براجمكم، قال: وما نتنزل إلا بأمر ربك، قال مجاهد: فنزلت هذه الآية.
وقال عكرمة، والضحاك، وقتادة، ومقاتل، والكلبي: احتبس جبريل عليه السلام حين سأله قومه عن قصة أصحاب الكهف، وذي القرنين، والروح فلم يدر ما يجيبهم ورجا أن يأتيه جبريل عليه السلام بجواب فسألوه فأبطأ عليه فشق على رسول الله صلى الله عليه وسلم مشقة شديدة فلما نزل جبريل عليه السلام، قال له أبطأت
علي حتى ساء ظني واشتقت إليك، فقال جبريل عليه السلام، إني كنت إليك أشوق ولكني عبد مأمور إذا بعثت نزلت وإذا حبست احتبست، فأنزل الله تعالى: - وما نتنزل إلا بأمر ربك -.

* قوله تعالى: (ويقول الانسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا) الآية.
قال الكلبي: نزلت في أبي بن خلف حين أخذ عظاما بالية يفتها بيده ويقول: زعم - لكم محمد أنا نبعث بعد ما نموت -.
* قوله تعالى: (أفرأيت الذي كفر بآياتنا) الآية.
أخبرنا أبو إسحاق الثعالبي، قال: أخبرنا عبد الله بن حامد، قال: أخبرنا مكى ابن عبد ان ؟ قال: حدثنا عبد الله بن هاشم، قال: حدثنا أبو معاوية عن الاعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن خباب بن الارت قال: كان لي دين على العاص ابن وائل فأتيته أتقاضاه فقال: لا والله حتى تكفر بمحمد، قلت: لا والله لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث، قال: إني إذا مت ثم بعثت جئني، وسيكون لي ثم مال وولد فأعطيك، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أبو نصر أحمد بن إبراهيم، قال: أخبرنا عبيد الله بن محمد الزاهد، قال: أخبرنا البغوي قال: حدثنا أبو خيثمة، وعلي بن مسلم قالا: حدثنا وكيع قال: حدثنا الاعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن خباب قال: كنت رجلا قينا وكان لي على العاص بن وائل دين، فأتيته أتقاضاه فقال: لا أقضيك حتى تكفر بمحمد عليه الصلاة والسلام، فقلت: لا أكفر حتى تموت وتبعث، فقال: وإني لمبعوث بعد الموت ؟ فسوف أقضيك إذا رجعت إلى مالي، قال: فنزلت فيه - أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لاوتين مالا وولدا - رواه البخاري عن الحميدي، عن سفيان.
ورواه مسلم، عن الاشج، عن وكيع كلاهما، عن الاعمش.
وقال الكلبي ومقاتل: كان خباب بن الارت قينا، وكان يعمل للعاص بن وائل السهمي، وكان العاص يؤخر حقه فأتاه يتقاضاه، فقال العاص: ما عندي اليوم ما أقضيك، فقال: لست بمفارقك حتى تقضيني، فقال العاص: يا خباب مالك ماكنت هكذا وإن كنت لتحسن الطلب، فقال خباب: ذاك أني كنت على دينك، فأما اليوم

فأنا على الاسلام مفارق لدينك، قال: أو لستم تزعمون أن في الجنة ذهبا وفضة وحريرا ؟ قال خباب: بلى، قال: فأخرني حتى أقضيك في الجنة، استهزاء، فوالله لئن كان ما تقول حقا إني لافضل فيها نصيبا منك، فأنزل الله تعالى - أفرأيت الذي كفر بآياتنا يعني العاص، الآيات.
سورة طه (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله عز وجل (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) قال مقاتل: قال: أبو جهل، والنضر بن الحارث للنبي صلى الله عليه وسلم: إنك لتشقى بترك ديننا، وذلك لما رأياه من طول عبادته واجتهاده، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أبو بكر الحارثي قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: أخبرنا أبو يحيى قال: حدثنا العسكري قال: حدثنا أبو مالك، عن جرير، عن الضحاك قال: لما نزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم قام هو وأصحابه فصلوا، فقال كفار قريش: ما أنزل الله تعالى هذا القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم إلا ليشقى به، فأنزل الله تعالى - طه - يقول: يا رجل - ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى -.
* قوله عز وجل: (ولا تمدن عينيك) الآية.
أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي قال: أخبرنا شعيب بن محمد البيهقي قال: أخبرنا مكى بن عبدان قال: حدثنا أبو الازهر قال: حدثنا روح، عن موسى بن عبيدة الربذي قال: أخبرني يزيد
ابن عبد الله بن فضيل، عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ضيفا نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاني فأرسلني إلى رجل من اليهود يبيع طعاما، يقول: لك محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم: نزل بنا ضيف ولم يلق عندنا بعض الذي نصلحه، فبعني كذا وكذا من الدقيق أو سلفني إلى هلال رجب، فقال اليهودي: لا أبيعه ولا أسلفه إلا برهن، قال: فرجعت إليه فأخبرته، قال:

والله إني لامين في السماء أمين في الارض، ولو أسلفني أو باعني لاديت إليه ذهب بدرعي، ونزلت هذه الآية تعزية له عن الدنيا ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم - الآية.
سورة الانبياء (بسم الله الرحمن الرحيم).
قوله تعالى: (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى) أخبرنا عمر بن أحمد بن عمر الاوردي قال: أخبرنا عبد الله بن محمد نصير الرازي قال: أخبرنا محمد بن أيوب قال: أخبرنا علي بن المدينى قال: أخبرنا يحيى بن نوح قال: أخبرنا أبو بكر 7 عياش، عن عاصم قال: أخبرني أبو رزين، عن يحيى، عن ابن عباس قال: آية لا يسألني الناس عنها، لا أدري أعرفوها فلم يسألوا عنها، أو جهلوها فلا يسألون عنها ؟ قال: وماهي ؟ قال: لما نزلت - إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون - شق على قريش، فقالوا: أيشتم آلهتنا ؟ فجاء ابن الزبعرى فقال: مالكم ؟ قالوا يشتم آلهتنا، قال فما قال ؟ قالوا قال: - إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون - قال: ادعوه لي فلما دعى النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا محمد هذا شئ لآلهتنا خاصة أو لكل من عبد من دون الله ؟ قال: بل لكل من عبده من دون الله، فقال ابن الزبعرى: خصمت ورب هذه البنية، يعني الكعبة، ألست تزعم أن الملائكة عباد صالحون وأن عيسى عبد صالح، وهذه بنو مليح يعبدون
الملائكة، وهذه النصارى يعبدون عيسى عليه السلام، وهذه اليهود يعبدون عزيرا، قال: فصاح أهل مكة، فأنزل الله تعالى - إن الذين سبقت لهم منا الحسنى - الملائكة وعيسى وعزير عليهم السلام - أولئك عنها مبعدون -.
سورة الحج (بسم الله الرحمن الرحيم).
قوله تعالى: (ومن الناس من يعبد الله على حرف) الآية.
قال المفسرون، نزلت في أعراب كانوا يقدمون على رسول الله صلى الله عليه وسلم

المدينة مهاجرين من باديتهم، وكان أحدهم إذا قدم المدينة فإن صح بها ونتجت فرسه مهرا حسنا وولدت امرأته غلاما وكثر ماله وماشيته آمن به واطمأن، وقال: ما أصبت منذ دخلت في ديني هذا إلا خيرا، وإن أصابه وجع المدينة وولدت امرأته جارية وأجهضت رما كه وذهب ماله وتأخرت عنه الصدقة، أتاه الشيطان فقال: والله ما أصبت منذ كنت على دينك هذا إلا شرا، فينقلب عن دينه، فأنزل الله تعالى - ومن الناس من يعبد الله على حرف - الآية.
وروى عطية عن أبي سعيد الخدري قال: أسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله وولده وتشاءم بالاسلام، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقلني، فقال: إن الاسلام لا يقال، فقال: إني لم أصب في ديني هذا خيرا، أذهب بصري ومالي وولدي، فقال: يا يهودي إن الاسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد والفضة والذهب، قال: ونزلت - ومن الناس من يعبد الله على حرف -.
* قوله تعالى: (هذان خصمان اختصموا في ربهم) الآية.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المزكى قال: أخبرنا عبد الملك بن الحسن بن يوسف قال: أخبرنا يوسف ابن يعقوب القاضي قال: أخبرنا عمر بن مرزوق قال: أخبرنا شعبة عن أبي هاشم، عن أبي مجلز، عن قيس بن عبادة قال: سمعت أبا ذر يقول: أقسم بالله لنزلت -
هذان خصمان اختصموا في ربهم - في هؤلاء الستة حمزة وعبيدة وعلي بن أبي طالب وعتبة وشيبة والوليد بن عتبة، رواه البخاري عن حجاج بن منهال، عن هشيم بن هاشم أخبرنا أبو بكر الحارث قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: أخبرنا محمد ابن سليمان قال: أخبرنا هلال بن بشر قال: أخبرنا، يوسف بن يعقوب قال: أخبرنا سليم التيمي عن أبي مجلز، عن قيس بن عباد، عن علي قال: فينا نزلت هذه الآية وفي مبارزتنا يوم بدر - هذان خصمان اختصموا - إلى قوله - الحريق -.
قال ابن عباس: هم أهل الكتاب قالوا للمؤمنين: نحن أولى بالله منكم وأقدم منكم كتابا ونبيا (ونبينا) قبل نبيكم، وقال المؤمنون، نحن أحق بالله، آمنا بمحمد عليه الصلاة والسلام

وآمنا بنبيكم وبما أنزل من كتاب، فأنتم تعرفون نبينا ثم تركتموه وكفرتم به حسدا، وكانت هذه خصومتهم، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية، وهذا قول قتادة.
* قوله تعالى: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا) الآية.
قال المفسرون: كان مشركوا أهل مكة يؤذون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يزالون يجيئون من مضروب ومشجوج، فشكوهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول لهم: اصبروا فإني لم أومر بالقتال حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال ابن عباس: لما أخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبو بكر رضى الله عنه: إنا الله لنهكن، فأنزل الله تعالى " أذن للذين يقاتلون " الآية.
قال أبو بكر فعرفت أنه سيكون قتال.
* قوله تعالى: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي) قال المفسرون: لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم تولي قومه عنه وشق عليه ما رأى من مباعدتهم عما جاءهم به، تمنى في نفسه أن يأتيه من الله تعالى ما يقارب به بينه وبين قومه، وذلك لحرصه على إيمانهم، فجلس ذات يوم في ناد من أندية قريش كثير أهله، وأحب يومئذ
أن لا يأتيه من الله تعالى شئ ينفر عنه، وتمنى ذلك، فأنزل الله تعالى سورة - والنجم إذا هوى - فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ - أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى - ألقى الشيطان على لسانه لما كان يحدث به نفسه وتمناه، تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجي، فلما سمعت قريش ذلك فرحوا، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قراءته فقرأ السورة كلها، وسجد في آخر السورة فسجد المسلمون بسجوده وسجد جميع من في المسجد من المشركين، فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد إلا الوليد بن المغيرة وأبا أحيحة سعيد بن العاص، فإنهما أخذا حفنة من البطحاء ورفعاها إلى جبهتهما وسجدا عليهما، لانهما كانا شيخين كبيرين فلم يستطيعا السجود، وتفرقت قريش وقد سرهم ما سمعوا وقالوا: قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر، وقالوا: قد عرفنا أن الله يحيى ويميت ويخلق ويرزق لكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده، فإن جعل

لها محمدا نصيبا فنحن معه، فلما أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام فقال: ماذا صنعت تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله سبحانه وتعالى، وقلت ما لم أقل لك، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا وخاف من الله خوفا كبيرا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
فقالت قريش: ندم محمد عليه الصلاة والسلام على ما ذكر من منزلة آلهتنا عند الله فازدادوا شرا إلى ما كانوا عليه.
أخبرنا أبو بكر الحارثي قال: أخبرنا أبو بكر بن حيان قال: أخبرنا أبو يحيى الرازي قال: أخبرنا سهل العسكري قال: أخبرنا يحيى عن عثمان بن الاسود، عن سعيد ابن جبير قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم - أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى - فألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلى وشفاعتهن ترتجى، ففرح بذلك المشركون وقالوا: قد ذكر آلهتنا، فجاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: اعرض علي كلام الله، فلما عرض عليه فقال: أما هذا فلم آتك به هذا
من الشيطان، فأنزل الله تعالى - وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته -.
سورة قد أفلح (بسم الله الرحمن الرحيم).
قوله عز وجل: (قد أفلح المؤمنون) أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسين الحيرى إملاء قال: أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي قال: أخبرنا محمد بن حماد الابيوردي قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا يونس ابن سليمان قال: أملى يونس الايل عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن ابن عبد القارى قال: سمعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول: كان إذا أنزل الوحى على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع عند وجهه دوي كدوي النحل، فمكثنا ساعة، فاستقبل القبلة ورفع يديه فقال: اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، (14 - أسباب النزول)

وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وارض عنا، ثم قال: لقد أنزلت علينا عشر آيات من أقامهن دخل الجنة، ثم قرأ - قد أفلح المؤمنون - إلى عشر آيات، رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن أبي بكر القطيعي، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، عن عبد الرزاق.
قوله عز وجل: (الذين هم في صلاتهم خاشعون) أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد العطار قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن نعيم قال: حدثني أحمد بن يعقوب الثقفي قال: أخبرنا أبو شعيب الحراني قال: أخبرنا إسماعيل بن علية، عن أيوب، عن محمد ابن سيرين، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى رفع بصره إلى السماء، فنزل - الذين هم في صلاتهم خاشعون -.
* قوله تعالى: (فتبارك الله أحسن الخالقين) أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله
الحافظ قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن حيان قال: أخبرنا محمد بن سليمان قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن سويد بن منجوف قال: أخبرنا أبو داود، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن أنس بن مالك قال: قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: وافقت ربي في أربع: قلت: يا رسول الله لو صلينا خلف المقام، فأنزل الله تعالى - واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى - وقلت: يا رسول الله لو اتخذت على نسائك حجابا فإنه يدخل عليك البر والفاجر، فأنزل الله تعالى - وإذا سألتموهن متاعا فسألوهن من وراء حجاب - وقلت لازواج النبي صلى الله عليه وسلم: لتنتهن أو ليبدلنه الله سبحانه أزواجا خيرا منكن، فأنزل الله تعالى - عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن - الآية، ونزلت - ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين - إلى قوله تعالى - ثم أنشأناه خلقا آخر - فقلت - فتبارك الله أحسن الخالقين.
* قوله تعالى: (ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم) الآية: أخبرنا أبو القاسم بن عبد ان قال: أخبرنا محمد بن عبيدالله محمد الضبى قال: أخبرنا

أبو العباس السياري قال: أخبرنا محمد بن موسى بن حاتم قال: أخبرنا علي بن الحسن ابن شقيق قال: أخبرنا الحسين بن واقد قال: حدثنى يزيد النحوي أن عكرمة حدثه عن ابن عباس قال: جاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد ننشدك الله والرحم لقد أكلنا العلهز، يعني الوبر بالدم، فأنزل الله تعالى: - ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون - قال ابن عباس: لما أتى ثامة بن أثال الحنفي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وهو أسير فخلى سبيله، فلحق باليمامة فحال بين أهل مكة وبين الميرة من يمامة وأخذ الله تعالى قريشا بسني الجدب حتى أكلوا العلهز، فجاء أبو سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنشدكم الله والرحم إنك
تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين، قال: بلى، فقال: قد قتلت الآباء بالسيف والابناء بالجوع، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
سورة النور (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله عز وجل: (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة) الآية.
قال المفسرون: قدم المهاجرون إلى المدينة وفيهم فقراء ليست لهم أموال، وبالمدينة نساء بغايا مسافحات يكرين أنفسهن وهن يومئذ أخصب أهل المدينة، فرغب في كسبهن ناس من فقراء المهاجرين، فقالوا: لو أنا تزوجنا منهن فعشنا معهن إلى أن يغنينا الله تعالى عنهن، فاستأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فنزلت هذه الآية وحرم فيها نكاح الزانية صيانة للمؤمنين عن ذلك.
وقال عكرمة: نزلت الآية في نساء بغايا متعالجات بمكة والمدينة وكن كثيرات ومنهن تسع صواحب رايات، لهن رايات كرايات البيطار يعرفونها: أم مهدون جارية السائب بن أبي السائب المخزومي، وأم غليظ جارية صفوان بن أمية، وحية القبطية جارية العاص بن وائل، ومرية جارية ابن مالك بن عمثلة بن السباق، وجلالة جارية سهيل بن عمرو، وأم سويد جارية عمرو بن عثمان المخزومي،

وشريفة جارية زمعة بن الاسود، وقرينة جارية هشام بن ربيعة، وفرتنا جارية هلال ابن أنس، وكانت بيوتهن تسمى في الجاهلية المواخير، لا يدخل عليهن ولا يأتيهن إلا زان من أهل القبلة أو مشرك من أهل الاوثان، فأراد ناس من المسلمين نكاحهن، ليتخذوهن مأكلة، فأنزل الله هذه الآية، ونهى المؤمنين عن ذلك وحرمه عليهم، أخبرنا أبو صالح منصور بن عبد الوهاب البزاز قال: أخبرنا أبو عمرو بن حمدان قال: أخبرنا ابن الحسن بن عبد الجبار قال: أخبرنا إبراهيم بن عروة بن معتم، عن أبيه،
عن الحضرمي، عن القاسم بن محمد، عن عبد الله بن عمر أن امرأة يقال لها أم مهدون كانت تسافح، وكانت تشترط للذي يتزوجها أن تكفيه النفقة، وأن رجلا من المسلمين أراد أن يتزوجها، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية - الزانية لا ينكحها إلا زان -.
* قوله تعالى: (والذين يرمون أزواجهم) الآية.
أخبرنا أبو عثمان سعيد ابن محمد بن المؤذن قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن علي الحيرى قال: أخبرنا الحسن ابن سفيان قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا عباد بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما نزلت - والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء - إلى قوله تعالى - الفاسقون - قال سعد بن عبادة وهو سيد الانصار: أهكذا أنزلت يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تسمعون يا معشر الانصار إلى ما يقول سيدكم ؟ قالوا: يا رسول الله إنه رجل غيور، والله ما تزوج امرأة قط إلا بكرا وما طلق امرأة قط فاجترأ رجل منا على أن يتزوجها من شدة غيرته، فقال سعد: والله يا رسول الله إني لاعلم أنها حق وأنها من عند الله، ولكن قد تعجبت أن لو وجدت لكاع قد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء فو الله إني لا آتى بهم حتى يقضي حاجته، فما لبثوا إلا يسيرا حتى جاء هلال بن أمية من أرضه عشيا فوجد عند أهله رجلا فرأى بعينه وسمع بأذنه فلم يهيجه حتى أصبح وغذا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله

فقال إني جئت أهلي عشيا فوجدت عندها رجلا فرأيت بعيني وسمعت بأذني، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به واشتد عليه، فقال سعد بن عبادة: الآن يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم هلال بن أميه ويبطل شهادته في المسلمين، فقال هلال: والله إني لارجو أن يجعل الله لي منها مخرجا، فقال هلال: يا رسول الله إني قد
أرى ما قد اشتد عليك مما جئتك به، فوالله يعلم إني لصادق، فوالله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يأمر بضربه إذ نزل عليه الوحي، وكان إذا نزل عليه عرفوا ذلك في تربد جلده، فأمسكوا عنه حتى فرغ من الوحي، فنزلت - والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم - الآيات كلها، فسرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبشر يا هلال، فقد جعل الله لك فرجا ومخرجا، فقال هلال: قد كنت أرجو ذاك من ربي، وذكر باقي الحديث أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن محمد الفقيه.
قال: أخبرنا محمد بن محمد بن سنان المقرى قال: أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال: أخبرنا أبو خيثمة قال: أخبرنا جرير عن الاعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: أنا ليلة الجمعة في المسجد إذ دخل رجل من الانصار فقال: لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فإن تكلم جلدتموه، وإن قتل قتلتموه وإن سكت سكت على غيظ، والله لاسألن عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان من الغد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله ففال لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا تتكلم (فان تكلم) جلدتموه أو قتل قتلتموه، أو سكت سكت على غيظ فقال: اللهم افتح، وجعل يدعو، فنزلت آية اللعان - والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم - الآية.
فابتلى به الرجل من بين الناس فجاء هو وامرأته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلاعنا، فشهد الرجل أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، ثم لعن الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، فذهبت لتلتعن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مه فلعنت، فلما أدبرت قال: لعلها أن تجئ به أسود جعدا، فجاءت به أسود جعدا رواه مسلم عن أبي خيثمة.

قوله تعالى: (إن الذين جاءوا بالافك عصبة منكم) الآيات.
أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقرى قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن علي المقرى قال: أخبرنا أبو يعلى قال: أخبرنا أبو الوسيع الزهراني قال: أخبرنا فليح بن سليمان المدني، عن
الزهري، عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيدالله بن عبد الله ابن عتبة، عن عائشة زوج النبي عليه الصلاة والسلام حين قال فيها أهل الافك ما قالوا، فبرأها الله تعالى منه.
قال الزهري: وكلهم حدثني طائفة من حديثها وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض، وأتيت اقتصاصا ووعيت عن كل واحد الحديث الذي حدثني، وبعض حديثهم يصدق بعضا.
ذكروا أن عائشة رضى الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، قالت عائشة رضى الله عنها فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي، فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما نزلت آية الحجاب فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه مسيرنا حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته وقفل ودنونا من المدينة أذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل ومشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل، فلمست صدري فإذا عقد من جزع ظفار قد انقطع، فخرجت فالتمست عقدي، فحبسني ابتغاؤه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون، فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، قالت عائشة وكانت النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلن ولم يغشهن اللحم إنما يأكلهن العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا ووجدت عقدي بعد ما استمر الجيش، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت منزلي الذي كنت فيه وظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعوا إلي فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيناي فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي الذكواني قد عرس من وراء الجيش، فأدلج فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني، وقد كان يراني قبل أن يضرب علي الحجاب،

فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي، والله ما كلمني بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته، فوطئ على يدها فركبتها، فانطلق
يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة وهلك من هلك في، وكان الذي تولى كبره منهم عبد الله بن أبي ابن سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمتها شهرا والناس يفضون في قول أهل الافك، ولا أشعر بشئ من ذلك، ويريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول: كيف تيكم، فذلك يحزنني ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعد مانقهت وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع وهو متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الاول في التنزه، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن عبد المطلب بن عبد مناف وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق رضى الله عنه وابنها مسطح بن أثاثة ابن عباد بن عبد المطلب، فأقبلت أنا وابنة أبي رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح في مرطها، فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: بئسما قلت أتسبين رجلا قد شهد بدرا ؟ قالت: أي هنتاه أو لم تسمعي ما قال ؟ قلت: وماذا قال: ؟ فأخبرتني بقول أهل الافك، فازددت مرضا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي ودخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: كيف تيكم ؟ قلت تأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت: وأنا أريد حينئذ أن أتيقن الخبر من قبلهما فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي فقلت: يا أماه ما يتحدث الناس ؟ قالت: يا بنية هوني عليك، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل ولها ضرائر إلا أكثرن عليها، قالت: فقلت سبحان الله، وقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحت أبكى، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ابن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، فأما أسامة

ابن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال: يا رسول الله هم أهلك وما نعلم إلا خيرا، وأما علي بن أبي طالب فقال: لم يضيق الله تعالى عليك والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال: يا بريرة هل رأيت شيئا يربيك من عائشة ؟ قالت بريرة: والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتى الداجن فتأكله، قالت: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، فقال وهو على المنبر: يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي، فقام سعد بن معاذ الانصاري فقال: يا رسول الله أنا أعذرك منه، إن كان من الاوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك، قال: فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية، فقال لسعد بن معاذ: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن الحضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنه، إنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان من الاوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر، فلم يزل يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت: وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، قالت: فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكى استأذنت علي امرأة من الانصار، فأذنت لها وجلست تبكى معي، قالت: فبينا نحن على ذلك إذ دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جلس، ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني شئ، قالت: فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال: أما بعد يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب
فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه، قالت:

قلما (فلما) قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لابي أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، قال والله ما أدري ما أقول لرسول الله، فقلت لامي: أجيبي رسول الله، فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله، فقلت: وأنا جارية حديثة السن لاأقرأ كثيرا من القرآن: والله لقد عرفت أنكم سمعتم هذا وقد استقر في نفوسكم فصدقتم به، ولئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني، والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا ما قال أبو يوسف - فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون - قالت: ثم تحولت واضطجعت على فراشي، قالت: وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة، وأن الله مبرئي ببرأتي، ولكن والله ماكنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله تعالى في بأمر يتلى، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا يبرئني الله تعالى بها، قالت: فو الله مارام رسول الله صلى الله عليه وسلم منزله ولاخرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم، وأخذه ماكان يأخذه من البرحاء عند الوحي، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت: فلما سرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سرى عنه وهو يضحك، وكان أول كلمة تكلم بها أن قال: البشرى يا عائشة، أما والله لقد برأك الله، فقالت لي أمي: قومي إليه، فقلت: والله لاأقوم إليه ولا أحمد إلا الله سبحانه وتعالى هو الذي برأني، قالت: فأنزل الله سبحانه وتعالى - إن الذين جاءوا بالافك عصبة منكم - العشر الآيات.
فلما أنزل الله تعالى هذه الآية في براءتي قال الصديق، وكان ينفق على مسطح لقرابته وفقره: والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال، فأنزل الله تعالى - ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى
- إلى قوله - ألا تحبون أن يغفر الله لكم - فقال أبو بكر: والله إني أحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كانت عليه وقال: لا أنزعها منه أبدا.
رواه البخاري ومسلم كلاهما عن أبي الربيع الزهراني.

* قوله تعالى: (لولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا) الآية.
أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد العدل قال: أخبرنا أبو بكر ابن زكريا قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولى قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي خيثمة قال: أخبرنا الهيثم بن خارجة قال: أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: سمعت عطاء الخراساني، عن الزهر ي، عن عروة أن عائشة رضى الله عنها حدثته بحديث الافك، وقالت فيه وكان أبو أيوب الانصاري حين أخبرته امرأته وقالت: يا أبا أيوب ألم تسمع بما تحدث الناس ؟ قال: وما يتحدثون ؟ فأخبرته بقول أهل الافك، فقال: ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهذا بهتان عظيم، قالت: فأنزل الله عز وجل - ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم - أخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن بن حمدان قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر ابن مالك قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن أبي مليكة، عن ذكوان مولى عائشة أنه استأذن لابن عباس على عائشة وهي تموت، وعندها ابن أخيها عبد الله بن عبد الرحمن، فقال: هذا ابن عباس يستأذن عليك وهو من خير بنيك، فقالت: دعني من ابن عباس ومن تزكيته، فقال لها عبد الله بن عبد الرحمن: إنه قارئ لكتاب الله عز وجل فقيه في دين الله سبحانه فأذني له فليسلم عليك وليودعك، فقالت: فأذن له إن شئت، فأذن له، فدخل ابن عباس ثم سلم وجلس، فقال: البشرى
يا أم المؤمنين ما بينك وبين أن يذهب عنك كل أذى ونصب أو قال وصب فتلقى الاحبة محمدا عليه الصلاة والسلام وحزبه، أو قال وأصحابه، إلا أن يفارق الروح جسده، كنت أحب أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، ولم يكن يحب إلا طيبا، فأنزل الله تعالى براءتك من فوق سبع سموات فليس في الارض مسجدا إلا وهو يتلى فيه آناء الليل والنهار، وسقطت قلادتك ليلة الابواء فاحتبس النبي صلى الله عليه وسلم

في المنزل والناس معه في ابتغائها، أو قال طلبها حتى أصبح الناس على غير ماء، فأنزل الله تعالى - فتيمموا صعيدا - الآية، فكان في ذلك رخصة للناس عامة في سببك، فوالله إنك لمباركة، فقالت: دعني يا ابن عباس من هذا فوالله لوددت أني كنت نسيا منسيا.
* قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم) الآية.
أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي قال: أخبرنا الحسن بن محمد الدينورى قال: أخبرنا عبد الله بن يوسف بن أحمد بن مالك قال: أخبرنا الحسين ابن سحنتويه (سحتويه) قال: أخبرنا عمرة بن ثور وإبراهيم بن سفيان قالا: حدثنا محمد ابن يوسف القريابى قال: حدثنا قيس عن أشعث بن سوار، عن ابن ثابت قال: جاءت امرأة من الانصار فقالت: يا رسول الله إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد لا والد ولا ولد، فيأتي الاب فيدخل علي، وإنه لا يزال يدخل علي رجل من أهلي وأنا على تلك الحال فكيف أصنع ؟ فنزلت هذه الآية.
لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها - الآية.
قال المفسرون: فلما نزلت هذه الآية قال أبو بكر الصديق رضى الله عنه: يا رسول الله أفرأيت الخانات والمساكن في طرق الشام ليس فيها ساكن، فأنزل الله تعالى - ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة - الآية.
* قوله تعالى: (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم) الآية: نزلت في غلام لحويطب بن عبد العزى يقال له صبيح سأل مولاه أن يكاتبه فأبى عليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وكاتبه حويطب على مائة دينار ووهب له منها عشرين دينارا فأداها وقتل يوم حنين في الحرب.
* قوله تعالى: (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء) الآية.
أخبرنا أحمد ابن الحسن القاضي قال: أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي قال: أخبرنا محمد بن حمدان قال: أخبرنا أبو معاوية عن الاعمش، عن أبي سفيان عن جابر قال: كان عبد الله

ابن أبي يقول لجارية له: اذهبي فابغينا شيئا، فأنزل الله عز وجل - ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء - إلى قوله - غفور رحيم - رواه مسلم عن أبي كريب، عن أبي معاوية.
أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون قال: أخبرنا أحمد بن الحسن الحافظ قال: أخبرنا محمد بن يحيى قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي أويس قال: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عمر بن ثابت أن هذه الآية - ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء - نزلت في معاذة جارية عبد الله ابن أبي ابن سلول، وبهذا الاسناد عن محمد بن يحيى قال: أخبرنا عباس بن الوليد قال: أخبرنا عبد الاعلى قال: أخبرنا أحمد بن إسحاق قال: حدثني الزهري عن عمر بن ثابت قال: كانت معاذة جارية لعبد الله بن أبي وكانت مسلمة، وكان يستكرها على البغاء، فأنزل الله تعالى - ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء - إلى آخر الآية.
أخبرنا سعيد بن محمد المؤذن قال: أخبرنا أبو علي الفقيه قال: أخبرنا أبو القاسم البغوي قا ل: أخبرنا داود بن عمرو قال: أخبرنا منصور بن الاسود عن الاعمش، عن أبي نضرة، عن جابر قال: كان لعبد الله بن أبي جارية يقال لها مسيكة،
فكان يكرهها على البغاء، فأنزل الله عز وجل - ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء - إلى آخر الآية.
وقال المفسرون نزلت في معاذة ومسيكة جاريتي عبد الله بن أبي المنافق كان يكرههما على الزنا لضريبة يأخذها منهما وكذلك كانوا يفعلون في الجاهلية يؤاجرن إماءهم، فلما جاء الاسلام قالت معاذة لمسيكة إن هذا الامر الذي نحن فيه لا يخلو من وجهين، فإن يك خيرا فقد استكثرنا منه وإن يك شرا فقد آن لنا ندعه، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال مقاتل نزلت في ست جوار لعبدالله بن أبي كان يكرههن على الزنا ويأخذ

أجورهن، وهن معاذة ومسيكة وأميمة وعمرة وأروى وقتيلة، فجاءت إحداهن ذات يوم بدينار وجاءت أخرى بدونه، فقال لهما ارجعا فازنيا، فقالتا والله لا نفعل قد جاءنا الله بالاسلام وحرم الزنا، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكيتا إليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا الحاكم أبو عمرو محمد بن عبد العزيز فيما كتب إلي أن أحمد بن الفضل الحواري أخبرهم عن محمد بن يحيى قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري أن رجلا من قريش أسر يوم بدر، وكان عند عبد الله بن أبي أسيرا، وكانت لعبدالله جارية يقال لها معاذة، وكان القرشي الاسير يراودها عن نفسها، وكانت تمتنع منه لاسلامها، وكان ابن أبي يكرهها على ذلك ويضربها لاجل أن تحمل من القرشي فيطلب فداء ولده، فقال الله تعالى - ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا - إلى قوله - غفور رحيم - قال أغفر لهن ما أكرهن عليه.
* قوله تعالى: (وإذا دعوا إلى الله ورسوله) الآية.
قال المفسرون: هذه الآية
والتي بعدها في بشر المنافق وخصمه اليهودي حين اختصما في أرض، فجعل اليهودي يجره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهما، وجعل المنافق يجره إلى كعب ابن الاشرف ويقول: إن محمدا يحيف علينا، وقد مضت هذه القصة عند قوله - يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت - في سورة النساء.
* قوله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات) الآية.
روى الربيع بن أنس عن أبي العالية في هذه الآية قال: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين بعد ما أوحى الله إليه خائفا هو وأصحابه يدعون إلى الله سبحانه سرا وعلانية، ثم أمر بالهجرة إلى المدينة وكانوا بها خائفين، يصبحون في السلاح ويمسون في السلاح، فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله ما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع فيه

السلاح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لن تلبثوا إلا يسيرا حتى يجلس الرجل منكم في الملا العظيم محبيا ليست فيهم حديدة، وأنزل الله تعالى - وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات - إلى آخر الآية، فأظهر الله تعالى نبيه على جزيرة العرب، فوضعوا السلاح وأمنوا ثم قبض الله تعالى نبيه فكانوا آمنين كذلك في إمارة أبي بكر وعمر وعثمان رضى الله عنهم حتى وقعوا فيما وقعوا فيه وكفروا النعمة، فأدخل الله عليهم الخوف وغيروا، فغير الله بهم.
أخبرنا إسماعيل بن الحسن بن محمد بن الحسين النقيب قال: أخبرنا جدى قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن الحسن النصراباذي قال: أخبرنا أحمد بن سعيد الدارمي قال: أخبرنا علي بن الحسين بن واقد قال: أخبرنا أبي عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب قال: لما قدم النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه المدينة وآوتهم الانصار رمتهم العرب عن قوس واحد، فكانوا لا يبيتون إلا في السلاح ولا يصبحون إلا في لامتهم، فقالوا: ترون أنا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلا الله
عز وجل، فأنزل الله تعالى لنبيه - وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات - إلى قوله - ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون - يعني بالنعمة.
رواه الحاكم في صحيحه عن محمد بن صالح بن هانئ، عن أبي سعيد ابن ساذان، عن الدارمي.
* قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم) الآية.
قال ابن عباس: وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما من الانصار يقال له مدلج بن عمرو إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه وقت الظهيرة ليدعوه، فدخل فرأى عمر بحالة كره رؤيته ذلك، فقال يا رسول الله وددت لو أن الله تعالى أمرنا ونهانا في حال الاستئذان، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال مقاتل: نزلت في أسماء بنت مرثد كان لها غلام كبير، فدخل عليها في وقت كرهته، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية.

* قوله تعالى: (ليس على الاعمى حرج) الآية.
قال ابن عباس: لما أنزل الله تبارك وتعالى - لا تأكلوا أموالكم بينكم - تحرج المسلمون عن مؤاكلة المرضى والزمنى والعرج، وقالوا: الطعام أفضل الاموال - وقد نهى الله تعالى عن أكل المال بالباطل، والاعمى لا يبصر موضع الطعام الطيب، والمريض لا يستوفى الطعام، فأنزل الله هذه الآية.
وقال سعيد بن جبير والضحاك: كان العرجان والعميان يتنزهون عن مؤاكلة الاصحاء، لان الناس يتقذرونهم ويكرهون مؤاكلتهم، وكان أهل المدينة لا يخالطهم في طعامهم أعمى ولا أعرج ولا مريض تقذرا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال مجاهد: نزلت هذه الآية ترخيصا للمرضى والزمنى في الاكل من بيوت من سمى الله تعالى في هذه الآية، وذلك أن قوما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا لم يكن عندهم ما يطعمونهم ذهبوا بهم إلى بيوت آبائهم وأمهاتهم أو بعض
من سمى الله تعالى في هذه الآية، وكان أهل الزمانة يتحرجون من أن يطعموا ذلك الطعام لانه أطعمهم غير مالكيه، ويقولون إنما يذهبون بنا إلى بيوت غيرهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل التاجر قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ قال: أخبرنا محمد بن يحيى قال: أخبرنا إسماعيل ابن أبى أويس قال: حدثني مالك عن ابن شهاب عن سعيد ابن المسيب أنه كان يقول في هذه الآية: نزلت في أناس كانوا إذا خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وضعوا مفاتيح بيوتهم عند الاعمى والاعرج والمريض وعند أقاربهم، وكانوا يأمرونهم أن يأكلوا مما في بيوتهم إذا احتاجوا إلى ذلك، وكانوا يتقون أن يأكلوا منها ويقولون: نخشى أن لا تكون أنفسهم بذلك طيبة، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى: (ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا) قال قتادة والضحاك: نزلت في حي من كنانة يقال لهم بنو ليث بن عمرو، وكانوا يتحرجون

أن يأكل الطعام وحده، فربما قعد الرجل والطعام بين يديه من الصباح إلى الرواح، والشول حفل والاحوال منتظمة تحرجا من أن يأكل وحده، فإذا أمسى ولم يجد أحدا أكل، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال عكرمة: نزلت في قوم من الانصار كانوا لا يأكلون إذا نزل بهم ضيف إلا مع ضيفهم، فرخص لهم أن يأكلوا كيف شاءوا جميعا متحلقين أو أشتاتا متفرقين سورة الفرقان (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله تعالى: (تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك) الآية.
أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المقرئ قال: أخبرنا أحمد ابن أبي الفرات قال: أخبرنا عبد الله بن محمد يعقوب البخاري قال: أخبرنا محمد بن حميد
ابن فرقد قال: أخبرنا إسحاق بن بشر قال: أخبرنا جوهر عن الضحاك.
عن ابن عباس قال: لما عير المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفاقة قالوا: مالهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الاسواق، حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل جبريل عليه السلام من عند ربه معزيا له، فقال: السلام عليك يا رسول الله، رب العزة يقرئك السلام ويقول لك - وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الاسواق - أي يبتغون المعاش في الدينا قال: فبينا جبريل عليه السلام والنبي صلى الله عليه وسلم يتحدثان إذ ذاب جبريل عليه السلام حتى صار مثل الهدرة، قيل: يا رسول الله وما الهدرة ؟ قال العدسة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مالك ذبت حتى صرت مثل الهدرة قال: يا محمد فتح باب من أبواب السماء ولم يكن فتح قبل ذلك اليوم، وإني أخاف أن يعذب قومك عند تعييرهم إياك بالفاقة، وأقبل النبي وجبريل عليهما السلام يبكيان، إذ عاد جبريل عليه السلام إلى حاله، فقال أبشر يا محمد هذا رضوان خازن الجنة قد أتاك بالرضا من ربك،

فأقبل رضوان حتى سلم ثم قال: يا محمد رب العزة يقرئك السلام، ومعه سقط من نور يتلالا ويقول لك ربك، هذه مفاتيح خزائن الدنيا مع ما لا ينتقص لك مما عنده في الآخرة مثل جناح بعوضة، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل عليه السلام كالمستشير به، فضرب جبريل بيده إلى الارض فقال: تواضع لله، فقال: يا رضوان لا حاجة لي فيها، الفقر أحب إلي وأن أكون عبد ا صابرا شكورا، فقال رضوان عليه السلام: أصبت أصاب الله بك، وجاء نداء من السماء فرفع جبريل عليه السلام رأسه، فإذا السموات قد فتحت أبوابها إلى العرش، وأوحى الله تعالى إلى جنة عدن أن تدلى غصنا من أغصانها عليه عذق عليه غرقة من زبرجدة خضراء لها سبعون ألف باب من ياقوتة حمراء، فقال جبريل عليه السلام: يا محمد ارفع بصرك، فرفع فرأى منازل الانبياء
وغرفهم، فإذا منازله فوق منازل الانبياء فضلا له خاصة، ومناد ينادي: أرضيت يا محمد ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: رضيت، فاجعل ما أردت أن تعطيني في الدنيا ذخيرة عندك في الشفاعة يوم القيامة ويرون أن هذه الآية أنزلها رضوان - تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الانهار ويجعل لك قصورا.
* قوله تعالى: (ويوم يعض الظالم على يديه) الآية.
قال ابن عباس في رواية عطاء الخراساني: كان أبي بن خلف يحضر النبي صلى الله عليه وسلم ويجالسه ويستمع إلى كلامه من غير أن يؤمن به، فزجره عقبة بن أبي معيط عن ذلك، فنزلت هذه الآية وقال الشعبي: وكان عقبة خليلا لامية بن خلف، فأسلم عقبة، فقال أمية: وجهي من وجهك حرام إن تابعت محمدا عليه الصلاة والسلام، وكفر وارتد لرضا أمية، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية.
وقال آخرون: إن أبي بن خلف وعقبة بن أبي معيط كانا متحالفين، وكان عقبة لا يقدم من سفر إلا صنع طعاما فدعا إليه أشراف قومه، وكان يكثر مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم، فقدم من سفره ذات يوم فصنع طعاما فدعا الناس، ودعا رسول الله (15 - أسباب النزول)

صلى الله عليه وسلم إلى طعامه، فلما قرب الطعام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنا بآكل من طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فقال عقبة: أشهد أن لاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم من طعامه، وكان أبي بن خلف غائبا، فلما أخبر بقصته قال: صبأت يا عقبة، فقال: والله ماصبأت ولكن دخل علي رجل فأبى أن يطعم من طعامي إلا أن أشهد له، فاستحيت أن يخرج من بيتي ولم يطعم، فشهدت فطعم، فقال أبي: ما أنا بالذي رضى منك أبدا إلا أن تأتيه فتبزق في وجهه وتطأ عنقه، ففعل ذلك عقبة، فأخذ رحم دابة فألقاها بين
كتفيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ألقاك خارجا من مكة إلا علوت رأسك بالسيف، فقتل عقبة يوم بدر صبرا، وأما أبي بن خلف فقتله النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد في المبارزة، فأنزل الله تعالى فيهما هذه الآية.
وقال الضحاك: لما بزق عقبة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، عاد بزاقه في وجهه فتشعب شعبتين، فأحرق خديه وكان أثر ذلك فيه حتى الموت.
* قوله تعالى: (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) إلى آخر الآيات.
أخبرنا أبو إسحاق الثعالبي قال: أخبرنا الحسن بن أحمد المخلدي قال: أخبرنا المؤمن ابن الحسن بن عيسى قال: أخبرنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني قال: أخبرنا حجاج، عن ابن جريج قال: أخبرني يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير سمعه يحدث، عن ابن عباس أن ناسا من أهل الشرك قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا، ثم أتوا محمدا عليه الصلاة والسلام فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة، فنزلت - والذين لا يدعون مع الله إلها آخر - الآيات إلى قوله - غفورا رحيما - رواه مسلم عن إبراهيم بن دينار عن حجاج.
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن حجى قال: أخبرنا والدي قال: أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي قال: أخبرنا إبراهيم الحنظلي ومحمد بن صباح قالا: حدثنا جرير، عن منصور والاعمش، عن أبي وائل، عن عمرو بن شرحبيل، عن أبي ميسرة، عن عبد الله ابن مسعود قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم ؟ قال:

أن يجعل لله ندا وهو خلقك، قال: قلت ثم أي ؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك، قال: قلت ثم أي قال: أن تزاني حليلة جارك، فأنزل الله تعالى تصديقا لذلك - والذين لا يدعون مع الله إلها آخر، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون - رواه البخاري ومسلم عن عثمان بن أبي شيبة، عن جرير.
أخبرنا أبو بكر بن الحارث قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال: أخبرنا أحمد ابن محمد بن إبراهيم قال: أخبرنا إسماعيل بن إسحاق قال: أخبرنا الحارث بن الزبير قال: أخبرنا أبو راشد مولى المهرس، عن سعد بن سالم القداج، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: " أتى وحشى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أتيتك مستجيرا فأجرني حتى أسمع كلام الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد كنت أحب أن أراك على غير جوار، فأما إذ أتيتني مستجيرا فأنت في جواري حتى تسمع كلام الله قال: فإني أشركت بالله وقتلت النفس التي حرم الله تعالى وزنيت، هل يقبل الله مني توبة ؟ فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل - والذين لا يدعون مع الله إلها آخر، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا يزنون - إلى آخر الآية، فتلاها عليه قال: أرى شرطا فلعلي لا أعمل صالحا أنا في جوارك حتى أسمع كلام الله، فنزلت - إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء - فدعا به فتلاها عليه، فقال: ولعلى ممن لا يشاء أنا في جوارك حتى أسمع كلام الله فنزلت - قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله - فقال: نعم الآن لا أرى شرطا فأسلم ".
سورة القصص بسم الله الرحمن الرحيم.
قوله تعالى: (إنك لا تهدي من أحببت) الآية.
أخبرنا أبو عبد الله بن محمد بن عبد الله الشيرازي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد ابن خمروية قال: أخبرنا علي بن محمد الخزاعي قال: أخبرنا أبو اليمان الحكم بن رافع

قال: أخبرني شعيب عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله
سبحانه وتعالى، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعاودانه بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم به: أنا على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله لاستغفرن لك ما لم أنه عنك، فأنزل الله عز وجل - ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى - الآية، وأنزل في أبي طالب - إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء - رواه البخاري عن أبي اليمان، ورواه مسلم، عن حرملة، عن ابن وهب، عن يونس، عن الزهري أخبرنا الاستاذ أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم قال: أخبرنا الحسن بن محمد ابن علي الشيباني قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن بن بشر قال: أخبرنا يحيى بن سعيد عن يزيد بن كيسان قال: حدثني أبو حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه: قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة، قال: لولا أن تعيرني نساء قريش يقلن أنه حمله على ذلك الجزع لاقررت بها عينك، فأنزل الله تعالى - إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء - رواه مسلم، عن محمد بن حاتم، عن يحيى بن سعيد قال: سمعت أبا عثمان الحيرى يقول: سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول: سمعت أبا إسحاق الزجاج يقول في هذه الآية: أجمع المفسرون أنها نزلت في أبي طالب.
* قوله تعالى: (وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا) نزلت في الحارث بن عثمان بن عبد مناف، وذلك أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا لنعلم أن الذي تقول حق، ولكن يمنعنا من اتباعك أن العرب تخطفنا من أرضنا لاجماعهم على خلافنا ولا طاقة لنا بهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

* قوله تعالى: (أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه) أخبرنا أبو بكر الحارث
قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: أخبرنا محمد بن سليمان قال: أخبرنا عبد الله بن حازم الابلي قال: أخبرنا بلال بن المحبر قال: أخبرنا شعبة، عن أبان، عن مجاهد في هذه الآية قال: نزلت في علي وحمزة وأبي جهل، وقال السدى: نزلت في عمار والوليد ابن المغيرة: وقيل: نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم وأبي جهل.
* قوله تعالى: (وربك يخلق ما يشاء ويختار) قال أهل التفسير: نزلت جوابا للوليد بن المغيرة حين قال فيما أخبر الله تعالى أنه لا يبعث الرسل باختياره.
سورة العنكبوت بسم الله الرحمن الرحيم.
قوله تعالى: (ألم أحسب الناس) الآيتان: قال الشعبي نزلت في أناس كانوا بمكة قد أقروا بالاسلام، فكتب إليهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة أنه لا يقبل منكم إقرار ولا إسلام حتى تهاجروا، فخرجوا عامدين إلى المدينة فاتبعهم المشركون فآذوهم، فنزلت فيهم هذه الآية وكتبوا إليهم أن قد نزلت فيكم آية كذاوكذا، فقالوا: نخرج فإن اتبعنا أحد قاتلناه، فخرجوا فاتبعهم المشركون فقاتلوهم، فمنهم من قتل ومنهم من نجا، فأنزل الله تعالى فيهم - ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا - الآية.
وقال مقاتل: نزلت في مهجع مولى عمر ابن الخطاب كان أول قتيل من المسلمين يوم بدر رماه عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سيد الشهداء مهجع، وهو أول من يدعى إلى باب الجنة من هذه الامة، فجزع عليه أبواه وامرأته، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية، وأخبر أنه لابد لهم من البلاء والمشقة في ذات الله تعالى.
* قوله تعالى: (ووصينا الانسان بوالديه حسنا) الآية.
قال المفسرون: نزلت في سعد بن أبي وقاص وذلك أنه لما أسلم قالت له أمه جميلة: يا سعد بلغني أنك صبوت

فوالله لا يظلني سقف بيت من الضح والريح ولا آكل ولا أشرب حتى تكفر بمحمد
صلى الله عليه وسلم وترجع إلى ماكنت عليه، وكان أحب ولدها إليها، فأبى سعد فصبرت هي ثلاثة أيام لم تأكل ولم تشرب ولم تستظل بظل حتى غشى عليها، فأتى سعد النبي صلى الله عليه وسلم وشكا ذلك إليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية والتي في لقمان والاحقاف.
أخبرنا أبو سعد بن أبي بكر الغازي قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن حمدان قال: أخبرنا أبو يعلى قال: أخبرنا أبو خيثمة قال: أخبرنا الحسن بن موسى قال: أخبرنا زهير قال: أخبرنا سماك بن حرب قال: حدثني مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه قال: نزلت هذه الآية في قال: حلفت أم سعد لا تكلم أبدا حتى يكفر بدينه، ولا تأكل ولا تشرب ومكثت ثلاثة أيام حتى غشى عليها من الجهد، فأنزل الله تعالى - ووصينا الانسان بوالديه - حسنا - رواه مسلم عن أبي خيثمة.
* قوله تعالى: ((وإن جاهداك لتشرك بي) الآية.
أخبرنا أحمد بن محمد ابن عبد الله بن الحافظ قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال: أخبرنا أبو يعلى قال: أخبرنا أحمد بن أيوب بن راشد الضبى قال: أخبرنا مسلمة بن علقمة قال: أخبرنا داود بن أبي هند عن أبي عثمان النهدي أن سعد بن مالك قال: أنزلت في هذه الآية - وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما - قال كنت رجلا برا بأمي، فلما أسلمت قالت: يا سعد ماهذا الدين الذي قد أحدثت، لتدعن عن دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بي فيقال يا قاتل أمه، قلت: لا تفعلي يا أمه فإني لاأدع ديني هذا لشئ، قال: فمكثت يوما لا تأكل فأصبحت قد جهدت، قال: فمكثت يوما آخر وليلة لا تأكل، فأصبحت وقد اشتد جهدها، قال: فلما رأيت ذلك قلت تعلمين والله يا أمه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا لشئ، إن شئت فكلي وإن شئت فلا تأكلي، فلما رأت ذلك أكلت، فأنزلت هذه الآية وإن جاهداك - الآية.

* قوله تعالى: (ومن الناس من يقول آمنا بالله) قال مجاهد: نزلت في أناس كانوا يؤمنون بألسنتهم، فإذا أصابهم بلاء من الله ومصيبة في أنفسهم افتتنوا.
وقال الضحاك: نزلت في أناس من المنافقين بمكة كانوا يؤمنون، فإذا أوذوا رجعوا إلى الشرك.
وقال عكرمة عن ابن عباس: نزلت في المؤمنين الذين أخرجهم المشركون عن الدين فارتدوهم والذين نزلت فيهم - إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم - الآية.
* قوله تعالى: (وكأين من دابة لا تحمل رزقها) الآية.
أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد التميمي قال: أخبرنا أبو محمد بن حيان قال: أخبرنا أحمد بن جعفر الجمال قال: أخبرنا عبد الواحد بن محمد البجلى قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا الحجاج بن منهال، عن الزهري، عن عبد الرحيم بن عطاء، عن عطاء، عن ابن عمر قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل بعض حيطان الانصار، فجعل يلقط من التمر ويأكل، فقال: يا ابن عمر مالك لا تأكل ؟ فقلت: لا أشتهيه يا رسول الله، فقال: لكني أشتهيه، وهذه صبيحة رابعة ما ذقت طعاما، ولو شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر، فكيف بك يا ابن عمر إذا بقيت في قوم يخبئون رزق سنتهم ويضعف اليقين ؟ قال: فوالله ما برحنا حتى نزلت - وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم -.
سورة الروم (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله تعالى: (ألم غلبت الروم) الآية.
قال المفسرون بعث كسرى جيشا إلى الروم واستعمل عليهم رجلا يسمى شهريران، فسار إلى الروم بأهل فارس وظهر عليهم، فقتلهم وخرب مدائنهم وقطع زيتونهم، وكان قيصر بعث رجلا يدعى يحنس فالتقى مع شهريران بأذرعات وبصرى وهي أدنى الشام إلى أرض العرب، فغلب فارس الروم، وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة، فشق

ذلك عليهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن يظهر الاميون من أهل المجوس على أهل الكتاب من الروم، وفرح كفار مكة وشتموا، فلقوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنكم أهل كتاب والنصارى أهل كتاب ونحن أميون، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من الروم، وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم، فأنزل الله تعالى - ألم غلبت الروم في أدنى الارض - إلى آخر الآيات.
أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الواعظ قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن حامد العطار قال: أخبرنا أحمد بن الحسين بن عبد الجبار قال: أخبرنا الحرث بن شريح قال: أخبرنا المعتمر بن سليمان عن أبيه، عن الاعمش، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري قال: لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس، فأعجب المؤمنون بظهور الروم على فارس.
سورة لقمان (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله تعالى: (ومن الناس من يشترى لهو الحديث) قال الكلبي ومقاتل: نزلت في النضر بن الحارث، وذلك أنه كان يخرج تاجرا إلى فارس فيشتري أخبار الاعاجم فيرويها ويحدث بها قريشا ويقول لهم: إن محمدا عليه الصلاة والسلام يحدثكم بحديث عاد وثمود، وأنا أحدثكم بحديث رستم واسفنديار وأخبار الاكاسرة، فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن، فنزلت فيه هذه الآية.
وقال مجاهد: نزلت في شراء القيان والمغنيات أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المقرئ قال: أخبرنا محمد بن الفضل بن محمد ابن إسحاق بن خزيمة قال: أخبرنا جدى قال: أخبرنا علي بن حجر قال: أخبرنا مشمعل ابن ملحان الطائي، عن مطرح بن يزيد، عن عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد،
عن القاسم، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل تعليم

المغنيات ولابيعهن وأثمانهن حرام، وفي مثل هذا نزلت هذه الآية - ومن الناس من يشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله - إلى آخر الآية.
وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث الله تعالى عليه شيطانين، أحدهما على هذا المنكب والآخر على هذا المنكب، فلا يزالان يضربان بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت.
وقال ثور بن أبى فاختة عن أبيه، عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في رجل اشترى جارية تغنيه ليلا ونهارا.
* قوله تعالى: (وإن جاهداك على أن تشرك بي) نزلت في سعد بن أبي وقاص، على ما ذكرناه في سورة العنكبوت.
* قوله تعالى: (واتبع سبيل من أناب إلي) نزلت في أبي بكر رضى الله عنه، قال عطاء، عن ابن عباس: يريد أبا بكر، وذلك أنه حين أسلم أتاه عبد الرحمن ابن عوف وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعثمان وطلحة والزبير فقالوا لابي بكر رضى الله عنه: آمنت وصدقت محمدا عليه الصلاة والسلام ؟ فقال أبو بكر: نعم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فآمنوا وصدقوا، فأنزل الله تعالى يقول لسعد - واتبع سبيل من أناب إلي - يعني أبا بكر رضى الله عنه.
* قوله تعالى: (ولو أن ما في الارض من شجرة أقلام) قال المفسرون سألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح، فأنزل الله - ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا - فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أتاه أحبار اليهود فقالوا: يا محمد بلغنا عنك أنك تقول - وما أوتيتم من العلم إلا قليلا - أفتعنينا أم قومك ؟ فقال كلا قد عنيت، قالوا: ألست تتلو فيما جاءك إنا قد أوتينا التوراة وفيا علم كل شئ ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
هي في علم الله سبحانه قليل، ولقد آتاكم الله تعالى ما إن عملتم به انتفعتم به فقالوا: يا محمد كيف تزعم هذا أنت تقول - ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا -

وكيف يجتمع هذا علم قليل وخير كثير، فأنزل الله تعالى - ولو أن ما في الارض من شجرة أقلام - الآية.
* قوله تعالى: (إن الله عنده علم الساعة) نزلت في الحارث بن عمرو بن حارثة ابن محارب بن حفصة من أهل البادية أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الساعة ووقتها، وقال: إن أرضنا أجدبت، فمتى ينزل الغيث وتركت امرأتي حبلى فماذا تلد ؟ وقد علمت أين ولدت فبأي أرض أموت ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد المؤذن قال: أخبرنا محمد بن حمدون بن الفضل قال: أخبرنا أحمد بن الحسن الحافظ قال: أخبرنا حمدان السلمي قال: حدثنا النضر بن محمد قال: حدثنا عكرمة قال: حدثنا إياس بن سلمة قال: حدثنى أبى أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل بفرس له يقودها عقوق ومعها مهرة له يبيعها، فقال له: من أنت ؟ قال: أنا نبي الله، قال: ومن نبي الله ؟ قال رسول الله، قال متى تقوم الساعة ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غيب ولا يعلم الغيب إلا الله، قال: متى تمطر السماء ؟ قال غيب ولا يعلم الغيب إلا الله، قال: ما في بطن فرسي هذه ؟ قال: غيب ولا يعلم الغيب إلا الله قال: أرني سيفك، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم سيفه فهزه الرجل ثم رده إليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما إنك لم تكن تستطيع الذي أردت، قال: وقد كان الرجل، قال: أذهب إليه فأسأله عن هذه الخصال، ثم أضرب عنقه.
أخبرنا أبو عبد الله بن إسحاق قال: أخبرنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر قال: أخبرنا محمد بن عثمان بن أبي سويد قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا سفيان الثوري، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مفاتيح
الغيب خمسة لا يعلمهم إلا الله تعالى، لا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله، ولا يعلم ما تغيض الارحام إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى ينزل الغيث إلا الله.
رواه البخاري، عن محمد بن يوسف عن سفيان.

سورة السجدة (بسم الله الرحمن الرحيم).
قوله تعالى: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) قال مالك بن دينار: سألت أنس بن مالك عن هذه الآية فيمن نزلت، فقال: كان أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون من المغرب إلى صلاة العشاء الآخرة، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.
أخبرنا أبو إسحاق المقرى قال: أخبرني أبو الحسين بن محمد الدينوى قال: أخبرنا موسى بن محمد قال: أخبرنا الحسين بن علويه قال: أخبرنا إسماعيل ابن عيسى قال: أخبرنا المسيب، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: فينا نزلت معاشر الانصار - تتجافى جنوبهم عن المضاجع - الآية.
كنا نصلى المغرب فلا نرجع إلى رحالنا حتى نصلي العشاء مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الحسن ومجاهد: نزلت في المتهجدين الذين يقومون الليل إلى الصلاة، ويدل على صحة هذا ما أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الخشاب قال: أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الاصفهاني قال: أخبرنا محمد بن إسحاق السراج قال: أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: أخبرنا جدى عن الاعمش، عن الحكم، عن ميمون بن أبي شبيب، عن معاذ بن جبل قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وقد أصابنا الحر فتفرق القوم، فنظرت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقربهم مني، فقلت: يا رسول الله أنبئني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار، قال: لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه: تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدى الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان، وإن شئت أنبأتك بأبواب الخير، فقال: قلت أجل يا رسول الله، قال: الصوم جنة
الصوم جنة، والصدقة تكفر الخطيئة، وقيام الرجل في جوف الليل يبتغي وجه الله تعالى: قال: ثم قرأ هذه الآية - تتجافى جنوبهم عن المضاجع - * قوله تعالى: (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا) الآية: نزلت في

على بن أبي طالب والوليد بن عقبة: أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الاصفهاني قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الحافظ قال: أخبرنا إسحاق بن بيان الانماطي قال: أخبرنا حبيش بن مبشر الفقيه قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال الوليد بن عقبة بن أبي معيط لعلي بن أبي طالب رضى الله عنه: أنا أحد منك سنانا، وأبسط منك لسانا، وأملا للكتيبة منك، فقال له علي: اسكت فإنما أنت فاسق، فنزل - أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون - قال: يعني بالمؤمن عليا، وبالفاسق الوليد بن عقبة.
سورة الاحزاب (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله تعالى: (يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين) الآية.
نزلت في أبي سفيان وعكرمة بن أبي جهل وأبي الاعور السلمي قدموا المدينة بعد قتال أحد، فنزلوا على عبد الله بن أبي، وقد أعطاهم النبي (نبي) الله صلى الله عليه وسلم الامان على أن يكلموه، فقام معهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح وطعمة ابن أبيرق، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم وعنده عمر بن الخطاب: ارفض ذكر آلهتنا اللات والعزى ومنات، وقل إن لها شفاعة ومنفعة لمن عبدها وندعك وربك، فشق على النبي صلى الله عليه وسلم قولهم، فقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه ائذن لنا يا رسول الله في قتلهم، فقال: إني قد أعطيتهم الامان، فقال عمر: اخرجوا في لعنة الله وغضبه، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرجهم من المدينة، فأنزل الله عز وجل هذه الآية.
* قوله تعالى: (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) نزلت في جميل ابن معمر الفهرى، وكان رجلا لبيبا حافظا لما سمع، فقالت قريش، ما حفظ هذه الاشيا ء إلا وله قلبان، وكان يقول: إن لي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من

عقل محمد صلى الله عليه وسلم، فلما كان يوم بدر وهزم المشركون وفيهم يومئذ جميل ابن معمر، تلقاه أبو سفيان وهو معلق إحدى نعليه بيده والاخرى في رجله، فقال له: يا أبا معمر ما حال الناس ؟ قال انهزموا، قال: فما بالك إحدى نعليك في يدك والاخرى في رجلك ؟ قال: ما شعرت إلا أنهما في رجلي، وعرفوا يومئذ أنه لو كان له قلبان لما نسى نعله في يده.
* قوله تعالى: (وما جعل أدعياءكم أبناءكم) نزلت في زيد بن حارثة كان عند الرسول صلى الله عليه وسلم فأعتقه وتبناه قبل الوحي، فلما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش، وكانت تحت زيد بن حارثة، قالت اليهود والمنافقون: تزوج محمد صلى الله عليه وسلم امرأة ابنه وهو ينهى الناس عنها، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن نعيم الاشكابي قال أخبرنا الحسن بن أحمد بن محمد ابن علي بن مخلد قال: أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي قال: أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: أخبرنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن موسى بن عقبة، عن سالم عن عبد الله يزعم أنه كان يقول: ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيدا بن محمد حتى نزلت في القرآن - ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله - رواه البخاري، عن معلى بن أسد، عن عبد الرحمن ابن المختار، عن موسى بن عقبة.
* قوله تعالى: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم قال: أخبرنا عبد الله بن خالد قال: أخبرنا مكى
ابن عبد ان قال: أخبرنا عبد الله بن هاشم قال: أخبرنا بهز بن أسد قال: أخبرنا سليمان ابن المغيرة، عن ثابت، عن أنس قال: غاب عمى أنس بن النضير وبه سميت أنسا عن قتال بدر، فشق عليه لما قدم وقال: غبت عن أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لئن أشهدني الله سبحانه قتالا ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء المشركون وأعتذر إليك

فيما صنع هؤلاء، يعني المسلمين، ثم مشى بسيفه فلقيه سعد بن معاذ فقال: أي سعد والذى نفسي بيده إني لاجد ريح الجنة دون أحد، فقاتلهم حتى قتل، قال أنس: فوجدناه بين القتلى به بضع وثمانون جراحة من بين ضربة بالسيف وطعنة بالرمح ورمية بالسهم، وقد مثلوا به، وما عرفناه حتى عرفته أخته ببنانه، ونزلت هذه الآية - من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه - قال: وكنا نقول: أنزلت هذه الآية فيه وفي أصحابه رواه مسلم عن محمد بن حاتم، عن بهز بن أسد.
أخبرنا سعد بن أحمد بن جعفر المؤذن قال: أخبرنا أبو علي بن أبي بكر الفقيه قال: أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الزيارجي قال: أخبرنا بندار قال: أخبرنا محمد ابن عبد الله الانصاري قال: حدثني أبي عن ثمامة، عن أنس بن مالك قال: نزلت هذه الآية في أنس بن النضر - من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه - رواه البخاري، عن بندار.
* قوله تعالى: (فمنهم من قضى نحبه) نزلت في طلحة بن عبيد الله ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى أصيبت يده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم أوجب لطلحة الجنة.
أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله التميمي قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن نصر الرازي قال: أخبرنا العباس بن إسماعيل الرقى قال:
أخبرنا إسماعيل بن يحيى البغدادي، عن أبي سنان، عن الضحاك، عن النزال بن سبرة، عن علي قال: قالوا: أخبرنا عن طلحة قال ذلك امرؤ نزلت فيه آية من كتاب الله تعالى - فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر - طلحة ممن قضى نحبه لا حساب عليه فيما يستقبل.
أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبى قال: أخبرنا وكيع عن طلحة بن يحيى

عن عيسى بن طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم مر عليه طلحة فقال: هذا ممن قضى نحبه.
* قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) الآية.
أخبرنا أبو بكر الحارثي قال: أخبرنا أبو محمد بن حيان قال: أخبرنا أحمد بن عمرو ابن أبي عاصم قال: أخبرنا أبو الربيع الزهراني قال: أخبرنا عمار بن محمد الثوري قال: أخبرنا سفيان عن أبي الحجاف، عن عطية، عن أبي سعيد - إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا - قال: نزلت في خمسة، في النبي صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.
أخبرنا أبو سعد النضوى قال: أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي قال: أخبرنا عبد الله ابن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: أخبرنا ابن نمير قال: أخبرنا عبد الملك، عن عطاء ابن أبي رباح قال: حدثني من سمع أم سليم تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بيتها، فأتته فاطمة رضى الله عنها ببرمة فيها خزيرة، فدخلت بها عليه، فقال لها: ادعى لي زوجك وابنيك، قالت: فجاء علي وحسن وحسين، فدخلوا فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة وهو على منامة له، وكان تحته كساء حبرى، قالت، وأنا في الحجرة أصلي، فأنزل الله تعالى هذه الآية - إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
ويطهركم تطهيرا - قالت: فأخذ فضل الكساء فغشاهم به، ثم أخرج يديه فألوى بهما إلى السماء، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، قال: فأدخلت رأسي البيت وقلت: أنا معكم يارسول الله، قال: إنك إلى خير إنك إلى خير.
أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج قال: أخبرنا محمد بن يعقوب قال: أخبرنا الحسن بن علي بن عفان قال: أخبرنا أبو يحيى الحماني، عن صالح بن موسى القرشي، عن خصيف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أنزلت هذه الآية في نساء النبي صلى الله عليه وسلم - إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت -.

أخبرنا عقيل بن محمد الجرجاني فيما أجاز لي لفظا قال: أخبرنا المعافى بن زكريا القاضي قال: أخبرنا محمد بن جرير قال: أخبرنا ابن حميد قال: أخبرنا يحيى بن واضح قال: أخبرنا الاصبغ، عن علقمة، عن عكرمة في قوله تعالى - إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت - قال: ليس الذين يذهبون إليه إنما هي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وكان عكرمة ينادي هذا في السوق.
* قوله تعالى: (إن المسلمين والمسلمات) الآية.
قال مقاتل بن حيان: بلغني أن أسماء بت عميس لما رجعت من الحبشة معها زوجها جعفر بن أبي طالب دخلت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: هل نزل فينا شئ من القرآن ؟ قلن لا، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يارسول الله إن النساء لفي خيبة وخسار، قال: ومم ذلك، قالت: لانهن لا يذكرن في الخير كما يذكر الرجال، فأنزل الله تعالى - إن المسلمين والمسلمات - إلى آخرها.
وقال قتادة لما ذكر الله تعالى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم دخل نساء من المسلمات عليهن فقلن: ذكرتن ولم نذكر، ولو كان فينا خير لذكرنا، فأنزل الله تعالى
- إن المسلمين والمسلمات -.
* قوله تعالى: (ترجى من تشاء منهن) الآية.
قال المفسرون: حين غار بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم وآذينه بالغيرة وطلبن زيادة النفقة، فهجرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا حتى نزلت آية التخيير، وأمر الله تعالى أن يخيرهن بين الدنيا والآخرة، وأن يخلى سبيل من اختارت الدنيا ويمسك من اختارت الله سبحانه ورسوله على أنهن أمهات المؤمنين ولا ينكحن أبدا، وعلى أن يؤوي إليه من يشاء ويرجى منهن من يشاء، فرضين به قسم لهن أو لم يقسم، أو فضل بعضهن على بعض بالنفقة والقسمة والعشرة، ويكون الامر في ذلك إليه يفعل ما يشاء، فرضين بذلك كله فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ما جعل الله تعالى له من التوسعة يسوي بينهن في القسمة

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المزكى قال: أخبرنا عبد الملك بن الحسن ابن يوسف السقطي.
قال: أخبرنا أحمد بن يحيى الحلواني قال: أخبرنا يحيى ابن معين قال: أخبرنا عباد بن عباد: عن عاصم الاحول عن معاذة، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما نزلت - ترجى من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء - يستأذننا إذا كان في يوم المرأة منا، قالت معاذة: ما كنت تقولين ؟ قالت: كنت أقول: إن كان ذلك إلي لم أوثر أحدا على نفسي، رواه البخاري، عن حيان ابن موسى، عن ابن المبارك ورواه مسلم، عن شريح ابن يونس، عن عباد كلاهما عن عاصم.
وقال قوم: لما نزلت آية التخيير أشفقن أن يطلقن: يا نبي الله اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت ودعنا على حالنا، فنزلت هذه الآية.
أخبرنا عبد الرحمن بن عبدان قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن نعيم قال:
أخبرنا محمد بن يعقوب الاخرم قال: أخبرنا محمد بن عبد الوهاب قال: أخبرنا محاضر ابن المودع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها كانت تقول لنساء النبي صلى الله عليه وسلم: أما تستحي المرأة أن تهب نفسها ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية - ترجى من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء - فقالت عائشة أرى ربك يسارع لك في هواك.
رواه البخاري عن زكريا بن يحيى ورواه مسلم عن أبي كريب كلاهما عن أبي أسامة عن هشام.
* قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي) الآية.
قال أكثر المفسرين: لما بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش أولم عليها بتمر وسويق وذبح شاة، قال أنس: وبعثت إليه أمي أم سليم بحيس في تور من حجارة، فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أدعو أصحابه إلى الطعام، فجعل القوم يجيئون فيأكلون فيخرجون، ثم يجئ القوم ويأكلون ويخرجون، فقلت: يا نبي الله قد (16 - أسباب النزول)

دعوت حتى ما أجد أحدا أدعوه فقال: ارفعوا طعامكم، فرفعوا وخرج القوم وبقى ثلاثة أنفار يتحدثون في البيت، فأطالوا المكث، فتأذى منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شديد الحياء، فنزلت هذه الآية، وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبينه سترا.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الفقيه قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن أحمد الحيرى، قال: أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع قال: أخبرنا عبد الاعلى بن حماد النرسي قال: أخبرنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أبي مجلز، عن أنس بن مالك قال: لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش، دعاالقوم فطعموا، ثم جلسوا يتحدثون، قال: فأخذ كأنه يتهيأ للقيام، فلم يقوموا فلما رأى ذلك قام وقام من القوم من قام قعد ثلاثة
وأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء فدخل فإذا القوم جلوس وأنهم قاموا وانطلقوا، فجئت وأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا، قال: فجاء حتى دخل قال: وذهبت أدخل فألقى الحجاب بيني وبينه، وأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام - الآية إلى قوله - إن ذلكم كان عند الله عظيما - رواه البخاري، عن محمد بن عبد الله الرقاشي، ورواه مسلم عن يحيى بن حبيب الحارثي، كلاهما عن المعتمر أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الواعظ قال: أخبرنا أبو عمرو بن نجيد قال: أخبرنا محمد بن الحسن بن الخليل قال: أخبرنا هشام بن عمار قال: أخبرنا الخليل بن موسى قال: أخبرنا عبد الله بن عوف، عن عمرو بن شعيب، عن أنس بن مالك قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ مر على حجرة من حجره فرأى فيها قوما جلوسا يتحدثون، ثم عاد فدخل الحجرة وأرخى الستر دوني، فجئت أبا طلحة فذكرت ذلك له، فقال: لئن كان ما تقول حقا لينزلن الله فيه قرآنا، فأنزل الله تعالى - يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي - الآية.
أخبرنا أحمد بن الحسن الحيرى قال: أخبرنا حاجب بن أحمد قال: أخبرنا

عبد الرحيم بن منيب قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا حميد عن أنس قال: قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه قلت يارسول الله يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله تعالى آية الحجاب.
رواه البخاري عن مسدد، عن يحيى بن أبي زائدة، عن حميد.
أخبرني أبو حكم الجرجاني فيما أجازني لفظا قال أخبرنا أبو الفرج القاضي قال: أخبرنا محمد ابن جرى قال: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال: أخبرنا هشيم، عن ليث، عن مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطعم معه بعض أصحابه، فأصابت يد رجل منهم
يد عائشة وكانت معهم، فكره النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت آية الحجاب.
* قوله تعالى: (ولا تنكحوا أزواجه من بعده أبدا) قال ابن عباس في رواية عطاء: قال رجل من سادة قريش: لو توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم لتزوجت عائشة، فأنزل الله تعالى ما أنزل.
قوله تعالى: (إن الله وملائكته يصلون على النبي) أخبرنا أبو سعيد عن ابن عمر النيسابوري قال: أخبرنا الحسن بن أحمد الخلدى قال: أخبرنا المؤمل ابن الحسن بن عيسى قال: أخبرنا محمد بن يحيى قال: أخبرنا أبو حذيفة قال: أخبرنا سفيان، عن الزبير بن عدى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم قد عرفنا السلام عليك وكيف الصلاة عليك، فنزلت - إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما -.
أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن عيسى الوشا قال: أخبرنا محمد بن يحيى الصولى قال: أخبرنا الرياشي، عن الاصمعي قال: سمعت المهدى على منبر البصرة يقول: إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى بملائكته، فقال - إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما - آثره صلى الله عليه وسلم بها من بين الرسل واختصكم بها من بين الانام، فقابلوا نعمة الله بالشكر.

سمعت الاستاذ أبو عثمان الواعظ يقول: سمعت الامام سهل بن محمد بن سليمان يقول، هذا التشريف الذي شرف الله تعالى به نبينا صلى الله عليه وسلم يقول - إن الله وملائكته يصلون على النبي - أبلغ وأتم من تشريف آدم بأمر الملائكة بالسجود له، لانه لا يجوز أن يكون الله مع الملائكة في ذلك التشريف، وقد أخبر الله تعالى عن نفسه بالصلاة على النبي، ثم عن الملائكة بالصلاة عليه، فتشرف صدر عنه أبلغ من
تشريف تختص به الملائكة من غير جواز أن يكون الله معهم في ذلك، والذي قاله سهل منتزع من قول المهدى، ولعله رآه ونظر إليه، فأخذه منه وشرحه وقابل ذلك بتشريف آدم، وكان أبلغ وأتم منه، وقد ذكر في الصحيح ما أخبرنا أبو بكر محمد ابن إبراهيم الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عيسى بن عمرويه قال: أخبرنا إبراهيم بن سفيان قال: أخبرنا مسلم قال: أخبرنا قتيبة وعلي بن حجر قالا: أخبرنا إسماعيل بن جعفر، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا.
* قوله تعالى: (هو الذي يصلي عليكم وملائكته) قال مجاهد: لما نزلت - إن الله وملائكته يصلون على النبي - الآية قال أبو بكر: ما أعطاك الله تعالى من خير إلا أشركنا فيه، فنزلت - هو الذي يصلى عليكم وملائكته -.
* قوله تعالى: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا) قال عطاء: عن ابن عباس رأى عمر رضى الله عنه جارية من الانصار متبرجة فضربها وكره ما رأى من زينتها فذهبت إلى أهلها تشكو عمر، فخرجوا إليه فآذوه، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال مقاتل: نزلت في علي بن أبي طالب، وذلك أن أناسا من المنافقين كانوا يؤذونه ويسمعونه وقال الضحاك والسدى والكلبي: نزلت، في الزناة الذين كانوا يمشون في طرق المدينة يتبعون النساء إذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن، فيرون المرأة فيدنون منها فيغمزونها، فإن سكتت اتبعوها، وإن زجرتهم انتهوا عنها، ولم يكونوا

يطلبون إلا الاماء، ولكن لم يكن يومئذ تعرف الحرة من الامة إنما يخرجن في درع وخمار، فشكون ذلك إلى أزواجهن، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى هذه الآية الدليل على صحة هذا.
* قوله تعالى: (يا أيها النبي قل لازواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن) الآية.
أخبرنا سعيد بن محمد المؤذن قال: أخبرنا أبو علي الفقيه قال: أخبرنا أحمد بن الحسين بن الجنيد قال: أخبرنا زياد بن أيوب قال: أخبرنا هشيم عن حصين، عن أبي مالك قال: كانت نساء المؤمنين يخرجن بالليل إلى حاجاتهن وكان المنافقون يتعرضون لهن ويؤذونهن، فنزلت هذه الآية.
وقال السدى كانت المدينة ضيقة المنازل، وكان النساء إذا كان الليل خرجوا، فقضين الحاجة وكان فساق المدينة يخرجون، فإذا رأوا المرأة عليها قناع قالوا هذه حرة فتركوها، وإذا رأوا المرأة بغير قناع قالوا هذه أمة، فكانوا يراودونها، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
سورة يس (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله تعالى: (إنا نحن نحيى الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم) الآية.
قال أبو سعيد الخدري: كان بنو سلمة في ناحية من المدينة، فأرادوا أن ينتقلوا إلى قرب المسجد، فنزلت هذه الآية - إنا نحن نحيى الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم - فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: إن آثاركم تكتب فلم تنتقلون ؟.
أخبرنا الشريف إسماعيل بن الحسن بن محمد بن الحسن الطبري قال: حدثني جدى قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن الشرقي قال: حدثنا عبد الرحمن بن بشر قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا الثوري عن سعد بن الظريف، عن أبى نضرة، عن أبي سعيد قال: شكت بنو سلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد منازلهم من المسجد،

فأنزل الله تعالى - ونكتب ما قدموا وآثارهم - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عليكم منازلكم فإنما تكتب آثاركم.
* قوله تعالى: (قال من يحيى العظام وهي رميم) قال المفسرون: إن أبي
ابن خلف أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعظم حائل، فقال يا محمد أترى الله يحيى هذا بعد ما قد رم ؟ فقال: نعم، ويبعثك ويدخلك في النار، فأنزل الله تعالى هذه الآية - وضرب لنا مثلا ونسى خلقه قال من يحيى العظام وهي رميم -.
أخبرنا سعيد بن محمد بن جعفر قال: أخبرنا أبو علي بن أبي بكر الفقيه قال: أخبرنا أحمد بن الحسين بن الجنيد قال: حدثنا زياد بن أيوب قال: حدثنا هشيم قال: حدثنا حصين عن أبي مالك، أن أبي بن خلف الجمحي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعظم حائل ففته بين يديه، وقال: يا محمد يبعث الله هذا بعد ما أرم ؟ فقال: نعم، يبعث الله هذا ويميتك ثم يحييك ثم يدخلك نار جهنم، فنزلت هذه الآيات.
سورة ص (بسم الله الرحمن الرحيم) أخبرنا أبو القاسم بن أبي نصر الخزامي قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن حمدويه قال: أخبرنا أبو بكر بن دارم الحافظ قال: حدثنا محمد ابن عثمان ابن أبي شيبة قال: حدثنا أبى قال: حدثنا محمد بن عبد الله الاسدي قال: حدثنا سفيان عن الاعمش، عن يحيى بن عمارة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: مرض أبو طالب، فجاءت قريش وجاء النبي صلى الله عليه وسلم وعند رأس أبي طالب مجلس رجل، فقام أبو جهل كى يمنعه ذلك، فشكوه إلى أبي طالب فقال: يا ابن أخي ما تريد من قومك ؟ قال: يا عم إنما أريد منهم كلمة تذل لهم بها العرب وتؤدى إليهم الجزية بها العجم، قال: كلمة واحدة، قال ماهي ؟ قال: لا إله إلا الله، فقالوا: أجعل الآلهة إلها واحدا ؟ قال: فنزل فيهم القرآن - ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق - حتى بلغ - إن هذا إلا اختلاق -.

قال المفسرون: لما أسلم عمر بن الخطاب شق ذلك على قريش وفرح المؤمنون، قال الوليد بن المغيرة لهلاص قريش هم الصناديد والاشراف: امشوا إلى أبي طالب،
فأتوه فقالوا له: أنت شيخنا وكبيرنا قد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء، وإنا آتيناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك، فأرسل أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدعاه فقال: يا ابن أخي هؤلاء قومك يسألونك ذا السؤال فلا تمل كل الميل على قومك، قال: وماذا يسألوني ؟ قالوا: ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتعطوني كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم ؟ فقال أبو جهل: لله أبو ك لنعطينكها وعشر أمثالها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قولوا لا إله إلا الله، فنفروا من ذلك، فقاموا فقالوا: أجعل الآلهة إلها واحدا، كيف يسع الخلق كلهم إله واحد فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآيات - كذبت قبلهم قوم نوح -.
سورة الزمر بسم الله الرحمن الرحيم.
قوله تعالى: (آمن هو قانت آناء الليل) الآية قال ابن عباس في رواية عطاء: نزلت في أبي بكر الصديق رضى الله عنه، وقال ابن عمر نزلت في عثمان بن عفان، وقال مقاتل: نزلت في عمار بن ياسر.
* قوله تعالى: (والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها) الآية.
قال ابن زيد: نزلت في ثلاثة أنفار كانوا في الجاهلية يقولون لا إله إلا الله وهم زيد بن عمرو وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي.
* قوله تعالى: (فبشر عباد، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) قال عطاء، عن ابن عباس: إن أبا بكر الصديق رضى الله عنه آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وصدقه، فجاء عثمان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وسعيد بن زيد

وسعد بن أبي وقاص فسألوه، فأخبرهم بإيمانه فآمنوا ونزلت فيهم - فبشر عباد الذين يستمعون القول - قال: يريد من أبي بكر - فيتبعون أحسنه -.
* قوله تعالى: (أفمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه)
الآية: نزلت في حمزة وعلي وأبي لهب وولده، فعلي وحمزة ممن شرح الله صدره، وأبو لهب وأولاده الذين قست قلوبهم عن ذكر الله، وهو قوله تعالى - فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله -.
* قوله تعالى: (الله نزل أحسن الحديث) الآية.
أخبرنا عبد القاهر بن طاهر البغدادي قال: أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال: أخبرنا جعفر بن محمد الفريابي قال: أخبرنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا عمرو بن محمد القرشي قال: أخبرنا خلاد الصفار عن عمرو بن قيس الملائي، عن عمرو بن مرة، عن مصعب بن سعد، عن سعد قالوا: يارسول الله لو حدثتنا فأنزل الله تعالى - الله نزل أحسن الحديث -.
* قوله تعالى: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) الآية.
قال ابن عباس: نزلت في أهل مكة قالوا: يزعم محمد أن من عبد الاوثان وقتل النفس التي حرم الله لم يغفر له، فكيف نهاجر ونسلم وقد عبدنا مع الله إلها آخر وقتلنا النفس التي حرم الله ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال ابن عمر: نزلت هذه الآية في عياش بن ربيعة والوليد بن الوليد ونفر من المسلمين كانوا أسلموا ثم فتنوا وعذبوا فافتتنوا، وكنا نقول: لا يقبل الله من هؤلاء صرفا ولا عدلا أبدا، قوم أسلموا ثم تركوا دينهم بعذاب عذبوا به، فنزلت هذه الآيات، وكان عمر كاتبا، فكتبها إلى عياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد وأولئك النفر فأسلموا وهاجروا.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد السراج قال: أخبرنا محمد بن محمد بن الحسن الكازرونى قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز قال: أخبرنا القاسم بن سلام قال: أخبرنا الحجاج،

عن ابن جريج قال: حدثني يعلى بن مسلم أنه سمع سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس أن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا، ثم أتوا محمدا
صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذي تدعو إليه لحسن إن تخبرنا لما عملناه كفارة، فنزلت هذه الآية - يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم - رواه البخاري عن إبراهيم ابن موسى، عن هشام بن يوسف، عن ابن جريج.
أخبرنا أبو إسحاق المقرئ قال: أخبرنا الحسين بن محمد بن العلاء قال: أخبرنا يونس بن بكير قال: أخبرنا محمد بن إسحاق قال: أخبرنا نافع، عن عمر أنه قال: لما اجتمعنا إلى الهجرة انبعثت أنا وعياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص بن وائل فقلنا: الميعاد بيننا المناصف ميقات بني غفار، فمن حبس منكم لراياتها فقد حبس فليمض صاحبه، فأصبحت عندها أنا وعياش وحبس عنا هشام وفتن وافتتن، فقدمنا المدينة فكنا نقول: ما الله بقابل من هؤلاء توبة، قوم عرفوا الله ورسوله، ثم رجعوا عن ذلك لبلاء أصابهم من الدنيا، فأنزل الله تعالى - يا عبادي الذين أسرفوا - إلى قوله - أليس في جهنم مثوى للمتكبرين - قال عمر: فكتبتها بيدي ثم بعثت بها، فقال هشام فلما قدمت علي خرجت بها إلى ذي طوى، فقلت: اللهم فهمنيها، فعرفت أنها أنزلت فينا، فرجعت فجلست على بعيري، فلحقت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويروى أن هذه الآية نزلت في وحشي قاتل حمزة رحمة الله عليه ورضوانه، وذكرنا ذلك في آخر سورة الفرقان.
* قوله تعالى: (وما قدروا الله حق قدره) أخبرنا أبو بكر الحارثي قال: أخبرني أبو الشيخ الحافظ قال: أخبرنا ابن أبي عاصم قال: أخبرنا ابن نمير قال: أخبرنا أبو معاوية عن الاعمش، عن علقمة، عن عبد الله قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل من أهل الكتاب فقال: يا أبا القاسم بلغك أن الله يحمل الخلائق على أصبع والارضين على أصبع والشجر على أصبع والثرى على أصبع، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، فأنزل الله تعالى - وما قدروا الله حق قدره - الآية.

ومعنى هذا أن الله تعالى يقدر على قبض الارض وجميع ما فيها من الخلائق والشجر قدرة أحدنا ما يحمله بأصبعه، فخوطبنا بما نتخاطب فيما بيننا لنفهم، ألا ترى أن الله تعالى قال - والارض جميعا قبضته يوم القيامة - أي يقبضها بقدرته.
سورة السجدة (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله تعالى: (وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم) الآية.
أخبرنا الاستاذ أبو منصور البغدادي قال: أخبرنا إسماعيل ابن نجيد قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم بن سعد قال: أخبرنا أمية بن بسطام قال: أخبرنا يزيد بن زريع قال: أخبرنا روح بن القاسم، عن منصور، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن ابن مسعود في هذه الآية - وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم - الآية - قال: كان رجلان من ثقيف وختن لهما من قريش، أو رجلان من قريش وختن لهما من ثقيف في بيت فقال بعضهم: أترون الله يسمع نجوانا أو حديثنا ؟ فقال بعضهم: قد سمع بعضه ولم يسمع بعضه، قالوا: لئن كان يسمع بعضه لقد سمع كله، فنزلت هذه الآية - وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم - الآية.
رواه البخاري، عن الحميدي، ورواه مسلم عن أبي عمر، كلاهما، عن سفيان، عن منصور.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الفقيه قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن علي الحيرى قال: أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال: أخبرنا أبو خيثمة قال: أخبرنا محمد بن حازم قال: أخبرنا الاعمش، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله قال: كنت مستترا بأستار الكعبة، فجاء ثلاثة أنفار كثير شحم بطونهم قليل فقه قلوبهم قرشي وختناه ثقفيان، أو ثقفي وختنه قرشيان، فتكلموا بكلام لم أفهمه، فقال بعضهم: أترون الله سمع كلامنا هذا ؟ فقال الآخر إذا رفعنا أصواتنا سمع، وإذا لم نرفع لم يسمع، وقال الآخر إن سمع منه شيئا سمعه كله، قال: فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم: فنزل عليه - وما كنتم

تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم - إلى قوله تعالى - فأصبحتم من الخاسرين -.
* قوله تعالى: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) الآية.
قال عطاء عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في أبي بكر رضى الله عنه، وذلك أن المشركين قالوا: ربنا الله والملائكة بناته وهؤلاء شفعاؤنا عند الله فلم يستقيموا، وقالت اليهود: ربنا الله وعزير ابنه ومحمد صلى الله عليه وسلم ليس بنبي فلم يستقيموا، وقال أبو بكر رضى الله عنه: ربنا الله وحده لا شريك له، ومحمد صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله واستقام سورة الشورى حم عسق (بسم الله الرحمن الرحيم).
قوله تعالى: (قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) قال ابن عباس: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كانت تنوبه نوائب وحقوق وليس في يده لذلك سعة، فقال الانصار: إن هذا الرجل قد هداكم الله تعالى به وهو ابن أختكم وتنوبه نوائب وحقوق وليس في يده لذلك سعة، فاجمعوا له من أموالكم مالا يضركم، فأتوه به ليعينه على ما ينوبه ففعلوا، ثم أتوا به فقالوا: يا رسول الله إنك ابن أختنا وقد هدانا الله تعالى على يديك وتنوبك نوائب وحقوق، وليست لك عندنا سعة فرأينا أن نجمع لك من أموالنا فنأتيك به فتستعين على ما ينوبك وهو هذا، فنزلت هذه الآية.
وقال قتادة: اجتمع المشركون في مجمع لهم، فقال بعضهم لبعض: أترون محمدا صلى الله عليه وسلم يسأل على ما يتعاطاه أجرا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
* قوله تعالى، (ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الارض) الآية.
نزلت في قوم من أهل الصفة تمنوا سعة الدنيا والغنى.
قال خباب بن الارت: فينا نزلت هذه الآية.
وذلك أنا بطرنا إلى أموال قريظة والنضير فتمنيناها، فأنزل الله تبارك
وتعالى هذه الآية

قال: أخبرنا أبو عثمان المؤذن قال: أخبرنا أبو علي الفقيه قال: أخبرنا أبو محمد ابن معاذ قال: أخبرنا الحسين بن الحسن بن حرب قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا حيوة قال: أخبرني أبو هانئ الخولانى أنه سمع عمرو بن حريث يقول: إنما نزلت هذه الآية في أصحاب الصفة - ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الارض ولكن ينزل بقدر ما يشاء - وذلك أنهم قالوا: لو أن لنا الدنيا، فتمنوا الدنيا.
* قوله تعالى: (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا) الآية وذلك أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبيا كما كلم الله موسى ونظر إليه ؟ فإنا لن نؤمن بك حتى تفعل ذلك، فقال: لم ينظر موسى إلى الله، وأنزلت هذه الآية.
سورة الزخرف (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله تعالى: (ولما ضرب ابن مريم مثلا) الآية.
أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم النصر اباذي قال: أخبرنا إسماعيل بن نجيد قال: أخبرنا محمد بن الحسن بن الخليل قال: حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا شيبان بن عبد الرحمن، عن عاصم بن أبي النجود، عن ابن رزين، عن أبي يحيى مولى ابن عفراء، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقريش: يا معشر قريش لا خير في أحد يعبد من دون الله، قالوا: أليس تزعم أن عيسى كان عبدا نبيا وعبدا صالحا، فإن كان كما تزعم فهو كآلهتهم، فأنزل الله تعالى - ولما ضرب ابن مريم مثلا - الآية.
وذكرنا هذه القصة ومناظرة ابن الزبعرى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر سورة الانبياء عند قوله تعالى - إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم -.

سورة الدخان (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله تعالى: (ذق إنك أنت العزيز الكريم) قال قتادة: نزلت في عدو الله أبي جهل، وذلك أنه قال: أبو عدني محمد والله لانا أعز من بين جبليها، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أبو بكر الحارثي قال: أخبرنا عبد الله بن حيان قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا أسباط، عن أبي بكر الهذلي عن عكرمة قال: لقى النبي صلى الله عليه وسلم أبا جهل فقال أبو جهل: لقد علمت أني أمنع أهل البطحاء، وأنا العزيز الكريم، قال: فقتله الله يوم بدر وأذله وعيره بكلمته، ونزل فيه - ذق إنك أنت العزيز الكريم -.
سورة الجاثية (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله تعالى: (قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله) قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد عمر بن الخطاب خاصة، وأراد بالذين لا يرجون أيام الله عبد الله بن أبي، وذلك إنهم نزلوا في غزاة بني المصطلق على بئر يقال لها المرسيع، فأرسل عبد الله غلامه ليستقى الماء، فأبطأ عليه فلما أتاه قال: ما حبسك ؟ قال: غلام عمر قعد على قف البئر فما ترك أحدا يستقى حتى ملا قرب النبي وقرب أبي بكر وملا لمولاه، فقال عبد الله: ما مثلنا ومثل هؤلاء إلا كما قيل: سمن كلبك يأكلك، فبلغ قوله عمر رضى الله عنه، فاشتمل بسيفه يريد التوجه إليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أبو إسحاق الثعالبي قال: أخبرنا الحسين بن محمد بن عبد الله قال: حدثنا موسى بن محمد بن علي قال: أخبرنا الحسن بن علي أنه قال: حدثنا إسماعيل ابن عيسى العطار قال: حدثنا محمد بن زياد اليشكري عن ميمون بن مهران

عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية - من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا - قال يهودي بالمدينة يقال له فنحاص: احتاج رب محمد، فلما سمع عمر بذلك اشتمل على سيفه وخرج في طلبه، فجاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن ربك يقول - قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله - واعلم أن عمر قد اشتمل على سيفه وخرج في طلب اليهودي، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه، فلما جاء قال: يا عمر ضع سيفك، قال: صدقت يا رسول الله أشهد أنك أرسلت بالحق قال: فإن ربك يقول - قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله - قال: لا جرم والذي بعثك بالحق ولا يرى الغضب في وجهي.
سورة الاحقاف (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله تعالى: (وما أدري ما يفعل بي ولا بكم) الآية.
قال الثعلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس: لما اشتد البلاء بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أنه يهاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء، فقصها على أصحابه، فاستبشروا بذلك ورأوا فيها فرجا مما هم فيه من أذى المشركين، ثم إنهم مكثوا برهة لا يرون ذلك، فقالوا: يا رسول الله متى نهاجر إلى الارض التي رأيت، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى - وما أدري ما يفعل بي ولا بكم - يعني لا أدري أخرج إلى الموضع الذي رأيته في منامي أولا ؟ ثم قال: إنما هو شئ رأيته في منامي ما أتبع إلا يوحى إلي.
* قوله تعالى: (حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة) الآية.
قال ابن عباس في رواية عطاء: أنزلت في أبي بكر الصديق رضى الله عنه، وذلك أنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان عشرة سنة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عشرين سنة وهم يريدون الشام في التجارة، فنزلوا منزلا فيه سدرة، فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظلها ومضى أبو بكر إلى راهب هناك يسأله عن الدين، فقال له: من الرجل

الذي في ظل السدرة ؟ فقال: ذاك محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، قال: هذا والله نبي، وما استظل تحتها أحد بعد عيسى بن مريم إلا محمد نبي الله، فوقع في قلب أبي بكر اليقين والتصديق، وكان لا يفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسفاره وحضوره، فلما نبئ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة وأبو بكر ابن ثمان وثلاثين سنة أسلم وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما بلغ أربعين سنة قال - رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي -.
سورة الفتح أخبرنا محمد بن إبراهيم الداركى قال: أخبرنا والدي قال: أخبرنا محمد ابن إسحاق الثقفي قال: أخبرنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحرانى قال: أخبرنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن المسور ابن مخرمة ومروان ابن الحكم قال: نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأن الحديبية من أولها إلى آخرها.
* قوله تعالى: (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) أخبرنا منصور بن أبي منصور السامانى قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الفامى قال: أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي قال: أخبرنا أبو الاشعث قال: أخبرنا المعتمر بن سليمان قال: سمعت أبي يحدث عن قتادة، عن أنس قال: لما رجعنا من غزوة الحديبية وقد حيل بيننا وبين نسكنا فنحن بين الحزن والكآبة، أنزل الله عز وجل - إنا فتحنا لك فتحا مبينا - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أنزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا وما فيها كلها.
وقال عطاء عن ابن عباس: إن اليهود شمتوا بالنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين لما نزل قوله - وما أدري ما يفعل بي ولا بكم - وقالوا: كيف نتبع رجلا لا يدري ما يفعل به، فاشتد ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى - إنا فتحنا لك
فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر -.

* قوله عز وجل: (ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات) الآية.
أخبرنا سعيد ابن محمد المقرى قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد المديني قال: أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن السقطي قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا همام عن قتادة، عن أنس قال: لما نزلت - إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر - قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: هنيئا لك يا رسول الله ما أعطاك الله، فما لنا، فأنزل الله تعالى: (ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجرى من تحتها الانهار - الآية.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الفقيه قال: أخبرنا أبو عمر بن أبي حفص قال: أخبرنا أحمد بن علي الموصلي قال: أخبرنا عبد الله بن عمر قال: أخبرنا يزيد بن زريع قال: أخبرنا سعيد، عن قتادة عن أنس قال: أنزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم - إنا فتحنا لك فتحا مبينا - عند رجوعه من الحديبية نزلت وأصحابه مخالطون الحزن، وقد حيل بينهم وبين نسكهم ونحروا الهدى بالحديبية، فلما أنزلت هذه الآية قال لاصحابه: لقد أنزلت علي آية خير من الدنيا جميعها، فلما تلاها النبي صلى الله عليه وسلم قال رجل من القوم: هنيئا مريئا يا رسول الله قد بين الله ما يفعل بك، فماذا يفعل بنا ؟ فأنزل الله تعالى - ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات - الآية.
* قوله عز وجل: (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم) الآية.
أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسى قال: أخبرنا محمد بن عيسى ابن عمرويه قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: أخبرنا مسلم قال: حدثني عمرو الناقد قال: أخبرنا يزيد ابن هارون قال: أخبرنا أحمد بن سلمة عن ثابت، عن أنس أن ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من جبل التنعيم متسلحين يريدون غرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فأخذهم أسراء فاستحياهم، فأنزل الله تعالى - وهو
الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة بعد أن أظفركم عليهم -.
وقال عبد الله بن مغفل الهونى: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية

في أصل الشجرة التي قال الله في القرآن، فبينما نحن كذلك، إذ خرج علينا ثلاثون شابا عليهم السلاح فثاروا في وجوهنا، فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ الله تعالى بأبصارهم وقمنا إليهم فأخذناهم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل جئتم في عهد أحد، وهل جعل لكم أحد أمانا ؟ قالوا: اللهم لا، فخلى سبيلهم، فأنزل الله تعالى - وهو الذي كف أيديهم عنكم - الآية.
سورة الحجرات (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) أخبرنا أبو نصر محمد بن إبراهيم قال: أخبرنا عبيد الله بن محمد العكبرى قال: أخبرنا عبيد الله بن محمد البغوي قال: أخبرنا الحسن ابن محمد الصباح قال: أخبرنا حجاج بن محمد قال: أخبرنا ابن جريج قال: حدثني ابن أبي مليكة أن عبد الله ابن الزبير أخبره أنه قدم ركب من بني تميم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: أمر القعقاع بن معبد، وقال عمر: بل أمر الاقرع بن حابس، فقال أبو بكر: ما أردت إلا خلافي، وقال عمر: ما أردت خلافك، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما، فنزل في ذلك قوله تعالى - يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله - إلى قوله - ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم - رواه البخاري عن الحسن بن محمد الصباح * قوله عز وجل: (يأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) الآية.
نزلت في ثابت بن قيس بن شماس كان في أذنه وقر، وكان جهورى الصوت، وكان إذا كلم إنسانا جهر بصوته، فربما كان يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتأذى بصوته، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أحمد بن إبراهيم المزكى قال: أخبرنا عبيد الله بن محمد الزاهد قال: أخبرنا (17 - أسباب النزول)

أبو القاسم البغوي قال أخبرنا قطر بن نسير قال: أخبرنا جعفر بن سليمان الضبعي قال: أخبرنا ثابت عن أنس: لما نزلت هذه الآية - لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي - قال ثابت بن قيس: أنا الذي كنت أرفع صوتي فوق صوت النبي وأنا من أهل النار، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هو من أهل الجنة رواه مسلم عن قطر بن نسير، وقال ابن أبي مليكة: كاد الخيران أن يهلكا: أبو بكر وعمر رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه ركب بنى تميم، فأشار أحدهما بالاقرع بن حابس وأشار الآخر برجل آخر، فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي، وقال عمر: ما أردت خلافك وارتفعت أصواتهما في ذلك، فأنزل الله تعالى - لا ترفعوا أصواتكم - الآية وقال ابن الزبير: فما كان عمر يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه.
* قوله تعالى: (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله) الآية قال عطاء عن ابن عباس: لما نزل قوله تعالى - لا ترفعوا أصواتكم - تألى أبو بكر أن لا يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كأخى السرار، فأنزل الله تعالى في أبي بكر - إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله - أخبرنا أبو بكر القاضي قال: حدثنا محمد بن يعقوب قال: حدثنا محمد ابن إسحاق الصغاني قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد قال: حدثنا حسن بن عمر الاحمسي قال: حدثنا مخارق عن طارق.
عن أبي بكر قال: لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم - إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى - قال أبو بكر: فآليت على نفسي أن لا أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كأخى السرار.
* قوله تعالى: (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون) أخبرنا أحمد بن عبيد الله المخلدي قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن زياد الدقاق قال: حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: حدثنا محمد بن يحيى العتكى قال: حدثنا المعتمر بن سليمان قال: حدثنا داود الطفواى قال: حدثنا أبو مسلم البجلي قال: سمعت

زيد بن أرقم يقول: أتى ناس النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا ينادونه وهو في الحجرة: يا محمد يا محمد، فأنزل الله تعالى - إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون -.
وقال محمد بن إسحاق وغيره: نزلت في جفاة بني تميم، قدم وفد منهم على النبي صلى الله عليه وسلم فدخلوا المسجد، فنادوا النبي صلى الله عليه وسلم من وراء حجرته أن اخرج إلينا يا محمد، فإن مدحنا زين وإن ذمنا شين، فأذى ذلك من صياحهم النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم، فقالوا: إنا جئناك يا محمد نفاخرك، ونزل فيهم - إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون - وكان فيهم الاقرع بن حابس وعيينة ابن حصن والزبرقان بن بدر وقيس بن عاصم وكانت قصة هذه المفاخرة على ما أخبرناه أبو إسحاق أحمد بن محمد المقرئ قال: أخبرنا الحسن بن محمد بن الحسن السدوسى قال: حدثني محمد بن صالح بن هانئ قال: حدثنا الفضل بن محمد المسيب قال: حدثنا قاسم بن أبى شيبة قال: حدثنا معلى بن عبد الرحمن قال: حدثنا عبد الحميد ابن جعفر، عن عمر ابن الحكم عن جابر بن عبد الله قال: جاء بنو تميم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنادوا على الباب يا محمد اخرج إلينا، فإن مدحنا زين وإن ذمنا شين، فسمعهم النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج عليهم وهو يقول: إنما ذلكم الله الذي مدحه زين وذمه شين، فقالوا: نحن ناس من بني تميم جئنا بشاعرنا وخطيبنا نشاعرك ونفاخرك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بالشعر بعثت ولا بالفخار أمرت ولكن هاتوا،
فقال الزبرقان بن بدر لشاب من شبابهم قم فاذكر فضلك وفضل قومك، فقام فقال: الحمد لله الذي جعلنا خير خلقه، وآتانا أموالا نفعل فيها ما نشاء، فنحن من خير أهل الارض ومن أكثرهم عدة، ومالا وسلاحا، فمن أنكر علينا قولنا فليأت بقول هو أحسن من قولنا، وفعال هي خير من فعالنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت ابن قيس بن شماس قم فأجب فقام فقال: الحمد لله أحمده وأستعينه وأومن به، وأتوكل عليه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، دعا المهاجرين والانصار من بني عمه أحسن الناس وجوها وأعظمهم أحلاما فأجابوا، فالحمد لله

أقسام الكتاب

1 2 3

 

 

=============

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج32.سنن النسائي *الأحاديث من 5401 إلى حديث رقم -5758-{النهاية}

سنن النسائي *الأحاديث من 5401 إلى حديث رقم - 5758 - حديث رقم -5401 - أخبرنا عمرو بن علي قال حدثنا يحيى قال حدثنا هشام بن عروة قال حدث...